يشكو الصيادون التقليديون في محافظة المهرة شرق اليمن، التي صارت مقصدا للنازحين من المحافظات الأخرى هربا من الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات وبحثا عن مصدر للرزق، من أن سفن الصيد الكبيرة التي تُسمى الجرّافات تحرمهم من مصدر رزقهم. من بين هؤلاء الشاب حسين القرشي، الذي غادر مسقط رأسه في محافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر غرب اليمن في صغره بحثا عن عمل يسد به حاجة أسرته المعدمة التي تنتظر حوالته المالية التي يرسلها شهريا من محافظة المهرة الواقعة على ساحل البحر العربي. بحث حسين (17عاما) عن عمل يمّكنه من توفير احتياجات أسرته، فلم يجد له مكانا في بر محافظة المهرة؛ لكن بحر المحافظة الواسع بات ملعب الشاب، الذي لديه خبرة في صيد الأسماك اكتسبها في سنوات طفولته، حيثُ كان يُمارس الصيد مع والده ورفاقه في الحديدة قبل اندلاع الحرب. لم تصل الحرب الدائرة بين الحكومة المعترف بها دوليا في اليمن وجماعة الحوثيين إلى المهرة، وظلت المحافظة الواقعة على بعد حوالي 850 كيلومترا تقريبا شمال شرقي عدن موالية للحكومة وسط استقرار أمني لحد كبير. - موسم صيد القرش من فوق قاربه الخشبي الصغير، يقول حسين في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إنه يعمل في صيد الأسماك المختلفة طوال أيام السنة، ولكن حاليا هو موسم صيد القرش، أو ما يسمّى محليّا (اللخم) قبالة مدينة الغيضة عاصمة المهرة الغنية بالأحياء البحرية. ويضيف أنه بحكم خبرته التي اكتسبها بعد ثلاث سنوات في هذه المهنة منذ وصوله إلى المهرة، يعلم أن رمي الشباك لا يقتصر على مناطق محددة أو ذكاء الصياد، وأنه كلما زاد عمق البحر الذي يرمي شباكه فيه يكون المحصول أسماكا أكبر "ولكل أسماك شباك ذو فتحات وأحجام محددة". ويقول حسين "الرزق ليس من البحر إنما من السماء"، مشيرا إلى أنه يخرج من البحر بأسماك قرش صغيرة ومتوسطة الحجم يذهب بها إلى تاجر يبتاعها حالما يصل إلى الساحل، وهو ما يعود عليه وعلى زملائه بإيرادات مجزية. من جانبه، يقول بائع أسماك اللخم أسعد بوحيرن إنه يجفف أسماك القرش بعد شقها ورشها بالملح وتعريضها لأشعة الشمس لمدة ثلاثة أيام، ثم تُباع مجففة تحت مسمى (سائد) في مناطق شرق اليمن، كما تُصدّر أيضا إلى بعض دول الجوار. وأوضح أن تجفيف أسماك القرش تقليد قديم في المهرة، كبديل عن التبريد في الثلاجات حتى لا تفسد الأسماك، إضافة إلى إيصالها إلى مناطق بعيدة عن المدينة قد لا تتوفر فيها الكهرباء والتبريد، مبينا أن الأسماك المجففة قد تبقى صالحة للأكل لشهور بفضل الملح والتجفيف. وتضم المحافظة أسواقا مخصصة لتجفيف أسماك القرش وبيعها، حيث تشتهر بأنواع مختلفة وذات جودة عالية من القرش؛ كما يتناول أبناءُ المهرة وحضرموت أسماك اللخم بشكل شبه يومي، ويعد لحمها من الوجبات الرئيسية في مناطق شرق اليمن. - تهديد لرزق الصيادين ولبقاء الأسماك ويشكو الصيادون في المهرة، الذين يعتمدون بشكل رئيس على صيد الأسماك لتوفير مصدر دخل يومي، من عشوائية الصيد في سواحل المحافظة الممتدة لمسافة 560 كيلومترا، حيث يقولوا إن الأسماك تتعرض لعمليات صيد جائرة وعشوائية وجرف كلي يحرم الصيادين من الحصول على مصدر رزقهم ويهدد بقاء الأسماك. ويؤكد الصيّاد حسين أن هناك أياما لا يقدر فيها حتى على توفير تكاليف رحلة الصيد أو تكاليف وقود القارب الصغير الذي يعمل عليه، موضحا أن أبرز التحديّات التي تواجه الصيادين وجود ما يسمى محليا الشرطوانات، وهي سفن كبيرة