قوات الاحتلال تعتقل 30 من ذوي الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس» خلال مظاهرات في تل أبيب    مجلس الشيوخ يعلن خلو مقعد النائب الراحل عبدالخالق عياد    لتنمية النشء والتأهيل لسوق العمل.. بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والشباب والرياضة (تفاصيل)    رئيس الوزراء: نجحنا في تعزيز الاحتياطي من العملات الأجنبية ونعمل على خفض الدين العام    الجزار يوجه بعدم التهاون مع المقاولين في معدلات التنفيذ وجودة تشطيبات وحدات سكن لكل المصريين    الأحد 12 مايو 2024.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 60 مليار جنيه    «الصحة»: ملف التمريض يشهد تطورًا كبيرًا في تحسين الجوانب المادية والمعنوية والعلمية    مصر الجديدة للإسكان تقترح توزيع كوبون نقدي على المساهمين    بركات: الزمالك يستطيع التتويج بكأس الكونفدرالية    غرفة العمليات الرئيسية بتعليم الوادي الجديد تواصل متابعة سير امتحانات النقل    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبا    السيطرة على حريق شب بسوق السد العالي في البساتين    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بمنطقة البدرشين    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 23 مليون جنيه و«شقو» يقترب من 68 مليون جنيه    «السياحة» تفتح المتاحف مجانا أمام الزوار في اليوم العالمي للمتاحف    المشاط: البنك الدولي يطلق منصة جديدة للضمانات أول يوليو المقبل تتيح المزيد من الأدوات التمويلية للقطاع الخاص    «صناعه الشيوخ» تناقش تطوير المنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بالجيزة    كاميرون: يجب تنفيذ وقف مؤقت للقتال في غزة    إجلاء أكثر من أربعة آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية    صحيفة بحرينية: نأمل أن تكون المنامة نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق «التوكتوك» وسرقته بالفيوم    نقل 11 مصابا في حادث سير لمستشفى ديرب نجم    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لافتتاحه مسجد السيدة زينب    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    أسامة كمال عن أزمة تصوير الجنازات: هل المواطن يستمتع ب مشاهدة الصراخ والبكاء؟ أين حُرمة المتوفي واللحظة؟    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    يؤديها 35 ألف طالبًا وطالبة.. انتظام امتحانات نهاية العام بالوادي الجديد (صور)    تفاصيل مصرع ربة منزل وطفلتها في انقلاب موتوسيكل بترعة بأطفيح    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    مصر لديها أكبر عدد للواعظات فى العالم بواقع 691 واعظة .. الوعظ النسائى قصص وحكايات ترويها واعظات الأوقاف    مشتريات عربية تقود صعود مؤشرات البورصة في مستهل تداولات الأسبوع    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 12 مايو 2024: مشاكل ل«الثور» ومكاسب مالية ل«الحوت»    حارس باريس سان جيرمان يعلن الرحيل رسميًا    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    «المالية»: تبكير مواعيد مرتبات صرف يونيه للعاملين بالدولة بمناسبة إغلاق السنة المالية وعيد الأضحى    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للعبة ببجي موبايل    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    علي الدين هلال: المصلحة الوطنية لكل دولة عربية الحفاظ على استقرار المنطقة    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعد من حقوق العيش الكريم
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 12 - 2023

دخلت الحرب الإجرامية على غزة والفلسطينيين شهرها الثالث. هذه الحرب، وأمام العجز الدولى عن إيقافها، هب اليمن ليدخل ورقة ضغط حقيقية وليعطل طريقا أساسيا للتجارة الدولية وليذكر أن المشرق العربى كان، ولا يزال، فى وسط العالم وأنه طريق التجارات التى جلبت معها منذ القدم ثروات ونهضة كما جلبت أيضا المصائب والويلات.
المشرق العربى كان طريقا قديما للتوابل من الهند.. طريق جعل من مكة المكرمة مصدرا لإحدى أهم الحضارات الإنسانية. وكان المشرق العربى طريقا قديما للحرير من الصين واليابان إلى العراق والشام. والتجارة العالمية هى التى خلقت مجد مصر الفاطمية والمملوكية وفى عهد محمد على، أى حتى قبل شق قناة السويس. لكن طرق التجارة ولدت أطماعا وأتت بغزوات متتالية من التتار والمغول والصليبيين وكانت وراء الاستعمار الحديث. كما كانت مدينة البندقية قد مولت حملات صليبية لا من أجل الدين... بل من أجل التجارة. وقامت الولايات المتحدة بغزو ليبيا أوائل القرن التاسع عشر نتيجة خلاف على حقوق عبور تجارية على شواطئها. كما قام نابليون بغزوته لمصر محاولا قطع طريق الهند البريطانية.
وفى زمن أكثر قربا، قامت انقلابات سوريا الأولى لتمرير خطوط النفط من العراق والسعودية نحو البحر المتوسط. وجاء العدوان الثلاثى على مصر من أجل قناة السويس، وحرب نكسة 1967 من أجل مضائق تيران على خليج العقبة. وكثيرا ما يعزى الصراع الحالى على سوريا كنتيجة تنافس بين خط لغاز قطرى نحو تركيا وبين آخر من إيران نحو المتوسط، أكثر منه صراع سنى شيعى. وأن وراء حرب غزة اليوم مشروع قناة بحرية جديدة تربط خليج العقبة بالبحر الأبيض أو ممر بالسكك الحديدية يمتد من الخليج.
