يبدو أن الرئيس الأمريكى أوباما آخذ فى تأكيد صلاحياته وبلورة مواقفه ودفع أولوياته نحو الإنجاز. فبعد حملات التشكيك بقدراته على اتخاذ القرارات الصعبة، وتردده فى ترجمة القناعات التى لازمته أثناء حملته الانتخابية بدأ يظهر للجمهور الأمريكى أن ما بدا لهم ترددا فى اتخاذ المواقف وحسم القضايا العالقة بدأت تتضح صورته، فبرغم الحملات الشرسة من قبل الجمهوريين، والتحريض وتعبئة الجيوب العنصرية تجاه الرئيس أوباما بغية تشويه صورته والتشكيك بأهليته إلا أن أحداث الأسابيع الماضية دللت على أن تردداته كانت سمة لرئيس يمهد بصبر قبل الحسم مدللا على أن الشجاع يجب أن يكون مضمونا فى خضم التعقيدات التى أفرزتها إدارة بوش من مجازفات عسكرية غير شرعية مثل حرب العراق، وإجازة الأممالمتحدة التدخل فى أفغانستان، وتداعيات الأزمات المالية والاقتصادية التى فاقمت العجز فى الميزانية، والتى بدورها أدت إلى مزيد من البطالة وغيرها من المشاكل التى ورثها الرئيس أوباما. وبرغم أن إدارة التعقيد غير جذابة وبالطبع غير ملهمة فإن خصوم أوباما السياسيين فى الحزب الجمهورى وبعض الديمقراطيين، والتى تبينت من خلال تمرير قانون الضمان الطبى والذى عارضه الجمهوريون وشركات صناعة الأدوية والتأمين بشراسة غير مسبوقة كما فى الأسبوعين الأخيرين يمكن انتزاع مبلغ عشرين مليار دولار من شركة بريتش بترولبوم تعويضات للمتضررين قى ولايات لويزيانا «ميسيسبى» ألاباما وحتى فلوريدا مما أخرس منتقدى أدائه فى معالجة الأزمة أو بالأحرى الكارثة فى خليج المكسيك. ولعل عزل الجنرال ماكريستال من منصبه كقائد لقوات الناتو فى أفغانستان دلت على أن التفكير الذى يعتبره البعض ترددا أو سجين اللاحسم بحبل القرار الملهم بمختلف الاحتمالات يكون نضجا ويعد تجاوبا فوريا وداعما. أشير إلى هذه التطورات الأخيرة فى منهج الرئيس أوباما كونه سوف يجتمع فى السادس من يوليو القادم برئيس حكومة إسرائيل نتنياهو والذى يجىء إلى واشنطن بعد اتخاذ حزب الليكود الذى يقوده قرارا بالإجماع لاستئناف الاستيطان بعد نهاية مدة «التجميد» فى سبتمبر القادم حيث تنتهى مدة العشرة أشهر من «التجميد» التى طلبها الرئيس أوباما. كما أرسل نتنياهو رسائل أخرى قبل زيارته للبيت الأبيض من خلال هدم منازل السكان العرب فى القدس، والرسالة المراد إيصالها إلى البيت الأبيض من خلال هدم البيوت أن القدس كلها كعاصمة لإسرائيل لن تكون من ضمن بنود المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، وأيضا قرار طرد أربعة أعضاء فى المجلس التشريعى الفلسطينى من القدس بحجة انتمائهم لحماس والذى دفع الرئيس محمود عباس اعتبار هذا الإجراء خطا أحمر ناهيك عن تصريحات وزير الخارجية ليبرمان بخصوص ترحيل عرب الخط الأخضر. تجىء زيارة نتنياهو فى أعقاب الضرر الفادح الذى ألحقته مجزرة سفينة مرمرة فى العلاقات التركية الأمريكية إضافة إلى ما يسمى زيارة «تهدئة الخواطر» التى قام بها إيهود باراك «المعتدل» حتى يفسر ضرورة فهم نتنياهو كونه مضطرا كأنه غير مقتنع بالاستجابة للضغوط من يمين حزبه، وكأن نتنياهو ليس هو المخطط للإجراءات التى تسبق الزيارة. الرئيس أوباما كان مخطئا عندما اكتفى بالطلب من نتنياهو فى زيارته السابقة مجرد تجميد بدلا من تفكيك المستوطنات مما دفع نتنياهو أن يقوم «بتنازلات» من بينها رضوخه لضغوط أوباما وقرار التجميد لفترة شهر مما اعتبرته إدارة أوباما من شأنه أن يؤدى لاستئناف المفاوضات والحقيقة المرة أن هذا لم يكن مجرد خطأ بل خطيئة لماذا؟ لأن من يعرف ويدرس الخلفية العلمية والقانونية لأوباما واستناده للقانون الدستورى ودرجة الامتياز التى نال بها شهادة الحقوق من جامعة هارفارد يتوقعه منه كرئيس للولايات المتحدة أن يعى أن المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة هى برهان قاطع على أن إسرائيل لا تعترف بأنها سلطة احتلال وبالتالى غير معنية بالامتثال لاتفاقية جنيف الرابعة كما أن لها الحق فى التصرف بموجب كونها مالكة دون أى اعتراف علنى بذلك بل مبرهنة على ما تقوم به دون انقطاع أو بما يجعل إسرائيل ملتزمة بصيغة حل الدولتين لم تناقش هذا الموضوع الصهيونى المبنى على التحايل منذ اغتصاب فلسطين على عدم التعريف بحدود له وأن الشروط التى وضعها نتنياهو فى خطابه فى جامعة بار إيلان جعل من دولة فلسطين دولة أقل بكثير من الترانسكاى أثناء حكم الأبارتايد العنصرى. لقد حان وقت اتخاذ إجراءات جريئة صريحة وواضحة عند زيارة العاهل السعودى فهذه فرصة لا يجوز تفويتها لعل استقامة مصطلحات أوباما تساهم ألا تظل إسرائيل منفلتة من العقاب. مدير مركز عالم الجنوب بالجامعة الأمريكية بواشنطن