آخر تحديث.. سعر الريال السعودي في نهاية تعاملات اليوم الأحد    «الخارجية»: مصر تتابع بقلق أنباء تعرض مروحية الرئيس الإيراني لحادث مروع    الرئيس السيسي يهنئ نادي الزمالك بفوزه بالكونفدرالية الأفريقية    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    بالفيديو.. مؤتمر إعلان تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان «دراما رمضان»    «الفن المصري الحديث».. «درة» متاحف الشرق الأوسط ويضم قطعا نادرة    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    عالم بالأوقاف: الحج ليس رحلة ترفيهية وإنما عبادة وجهاد    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    «الصحة»: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الأولية    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    التنمية المحلية: التصالح على مخالفات البناء بمثابة شهادة ميلاد للمبنى المخالف    قصواء الخلالي: نفي إسرائيل علاقتها بحادث الرئيس الإيراني يثير علامات استفهام    الاتحاد الفلسطيني للكرة: إسرائيل تمارس رياضة بأراضينا ونطالب بمعاقبة أنديتها    محافظ الوادي الجديد يبحث إنشاء أكاديميات رياضية للموهوبين بحضور لاعبي المنتخب السابقين    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    بيان عاجل بشأن الموجة الحارة وحالة الطقس غدا الإثنين 20 مايو 2024    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واحات محمد عناني المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 01 - 2024


1
مر عام كامل على رحيل الدكتور محمد عنانى (19392023)، أستاذ الأدب الإنجليزى بكلية الآداب جامعة القاهرة، والمترجم الموسوعى صاحب الأعمال المدهشة؛ كما ونوعا، وأحد أبرز المثقفين المصريين فى نصف القرن الأخير!
وعلى الرغم من أننى لم أدرس فى قسم اللغة الإنجليزية وآدابها، ولم أتتلمذ على عنانى فى قاعات المحاضرة بل ربما لم ألتقه بشكل مباشر إلا مرات محدودة للغاية وعابرة، فإننى أعتبر نفسى مدينا له بجزء لا يستهان به فى معرفتى اللغوية، والأدبية، وفى مناحى الثقافة العالمية قاطبة!
تعرفت على محمد عنانى فى سن مبكرة للغاية، وقد كان نشطا ومذهلا فى نتاجه الموسوعى؛ تأليفا وترجمة وكتابة للمقال، وتحريرا للكتب، وإعدادا للمختارات الشعرية والتراثية، ومقدما للمكتبة العربية عشرات الأعمال المختارة بعناية فائقة، لغويا وجماليا وإبداعيا وقيميا، فيما عرف أو اشتهر بسلاسل روائع المختارات (الشعرية؛ التراثية؛ المسرحية.. إلخ) .
2
شىء يصيب متابعه بدوار حقيقى من التعدد والتنوع والغزارة التى كانت تسم إنتاجه، وأظن أن حقبة التسعينيات من القرن الماضى هى ذروة تفجر إبداعه ونشاطه فى كل مناحى الإبداع والترجمة.
لم أكن جاوزت الثالثة عشرة بعد (وربما الخامسة عشرة) حينما وقع فى يدى كتيب صغير للغاية من إصدارات سلسلة (تراث الإنسانية) فى إصدارها عن مكتبة الأسرة عام 1994، بعنوان «مختارات من شعر شكسبير» وجذبنى الرجل بسلاسة أسلوبه وجزالة لغته العربية، وتدفق كتابته وغزارة مادته، كانت هذه الكتيبات «تعليمية» بامتياز، ولم يتخل فيها «عنانى» عن حس المعلم الشارح الذى يريد أن يأخذ بأيدى المقبلين على المعرفة والراغبين فيها، ويتحسسون طريقهم على استحياء، فيجدون يدا حانية تربت عليهم، ومعلما صديقا يقدم لهم العون والمساعدة، وييسر عليهم الخطو، ويشير عليهم بيد الإرشاد والنصح «لا التوجيه» إلى أول الطريق، فيسيرون غير وجلين ولا هيابين، ويكتسبون من ثمة الثقة المطلوبة لقطع مزيد من الخطوات والتوغل فى الطريق.
كان عنانى بارعا فى ذلك كل البراعة، وكانت مقدماته المستفيضة التى صدر بها ترجماته لعبقرى المسرح الإنجليزى عبر العصور شكسبير دروسا قيمة فى اللغة والترجمة الأدبية، وفى قراءة التراث الأدبى «العالمى»، وفى البحث المناظر فى تراثنا القومى، كان عبقريا ومدهشا ومثقفا حقيقيا من طراز رفيع.
