جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    نقابه الصحفيين تقر قواعد جديدة للمنتسبين من الخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    البنك المركزي يقترض 55 مليار جنيه عبر أذون الخزانة    البرنامج الوطني لإدارة المخلفات: 11.5 مليون جنيه لدعم عمال النظافة    تحرك برلماني جديد بشأن قانون الإيجار القديم    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    سبب فشل فرق الإنقاذ في العثور على طائرة الرئيس الإيراني (فيديو)    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الزمالك هيكسب، رسائل من الجمهور ل هنادي مهنا أثناء تواجدها باستاد القاهرة    أشرف صبحي يكرم شابا بعد فوزه بالمركز الثاني على العالم في الطاقة المتجددة    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    العثور على جثة فتاة في ظروف غامضة بالمنيا    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    قصة حب عمرها 30 سنة.. حكاية زواج صابرين من عامر الصباح (فيديو)    محمد إمام يكشف عن البوسترات الرسمية لفيلم اللعب مع العيال (صور)    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    إرنا: خامنئي يطمئن الإيرانيين بعدم تأثر إدارة الدولة بحادث مروحية الرئيس    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    في اليوم العالمي للمتاحف.. المتحف المصري بالتحرير يستقبل 15 ألف زائر    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    حزب الريادة: مصر كان لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    رجل يعيش تحت الماء 93 يوما ويخرج أصغر سنا، ما القصة؟    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمزية «كفر عسكر».. الصراع والمقاومة
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2024


1
من بين طوفان الكتب والروايات التى يستعد أصحابها (مؤلفون وناشرون) للظهور بها فى معرض القاهرة الدولى الكتاب 2024، لفتنى للغاية إعلان إحدى دور النشر الحديثة (كتوبيا) عن إصدار (ثمانية كفر عسكر) للروائى الراحل الكبير أحمد الشيخ؛ أحد أهم وأبرز كتاب جيل الستينيات، وإن لم يكن فى الطبقة التى استأثرت بالشهرة والأضواء والمال، فضلًا على أنه عاش حياته كلها تقريبًا بعيدًا عن بؤر الضوضاء والتعارك والصراعات، وكان شخصًا عزوفًا عن الأضواء.
أحمد الشيخ كاتب أصيل ومقتدر (19392017)، صوت إبداعى نافذ وعالى القيمة، وهو واحد من أبرز أدباء الستينيات الذى عايش آلام مصر وآمالها على مدى نصف قرن من الإبداع، كتب الرواية والقصة القصيرة، فضلًا عن نشاطه فى الدراما التليفزيونية والإذاعية، ومساهماته الأخرى فى أدب الأطفال.
ورغم العزوف الشديد عن الشهرة والأضواء والضوضاء معًا، فإن أى مؤرخ للرواية العربية والمصرية (فى النصف الثانى من القرن العشرين) لا يستطيع، وليس بمقدوره أن يغفل اسم أحمد الشيخ. فهو قامة روائية عالية‏، ‏ أنجز حصادًا وفيرًا من القصص والروايات، والدراما التليفزيونية‏، واشتهر بحفره الغائر فى ذاكرة القرية المصرية التى هيمنت على وعيه الشقى من ناحية (كما وصفه الناقد الراحل صلاح فضل ذات مرة)‏، ‏ومغامراته الجسور فى دروب المدينة التى خبر قاعها من ناحية أخرى، يتبدى ذلك كأنصع ما يكون فيما تركه الشيخ من أعمال روائية وقصصية، وخاصة سلسلة رواياته الفذة التى أخرجها تحت راية «كفر عسكر»؛ وصدر فيها «الناس فى كفر عسكر»، و«حكاية شوق»، و«حكايات المدندش»، و«سيرة العمدة الشلبى»، وغيرها التى احتلت مكانها ضمن أهم الأعمال الروائية وأبرزها فى مدونة إبداع جيل الستينيات وحتى وقتنا هذا.
2
وجاء صدور هذه الطبعة الكاملة من ثمانية «كفر عسكر» لأحمد الشيخ، بأغلفةٍ جذابة وزاهية الألوان (بتعبيرها الرمزى البسيط، واستلهامها للتيمة الشعبية «الريفية») جاء مفاجأةً سارة لى، ولكل محبى الكاتب الكبير وعارفى قدره وقيمته فى الكتابة الإبداعية. لفتنى حقيقة التفات دار النشر الذكى اللماح؛ موضوعًا وتوقيتًا، لإرث الكاتب الكبير ولهذه السلسلة بالتحديد من الروايات، ف «كفر عسكر» مثلت روح القرية المصرية الأصيلة، وتوسعت فى جمالياتها لتتجاوز روح «التسجيل» و«التأريخ» فى إطار تقاليد الكتابة الواقعية إلى الرمزية الإنسانية الشاملة، واتخاذ الحكاية إطارًا لتأريخ موازٍ للصراع العربى الإسرائيلى.
