لا أدرى من أين جاء إبراهيم نافع بهذه القدرة على الاستخفاف بالأمور وهو يقفز بمنتهى الخفة على سؤال الإعلامية لميس الحديدى فى برنامجها «من قلب مصر» عن قصة منعه مقالا للراحل العظيم أحمد بهاء الدين فى عموده اليومى بالأهرام؟ لقد مر نافع على هذا الموضوع بمنتهى الرشاقة وكأن ما جرى لم يكن جريمة مهنية وأخلاقية فى حق واحد من جبال الصحافة الراسخة رغم الرحيل قبل أكثر من 14 عاما، حيث اكتفى رئيس تحرير الأهرام «المخلوع» والذى لاحقته اتهامات بالفساد والتربح، بالقول إنه منع مقالا لأحمد بهاء الدين وأوضح له أسباب المنع لكن من حوله هم الذين جعلوه يتأثر بقرار المنع! لم يقل نافع إن المقال الممنوع لسيد الكتابة الصحفية كان يتناول خطورة هدايا الشيخ الفاسى للأهرام على نظافة واحترام ومصداقية الصحافة المصرية. كما لم يتطرق نافع إلى قصة «جريمة العصر» التى هدمت جبلا اسمه أحمد بهاء الدين وألقت به فى غيابة الكمد والمرض ست سنوات حتى فاضت روحه فى مشهد سالت له دموع صاحبة الجلالة، وهذه قصة تستحق أن تروى باعتبارها واحدة من أعنف جرائم الاغتيال المهنى فى تاريخ مصر.. وشهودها مازالوا بيننا يضيئون حياتنا ومنهم الفنان الجميل حلمى التونى والكاتب النبيل مصطفى نبيل وآخرون. كان العظيم بهاء قد كتب سلسلة أعمدة عن هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل تحت عنوان «جريمة العصر» ثم أصدر بيانا شاملا ضد تلك الجريمة وقع عليه الكتاب والمثقفون والفنانون وطلب نشره كإعلان مدفوع الأجر فى الأهرام، غير أن رئيس التحرير السيد إبراهيم نافع رفض نشر الإعلان، رغم أنه لا يجد غضاضة فى أن يتحدث بكل فخر عن ثورته الإعلانية فى الجريدة العريقة، وقيل إن نافع اعترض على عبارات فى البيان وعلى بعض أسماء الموقعين، وفى تلك اللحظة وقبل أن يسقط كمدا هاجر بهاء الدين ببيانه ضد جريمة العصر من أهرام إبراهيم نافع إلى «أخبار اليوم» وكانت تلك صرخته الأخيرة فى البرية، وبعدها دخل فى أتون الحزن والمرض حتى رحل عام 1996. تلك هى القصة كما حدثت وفق روايات بعض أطرافها وشهودها، ومع ذلك يقول نافع بكل جرأة إن المحيطين ببهاء هم الذين دفعوه إلى هذا المصير الحزين، وهنا منتهى القدرة على تزييف الوقائع، لأن المحيطين ببهاء الصحافة المصرية لم يهينوه، ولم يقصفوا قلمه، ولم يدفعوه دفعا إلى براثن الإحساس بالإهانة. وأحسب أن ما فعله نافع مع بهاء أكثر فداحة من كل الاتهامات الموجهة لرئيس تحرير الأهرام السابق ومفجر ثورة الإعلانات بها بشأن شاليهاته وقصوره، تلك التى باعها لسلاطين وأمراء عرب، أو ما تبقى منها تحت يده. لكن عزاءنا أن بهاء لايزال وسيظل باقيا بيننا، فيما رحل آخرون عن ذاكرتنا رغم أنهم على قيد الحياة يقترفون الكتابة فى صحفهم كل يوم. [email protected]