هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    ارتفاع كبير ب400 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (محليًا وعالميًا)    الحكومة تصدر بيانا بشأن "البنزين المغشوش" في محطات الوقود    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    تشكيل إنتر ميلان المتوقع أمام برشلونة في موقعة الإياب بدوري أبطال أوروبا    إحالة سيدة احترفت سرقة متعلقات المواطنين بمدينة الشروق إلى المحاكمة    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    موجة حارة.. بيان مهم ل الأرصاد يكشف طقس اليوم الثلاثاء 6 مايو (احذروا الشبورة)    تامر حسني ومصطفى حجاج يشعلان حفل زفاف رنا رئيس    البرلمان: لا إخلاء لمستأجري الإيجار القديم قبل ضمان بدائل سكنية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلي بورتسودان وتوجه نداء لعملائها    هجوم عنيف بمسيرات أوكرانية يستهدف موسكو ووقف الرحلات في 3 مطارات    هل يشارك ترامب في جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    الصراع يحتدم، رد حاسم من الأزهر بشأن تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    وكيل كولر يتحدث لمصراوي عن: حقيقة التقدم بشكوى ضد الأهلي.. والشرط الجزائي بالعقد    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذهب الخالص: المياه والصراع فى الشرق الأوسط
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 05 - 2010

لن يكون مصدر الاضطرابات السياسية والاجتماعية الأكثر احتمالا فى الشرق الأوسط خلال العشرين عاما المقبلة هو الحرب أو الانقلابات العسكرية بل المياه. إذ تستحوذ التهديدات العسكرية على متابعات كل الصحف، بينما تمثل المياه عنصر التغيير الحقيقى فى اللعبة.
لا يخفى على أحد أن الشرق الأوسط متعطش للمياه. إذ توجد عشر دول فى الشرق الأوسط من بين الخمس عشرة دولة الأكثر افتقارا إلى المياه فى العالم. وعندما استقدم الملك عبدالعزيز بن سعود الجيولوجيين إلى المملكة العربية السعودية لأول مرة، كان ذلك من أجل البحث عن المياه، وليس البترول. وأدى ما اكتشفوه إلى تغيير المملكة، وتغيير المنطقة.
وخلال القرن العشرين، غيرت الثروة والمياه أنماط الحياة فى المنطقة بصورة درامية. إذ تدفق السكان من المناطق الريفية إلى المدن، وهجروا الرعى والزراعة المعيشية. وبدأت الخضراوات تشكل المظهر المعتاد فى نظام الغذاء اليومى، كما تزايد استهلاك اللحوم. وفى الوقت نفسه تزايد السكان. وبدأت الحكومات الحديث عن الأمن الغذائى، ووضعت مخططات مدروسة حتى تصبح مكتفية ذاتيا من السلع الغذائية الرئيسية كالقمح ومنتجات الألبان. وفى ذلك الوقت، استأثرت الزراعة بما يقارب 80% وفى بعض الحالات أكثر من %90 من المياه المستخدمة فى الدول الصحراوية.
ويعود السبب فى إمكانية حدوث ذلك إلى استغلال مخزون المياه الجوفية فى الاستخدام الزراعى. فبينما لا يوجد فى الصحارى والأدغال سوى قليل من المياه الظاهرة، فقد كانت الاحتياطيات الضخمة التى تحتها قادرة على تحويل الأرض البنية الداكنة إلى خضراء، عاما بعد عام.
هيمن البحث عن الماء على حياة الشرق الأوسط لآلاف السنين، ولذلك كان توفير إمدادات فعالة منه مؤشرا واضحا على تحقيق الحكومات فى الشرق الأوسط لشىء متميز من أجل شعوبها. وبشكل خاص فى الدول الصحراوية فى شبه الجزيرة العربية، وفرت الحكومات إمدادات المياه مجانا، أو بتكلفة لا تذكر.
وعلى نحو مفاجئ، أمكن للناس الاعتماد على وجود الماء لديهم من أجل الشرب والاستحمام، مع تحسن الصحة العامة نتيجة لذلك. وبشكل ملحوظ، بدأ انتشار الزهور والأشجار على الطرق السريعة المنشأة حديثا. وفى دولة مثل الأردن، سمحت المياه الجوفية بازدهار أشجار الفواكه، وفى اليمن، روت المياه الجوفية محصول «القات» دائم النمو، وهو أوراق منشطة تقوم عليها التجارة والنشاط الاجتماعى.
واجتاحت الثورة الزراعية الشرق الأوسط. وصارت المياه، التى دائما ما يراها كثير من الناس على أنها منحة من الإله، أحد الحقوق، وصار استخدام المياه شأنا وطنيا.