هذه البراعة التى تفنن الناقد الراحل صلاح فضل فى توصيفها قائلا «فعل أحمد الشيخ هذا باقتدار فى رواياته سالفة الذكر، التى وضعته فى مصاف كبار كتاب الستينيات، بمذاق خاص ولغة متفردة، وعوالم برع الشيخ فى رسمها وتجسيدها فنيا، وتميز فى كتابته تلك بأسلوب معجون من دقيق السرد وزبد الحوار بمهارة عجوز ريفى حكاء‏،‏ يعرف كيف يمزج مستويات اللغة بلفتات الذهن وتقنيات التعبير‏، ‏ حيث تتشابك خيوط اللهجة العامية المفصحة بأمشاج الأمثال وطزاجة الكلام اليومى المعتاد‏، ‏ لتدمغ الشخصية والموقف بما يسمى نقديًّا «الأسلوب غير المباشر».
صدرت الرواية الأولى من هذه الثمانية بعنوان «الناس فى كفر عسكر» عام 1979 بعنوان فرعى (أولاد عوف)، ورغم أنها نشرت بعد اثنتى عشرة سنة من هزيمة 1967 فإنها كانت صيحة مقاومة إبداعية حقيقية، يمكن إدراجها ضمن أهم الأعمال الإبداعية التى سعَت لتجاوز آثار تلك الهزيمة، بإعادة مراجعة شاملة وممارسة للنقد الذاتى على كل المستويات، ودون وضع أى حدود لأى سقف.
3
الكاتب الراحل علاء الديب وصفها بأنها «رواية مهمة، غنى حقيقى فى الموضوع»، وأنها تقدم «صورة جديدة وأصيلة للريف المصرى»، واعتبرها صلاح فضل «رواية مكثفة عن النسيج الإنسانى والاجتماعى والقيمى للقرية المصرية، عمل فنى فريد كتبه الشيخ فى لحظة وعى حاد بالوطن وما يدور فيه وحوله، ليقدم عن هذا الجيل الذى خبره وعايشه وانتمى إليه شهادة فنية موثقة».
تتخذ أحداث الرواية التى تبدو للوهلة الأولى رواية تقليدية بسيطة من الريف المصرى خلال القرن العشرين فضاء سرديًّا، يُقدِّم خلاله أحمد الشيخ ملحمته البديعة عن الأرض، وقيمتها بالنسبة إلى الفلاح، والخصومة المتوارثة بين عائلتى «عوف» و«شلبى» فى بناء محكم لا يقدر عليه إلا كاتب كبير متمكن.
قصة واحدة تُروى من وجهتى نظر مختلفتين، من شخصين، ومن جيلين مختلفين، منظومة قيم متحورة، قصة صراع بين الأجيال، بين قيم الماضى الحالمة وقيم الحاضر العملية، والتى لا تراعى أى أبعاد إنسانية، إنها صراع مستمر.
وإن كان يجوز لقارئها المدقق ألا يعتبرها عن القرية أصلا، فهى فى الأساس تحكى عنّا، نحن «أولاد هذا البلد لا أولاد كفر عسكر «حسن» و«صالح»، كفر عسكر هى مصر، وأولاد عوف هم أبناء مصر»، كما يعرف بها أحمد الشيخ نفسه.
لكن الرواية بعمقها وأصالتها تتجاوز الإطار الحكائى البسيط لصراع على الأرض بين عائلتين فى قرية ريفية، ستصير الرواية «رمزية» أكبر أو «أمثولة» لصراع أشمل، يمكن أن يكون فى مصر «الوطن المباشر للكاتب»، أو تتسع دوائر التأويل ليكون فى فلسطين قلب العرب النازف، أو تشمل الرؤية التأويلية أى مكان آخر فى العالم يتصارع فيه أصحاب الحق والأرض مع مغتصبيها، يقاومون ويتصدون لهذه المحاولات مهما كانت فداحة الأثمان والأرواح.
إنها أشبه بمرثية للقرية القديمة، وفيها وعى الإنسان المنغمس فيها إلى أقصى حد، وهذا هو الذى يعطى نبض الحياة ونبض الصدق فى الفن.
4
فى النهاية، أحيى هذا الاختيار وأثمنه، وأدعو دور النشر الجديدة والشابة إلى احتذائه، فلن نواجه القبح والفوضى وتسطيح الوعى إلا بالأعمال التى تسمو بالذائقة، وتنشط الخيال، وتنقل قراءها إلى دوائر اطلاع أخرى وآفاق أرحب وأوسع وأرقى على الحقيقة لا المجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.