تحمل شباكا ضخمة بفتحات لا تترك مجالا لأي حجم من الأسماك للهروب منها، وبالتالي تجرف كل الأسماك من المنطقة. ويُشير إلى أن الشرطوانات أو (جرّافات الأسماك) تؤثر على كمية الأسماك ووجودها في سواحل المنطقة، مضيفا "تكون (الأسماك) في سَنةٍ متوفّرة بشكل أقل من العام السابق، وفي العام التالي تقل أكثر حتى تنتهي من المنطقة بسبب هذا الجرف العشوائي". - 80 في المئة من صيادي المهرة نازحون وأوضح سهيل المهري، رئيس اتحاد التعاون السمكي (مجتمع مدني) في المهرة، أن احتياجات الصيادين كثيرة، ومنها توفير أدوات الصيد، بالإضافة إلى توفير قوارب بدعم من الدولة لمساعدة الصيادين المتضررين من الأعاصير والأمواج التي أتلفت قوارب الكثير من الصيادين المُعدمين غير القادرين على توفير أدوات وقوارب بديلة في مواصلة عملهم في المهرة. وأشار المهري في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي إلى أن المهرة تشهد موجة نزوح كبيرة للصيادين من المحافظات المختلفة، خاصة محافظة الحديدة، حيث وصلت نسبة الصيادين النازحين مقارنة بالصيادين من أبناء المحافظة إلى حوالي 80 في المئة. وأضاف "مع ازدياد عدد الصيادين وحركة الصيد العشوائية، بات لزاما مطالبة الجهات المعنية بترشيد عملية الصيد السمكي وتنظيم عمليات الاصطياد والصيادين وتقديم تراخيص رسمية لمزاولة مهنة الصيد بشكل رسمي للحفاظ على البيئة البحرية والمخزون السمكي في سواحل محافظة المهرة اقتداء بالدول المجاورة لليمن". من جانبه، قال المراقب البحري أيوب حمود، الذي يعمل في إدارة الرقابة في مكتب الثروة السمكية في المهرة إن الصيادين يعانون من شُحّ الأسماك الموسمية جراء عمليات الجرف العشوائية للأسماك في منطقة محيفيف بمديرية الغيضة عاصمة المحافظة. واتهم المراقب السلطة المحلية وقيادة مكتب الثروة السمكية في المهرة بعدم القيام بواجبهما لحماية الأحياء البحرية وترشيد الصيد السمكي في سواحل المهرة، قائلا "نرفع تقارير الرقابة والمشكلات التي تواجه الأحياء البحرية والأسماك بشكل يومي وأسبوعي وسنوي؛ لكن لا يتم العمل بتوصيات التقارير المرفوعة". وأكد حمود وجود شح سمكي في كثير من المواسم التي اعتاد الصيادون خلالها وفرة الأسماك الموسمية، مضيفا "باتت اليوم منعدمة، حيث يعود الصيادون من رحلات الصيد البحرية دون كميات مقبولة من الأسماك" بسبب عمليات الجرف التي تتعرض لها الأسماك. وقال إنه بعد عمليات الجرف، تُباع الأسماك بشكل كلي إلى مطاحن خاصة في المهرة تطحن كل أنواع الأسماك وأحجامها ثم تبيعها أسماكا مطحونة، إضافة إلى استخراج زيوت الأسماك المختلفة الاستخدامات. وردا على هذا الاتهام، قال مدير الهيئة العامة للمصائد السمكية في المهرة عبد الناصر كلشات إن الشرطوانات "تعمل وفق شروط الصيد إذا ما تم التصريح لها رسميا"، مضيفا أن الهيئة لم تعط أي تصاريح رسمية لمزاولة عمل الشرطوانات وأنها ملتزمة بلائحة الصيد التقليدي الخاص بالمحافظة. وأوضح كلشات في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي أن القانون اليمني يسمح للشرطوانات بمزاولة أعمال الصيد لكن وفق شروط معيّنة، ولكنه أكد أن الالتزام بتلك الشروط من قبل ملاك الشرطوانات "ضعيف جدا" رغم سعي الهيئة إلى الحد من استخدامها في المهرة. وأكد أن الهيئة تُلاحق الشرطوانات بالتعاون مع السلطات الأمنية ضمن حملات بين الفترة والأخرى، مضيفا "أمّا اذا اشتد تأثيرها، فستعمل الهيئة على إيقافها، رغم أنها باتت وسيلة صيد مسموحة في محافظة حضرموت وغيرها".