ظل الباحثون يكتبون بشأن المياه فى الشرق الأوسط سنوات، ولكن كثيرا منهم كانوا ينظرون إلى الطرف الخاطئ من المعادلة. واشتملت معظم كتاباتهم تقاسم أحواض الأنهار الكبيرة التى تشكل المنطقة: الأردن والنيل ودجلة والفرات. ولفترة امتدت لنصف قرن، مارس الدبلوماسيون المساومات حول تدفقات تلك الأنهار عبر الحدود. ونجحوا فى ذلك إلى حد بعيد، ولم تتولد بشأن الأنهار صراعات مسلحة.
ولكن الأنهار لا تمثل جوهر القصة. إذ تعد الأنهار موارد متجددة، تتجدد كل عام من خلال ذوبان ثلوج الشتاء وسقوط أمطار الربيع. كما أنها ظاهرة للعيان؛ فعندما يصيب الجفاف نهرا، تبدو مستويات نضوبه بوضوح فى مرحلة مبكرة.
لكن الآبار التى تغذى جزءا كبيرا من الزراعة فى الشرق الأوسط، تعتبر موردا محدودا، ويتم استغلالها بصورة تفوق قدرتها على تجديد نفسها بكثير. فتصب الأمطار التى سالت على الأرض لعشرات الآلاف من السنين الماضية على محاصيل الخيار والطماطم، والتين والخوخ، والقمح والبرسيم.
فى السنوات الأولى من هذا القرن، ظهرت بالفعل إشارات كثيرة على أن سياسات السبعينيات التى كان المراد منها توفير أمن ذائى، خلقت فى الواقع ضعفا مجتمعيا. إذ ينبغى حفر الآبار باضطراد إلى عمق أكبر، إلى جانب أن مياه الآبار صارت أقل نقاء. ويشعر الجيولوجيون بالقلق لأننا مقدمون على فترة عصيبة.
فربما تنفد المياه من صنعاء عاصمة اليمن خلال خمس سنوات؛ وربما لا تمتلك عمان عاصمة الأردن من المياه سوى ما يغطى 15 عاما فقط. بمجرد نفاد المياه، لن تكون الخيارات جيدة. إذ لن تنهار الزراعة فقط، ولكن المدن سوف تجد نفسها فى معاناة شديدة للحصول على الإمدادات الأساسية من المياه من أجل خدمة سكانها. ورغم وجود فرصة لتحلية المياه أمام البعض، فإنها مكلفة وتستخدم كمية كبيرة من الطاقة، خاصة إذا كان المستخدم النهائى على مسافة كبيرة من الشاطئ، أو يقطن المرتفعات العالية، أو كلاهما معا.
وإذا أضير الأمن المائى بالفعل، فسوف يصل الجانب السياسى المحيط باستخدام الماء إلى مدى أبعد. إذ تعتبر المياه موضوعا سياسيا فى أى مجتمع يعانى من الجفاف، كما تشهد بذلك جماعة الضغط القوية التى شكلها الفلاحون فى غرب أمريكا. ونادرا ما كان أداء حكومات الشرق الأوسط جيدا فيما يتعلق بتخصيص الموارد الشحيحة، بينما كانت عقود الوفرة تجعل الخيارات أسهل. ولكن ذلك العهد اقترب من نهايته.
وفوق ذلك، فإن بعض أكبر مستخدمى المياه فى الزراعة فى الشرق الأوسط هم من بعض أكبر الأسر القوية (إذا لم تكن الأسر الحاكمة نفسها)، مما يصعب فرض القيود على استخدام المياه بشكل خاص. وسوف يعمل المال والجغرافية على تخفيف آثار الصدمة على بعض الدول الغنية، وخاصة فيما يتعلق بتوفير كميات محدودة نسبيا من المياه من أجل الاستخدام المنزلى. ومع ذلك، يصعب تخيل مستقبل دون حركة لملايين من البشر، وتغييرات درامية فى أنماط المعيشة، وإحساس قوى ومنتشر بالإخفاق الحكومى.
إن الوضع ليس ميئوسا منه بالكامل، إذ يمكن إحداث فرق من خلال سياسات زراعية معدلة، وأساليب الزراعة المحسنة، وإعادة تدوير فاقد المياه بجرأة. ويمكن أيضا القيام بمحاولات لتحسين الإشراف الحكومى على الآبار، واستخدام سياسة تسعير تشجع الاقتصاد فى الاستخدام، وإدخال الابتكارات على أنظمة توصيل المياه. وقد أدى جمع الحكومة بين العمل والتقاعس عن العمل إلى هذه المشكلة. إلا أنه من خلال الأداء الحكومى فحسب يمكن تخفيف معظم آثارها المدمرة.
ولكى تنجح حكومات الشرق الأوسط، ينبغى عليها حشد كل إرادتها السياسية، ومهارة الحوكمة، وقيادة الناس باتجاه خلق نماذج جديدة فى السلوك. ويعتبر الوفاء بذلك مستوى رفيعا للإنجاز بالنسبة إلى أى حكومة، ناهيك عن الحكومات التى كانت فاعليتها دائما محل شك. ولكن البديل مخيف بالفعل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.