3
ثم فاجأنى فى نهاية التسعينيات بكتابة سيرته الذاتية الأدبية الممتعة (أكرر الممتعة!) واحات العمر التى صدرت فى ثلاثة أجزاء على مدى خمسة أعوام (19982002)، ثم ألحق بها جزءا رابعا بعنوان «حكايات الواحات» لتشكل فى مجموعها السيرة الذاتية الكاملة لمحمد عنانى منذ مولده عام 1939 وحتى نهاية العام 2005.
وأنا من عشاق السيرة الذاتية والمفتونين بقراءتها، وأراها (أى السير الذاتية) المرايا الحية والصادقة والدالة على تحولات وتطورات ونتوءات المجتمعات والثقافات التى كتبت فيها هذه السير.
وقد لاحظت أن بعض السير الذاتية المعاصرة تعد فعلا من أكثر السرود مقروئية وانتشارا؛ لأنها توثق مسارات حياة بعض الشخصيات فى عمقها البعيد، وتتسم بالجرأة والصراحة والبوح الذاتى الذى يحمل انكسارات الذات، ومصاريعها وهزائمها، ولحظات الفشل والألم والعذاب الشخصى، وتكشف عن بعض أو كل مساحات الضعف والصغائر التى خايلت الكاتب، وسيطرت على بعض تفكيره أو سلوكه فى حركته العامة إزاء الآخرين أيا كانت مواقعهم أو مكانتهم، وكثير مما ذكرت وجدته فى سيرة محمد عنانى.
وسيرة عنانى بأجزائها المتعددة تمثل خيطا متصلا من الأحداث الأدبية فى فترات ثلاث؛ فالجزء الأول يختص بالجذور والنشأة والتكوين (19451965)، والثانى يتناول فترة التخصص العلمى فى الخارج والاصطدام بثقافة أجنبية (19651975)، والثالث يتناول العودة إلى مصر والعمل بالكتابة المسرحية والنقد والترجمة حتى نهاية العمر الوظيفى الرسمى (19752000). وقد جمعت الأجزاء الثلاثة بين دفتى مجلد واحد، ما دام الخيط الزمنى ممتدا ولم ينقطع؛ وذلك حتى ييسر على القارئ العربى متابعة الأحداث الأدبية التى يرويها، فهى أحداث متصلة يفضى بعضها إلى بعض، ويصب بعضها فى البعض، وهى «ذاتية» لأنه يرويها من وجهة نظره الخاصة، ولكنها «موضوعية» أيضا لأنها تتناول الأحداث الأدبية (والثقافية) العامة فى مصر فى النصف الأخير من القرن العشرين، وتعتبر من ثم شهادة على عصر التحولات الكبرى فى المجالات الأدبية المذكورة؛ فى المسرح، وهو الفن الأدبى الذى أحبه وأبدع فيه، وفى النقد، وهو الفرع الأدبى الذى مارسه بحكم التخصص العلمى، والترجمة وهى النشاط الذى توفر عليه احترافا وهواية، بل وحبا جارفا كاد أن يجور على باقى إسهاماته فى المجالات الأخرى.
4
ويبدو أن الأجزاء الثلاثة لم تف بما كان يريد الدكتور عنانى قوله كله، وهكذا، وبعبارته نفسه «ولقد عدت إلى زيارة هذه الواحات هذا العام (2002)، فوجدت حكايات كنت أهملتها فى غضون حرصى على التسلسل الزمنى الصارم لواحات العمر، وألح على بعض الأصدقاء ممن أكن لهم الاحترام والتقدير والحب أن أفرد لها كتابا يكون ذيلا أو ذيولا للواحات، ففعلت ذلك»، وصدرت بالفعل فى مجلد مستقل بعنوان «حكايات الواحات» باعتبارها حواشى «واحات العمر».
وللأمانة فقد احتفظ عنانى فى هذه «السيرة الأدبية الكاملة» بكل ما تميزتْ به الأجزاء المستقلة، ولم يشأ أن يغير شيئا منها، بما فى ذلك التصديرات والمقدمات، عسى أن «يجد فيها القارئ صورة لعصر كامل من التحولات، بألوانها المختلفة وكل ما تحفل به من تضارب أو اتساق؛ فالسيرة الذاتية الأدبية تجمع بين خصائص الأدب وخصائص التاريخ، وفيهما ما فيهما من فن وتسرية».. وهكذا اتسق وانتظم عقد السيرة الذاتية الكاملة لعنانى.. وفيها الكثير والكثير مما يروى ويقرأ ويحلل.. (وللحديث بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.