في ظل ما أثارته تعليقات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأخيرة بشأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) من عاصفة سياسية داخل التحالف، وما تواجهه المساعدات الأمريكيةلأوكرانيا من تهديدات، دعا زعماء أوروبا إلى بذل مزيد من الجهود لضمان أمن القارة. وقال ترامب، المرشح المحتمل لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، خلال تجمع في مدينة كونواي بولاية ساوث كارولينا، إنه سيشجع روسيا على أن تفعل "ما تريده بحق الجحيم" لأي دولة عضو في الناتو لا تنفق ما يكفي على الدفاع. وأثارت تصريحات ترامب -حتى بمعايير هجومه على الناتو على مدار فترة طويلة- انزعاج الحلفاء داخل الحلف، وإدانة قوية من البيت الأبيض. وأدان الرئيس الأمريكي جو بايدن التصريحات واصفا إياها بأنها "غبية" و"مشينة". وحذر الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتبنرج، من أن "أي اقتراح بأن الحلفاء (داخل الناتو) لن يدافعوا عن بعضهم البعض يقوض أمننا جميعا، بما فينا الولاياتالمتحدة". وقال مسئول السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "لا يمكن للناتو أن يكون تحالفا عسكريا انتقائيا". ويصر الدبلوماسيون في العديد من الدول الأعضاء على أن بقاء أمريكا داخل الحلف أمر أساسي لردع التهديد من روسيا. ولكنهم متفائلون بشأن مصداقية تهديدات الرئيس الأمريكي السابق، ويقولون إن الحلف خرج من ولاية ترامب الأولى سالما. "زيادة غير مسبوقة" في الإنفاق على الدفاع: الشكوك تكتنف مساعدات أمريكالأوكرانيا وقال ستولتنبرج يوم الأربعاء الماضي إن 18 من إجمالي 31 دولة عضو في الناتو سوف تحقق هدف الإنفاق الدفاعي، بواقع 2% من إجمالي الناتج المحلي، هذا العام. وأضاف أنه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير عام 2022، شهد العام الماضي "زيادة غير مسبوقة"، بلغت 11% في إنفاق أعضاء الناتو من أوروبا، وكندا على الدفاع. وإجمالا، قال ستولتبرج إن الدول الأعضاء من أوروبا، وكندا ستضيف أكثر من 600 مليار دولار للإنفاق الدفاعي حيث وضعت هذه الدول هدف 2% من الناتج المحلي قبل عقد من الزمن. ولا تزال أمريكا تشكل الجزء الأكبر من الإنفاق الدفاعي المشترك لأعضاء الحلف. وقال الأمين العام ستولتنبرج: "لا يجب أن نترك مجالا للحسابات الخاطئة، أو سوء الفهم في موسكو بشأن استعدادنا، والتزامنا، وإصرارنا على حماية حلفائنا." وكانت الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا بمثابة دعوة صحوة للدول الأوروبية، ونتج عنها أن صارت نسبة 2% الحد الأدنى للإنفاق على الدفاع، وليست الهدف. وقامت الأطراف الفاعلة، مثل ألمانيا، بتعزيز الإنفاق على الدفاع، وسوف تحقق المستهدف خلال العام الجاري. والبعض الآخر متباطئ، حيث تسعى إسبانيا إلى الوصول لنسبة 2% بحلول عام 2029، وسلوفينيا بحلول عام 2030. وفي الوقت الذي يتم فيه التركيز على الإنفاق الدفاعي لحلف الأطلسي، تم طرح القضية الملحة، المتمثلة في دعم أوكرانيا، خلال اجتماع يوم الأربعاء الماضي. وكان مجلس الشيوخ الأمريكي وافق قبل ذلك بيوم على التمويل الذي طال انتظاره للمجهود الحربي في أوكرانيا، ولكن يتوقع أن يرفض مجلس النواب، بقيادة الجمهوريين، هذه الحزمة. وتكتنف الشكوك مستقبل المساعدات الأمريكيةلأوكرانيا، في الوقت الذي تقول فيه كييف إن قواتها تواجه تفوقا في حجم النيران في مواجهة التقدم الروسي البطيء على طول خط المواجهة. وقبل تسعة أشهر من الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، حيث يسعى بايدن لولاية جديدة، شارك وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس. ويواجه بلينكن مهمة شاقة لتبديد الشكوك بشأن القيادة الأمريكية. ويشارك في مؤتمر ميونخ للأمن سنويا، والذي عقد هذه المرة نهاية الأسبوع الماضي على مدار يومين، نخبة من صناع السياسات الدفاعية في العالم، حيث يعد المؤتمر مقياسا للعلاقات عبر الأطلسي. وقالت رئيسة مجموعة الأزمات الدولية كومفورت إيرو: "من الواضح للغاية بالنسبة لي حيثما ذهبت، وحيثما اتحدث للناس، أن الأشخاص الذين يراقبون أمريكا يبدون متوترين للغاية". وأضافت إيرو أنها تعتقد أن الولاياتالمتحدة لا تزال لاعبا مؤثرا على المستوى الدولي- سواء كان ذلك بالإيجاب أو السلب، مضيفة: "ولكني اعتقد أن هناك قلقا متناميا، وخوفا، وعدم ارتياح، بشأن الغموض، وعدم القدرة على التنبؤ.. هناك فحسب الاستقطاب والانقسام.". دعوات جديدة إلى موقف أوروبي قوي بشأن الأمن في إطار الناتو وقال رئيس وزراء بلجيكا الكسندر دي كرو: "الوحدة هي أكبر رصيد يمتلكه الغرب ضد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين.. آخر شئ يمكن أن نفعله هو التخلي عن هذا الرصيد." وعلى الرغم من ذلك، أقر دي كرو بأن أوروبا تتحمل مسؤولية تولي مقاليد أمنها بنفسها، مضيفا: "علينا خلال السنوات المقبلة إقامة ركيزة أوروبية أقوى داخل حلف شمال الأطلسي." فرنساوألمانيا وبولندا: إحياء مثلث فيمار "دعم جديد" للاتحاد الأوروبي. وقام رئيس وزراء بولندا الجديد دونالد توسك، بزيارة برلين حيث التقى المستشار الألماني أولاف شولتس، ثم طار إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مسعى لتعزيز التعاون في مجال السياسة الخارجية لأوروبا. وقال المستشار الألماني في مؤتمر صحفي مشترك، إنه لا غنى عن التضامن والعمل المشترك بالنسبة لألمانيا وبولندا، "بصفة خاصة في الوقت الذي تهدد فيه الإمبريالية الروسية أمننا المشترك في أوروبا". وشدد توسك على أن الاتحاد الأوروبي، متفوق على روسيا، على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وقال: "يقينا، ليس نقص الأموال هو الذي الذي سيقرر مصير هذه الحرب، أي المواجهة بين روسياوأوكرانيا'" ورغم ذلك، أوضح توسك أن هناك حاجة إلى مزيد من الإصرار لتوظيف ثروات أوروبا من أجل الأمن والدفاع. وفي باريس، أشاد الرئيس الفرنسي ماكرون برئيس وزراء بولندا وحكومته، ووصفهما بأنهما "شركاء موثوقون ومؤيدون لأوروبا.. ويتسمون بالوضوح فيما يتعلق بالأمن الأوروبي،" وأكد الدعوات لتعزيز صناعة الدفاع الأوروبية. وأضاف توسك: "هذا هو أيضا ما سيجعل من الممكن أن تصبح أوروبا قوة أمنية ودفاعية مكملة لحلف شمال الأطلسي، والركيزة الأوروبية للحلف." ودعا الرئيس الفرنسي الدول الأوروبية في يناير الماضي، إلى الاستعداد لدعم أوكرانيا حال قررت واشنطن وقف المساعدات لكييف. وعلى نحو منفصل، استضاف وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه، نظيريه، الألمانية أنالينا بيربوك، والبولندي ورادوسلاف سيكورسكي خارج باريس. وناقش الاجتماع الثلاثي، الذي عقد في إطار صيغة "مثلث فيمار"، تعميق السياسة الخارجية والتعاون الأمني. وصيغة "مثلث فيمار" عبارة عن تحالف أقامته الدول الثلاث في عام 1991 للعمل معا فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية. وقال وزير الخارجية الفرنسي، عقب تصريحات ترامب بشأن الناتو، إن أوروبا بحاجة إلى بوليصة "تأمين على الحياة" إضافية، إضافة للناتو. وأوضح: "نعم، نحن بحاجة إلى تأمين ثان على الحياة، لن يكون بديلا لحلف الأطلسي، ولن يكون ضده، بل سيكون بالإضافة للناتو."