• • •
لكن مقاربة الصراعات على «ريع» الموقع الجغرافى تكتسى أهمية أكثر شمولا. إن الموقع الجغرافى يشكل اقتصاديا «ريعا» للدول التى تتحكم به، بقدر ما تشكل أيضا الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن «ريوعا»، ولا ننسى أيضا تحويلات المغتربين والمساعدات الأجنبية. إن «ريع» عبور التجارة عبر بلد يجلب ثروات ولكن يجلب أيضا أمراضا اقتصادية «كالمرض الهولندى» الذى يكبح، رغم الثروات، تطور إنتاج البلد الزراعى والصناعى وتنميته.
ويبقى النقل الجوى جزءا لا يستهان به من التجارة العالمية وله أثر على السياحة. حيث تدفع شركات الطيران حقوق مرور للدول التى تمر فى أجوائها. وفى الوقت ذاته تكتظ بعض مسارات الطائرات، وترتفع كلف العبور، خاصة عندما تمنع بعض الدول تحليق شركات طيران دول أخرى. وهكذا كان مسار الطائرات الإسرائيلية معقدا نحو آسيا عندما كانت المقاطعة العربية قائمة. وكان مسار الطائرات الأوروبية نحو الخليج معقدا فى ظل حظر التحليق فوق سوريا ومسار الطائرات القطرية إبان الأزمة مع دول الخليج الأخرى والطائرات الروسية فوق أوروبا بعد حرب أوكرانيا. بالنتيجة يخلق سماح المرور بالأجواء ريعا للدول المعنية ويحول تغيير المسارات الريع إلى دول أخرى.
بالتوازى، غدت شبكات الإنترنت عنصرا فاعلا فى التجارة الدولية، خاصة عبر «الكابلات» التى تمتد فى البحار والمحيطات. هذه الكابلات تنقل الخدمات، بما فيها الاتصالات، حيث تتعاظم حصتها من تلك التجارة الدولية. وشركات الكابلات تدفع أيضا حقوق مرور للدول التى يتم التمديد عبر أراضيها أو على شواطئها أو فى مساراتها المائية. هكذا تمر معظم «الكابلات» الممتدة من آسيا نحو أوروبا عبر قناة السويس وتشكل مصدرا لريع لا يستهان به لمصر مقارنة بالنقل البحرى. وقد يشكل تحويل خطوط مرور هذه الكابلات نحو إسرائيل بدل مصر منافسة حقيقية لقناة السويس، ومنافسة أقل كلفة من شق قناة جديدة موازية أو خطوط سكة حديدية. علما أن تنويع مسارات مرور الكابلات يشكل ضرورة استراتيجية نظرا لتداعيات انقطاع الخطوط.
النقل البرى له، هو الآخر، أهمية كبرى. إن الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط نقل الطاقة، من نفط وغاز وكهرباء، والموارد الطبيعية. فعلى صعيد التجارة العالمية، أسست الصين التى أضحت مصنع العالم سياساتها المستقبلية على «الحزام والطريق»، أى النقل البحرى والبرى، انطلاقا من واقع أن الربط البرى وتقليص كلفته يؤطر نمو الاقتصادات على جوانبه. إن شبكات الأقنية المائية ثم السكك الحديدية أسست لنمو الدول الصناعية منذ القرن التاسع عشر. واللافت أن اهتمام الدول العربية بشبكات هذه البنى التحتية منذ استقلالها ظل بطيئا ومتواضعا، إلا نادرا، سواء داخليا بين مدنها ومناطقها أو بين بعضها البعض. وظل فى أغلبه يعتمد على الطرق والسيارات بدل السكك الحديدية الأقل كلفة والأسلم بيئيا. «الريع» فى هذه الحالة حقوق «ترانزيت» عابرة للبلدان، بالنسبة للشاحنات وخطوط النفط والغاز والكهرباء.
وحدها أنابيب النفط والغاز تخلق «ريوعا» تخضع لاعتبارات سياسية واستراتيجية. ومن اللافت أن خطوط أنابيب النفط من السعودية والعراق نحو المتوسط ما زالت متوقفة. ولافت أيضا منع أوروبا لسنين طويلة مرور غاز بحر قزوين عبر تركيا. ولافت فى نفس السياق منع الولايات المتحدة وصول الغاز والكهرباء إلى لبنان عندما كانت الطاقة متوفرة فى مصر، حتى بتمويل من البنك الدولى.
يبقى النقل البحرى هو الأقل كلفة للبضائع ولا يخلق «ريعا» إلا فى حالات استثنائية، مثل قناتى السويس وبنما اللتين شيدهما البشر ومضيق البوسفور الطبيعى. هذه ممرات استراتيجية تخلق إيرادات بقدر ما توفر من مسافات مقارنة بالممرات البديلة. لكنها أيضا فرصة لتأطير نمو اقتصادات فى موانئ تستقطب خطوط التجارة البحرية. تبقى الأكثر استدامة بينها هى تلك التى تربط بين مسارات تجارة عالمية متنوعة بينها وبين التنمية الداخلية. هكذا تأتى أهمية قطب دبى من ربطه التجارى بين الهند وباكستان وإيران والسعودية. فى حين تأتى أهمية السويس وعين السخنة وبور سعيد من تموضع الصناعات فى بلد ذى قدرات بشرية كبيرة.
لكن دور الموانئ واستقطابها قد يتغيران مع التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى. فها هو انفجار مرفأ بيروت يرمز إلى نهاية دوره المركزى الذى رسمه له الفرنسيون بداية القرن العشرين. ليس فقط تجاه سوريا والعراق، بل أيضا تجاه الخليج. وها قد عاد دور حيفا الذى رسمه لها البريطانيون ليس فقط للاقتصاد الإسرائيلى بل أيضا لتجارة تركيا وغيرها مع الخليج.
• • •
صراعات المشرق العربى هى صراعات على الحاضر وعلى المستقبل. وليست فقط صراعات على الهويات والحقوق، وفى طليعتها حق الفلسطينيين بالعيش الكريم على أرضهم وكذلك حقوق شعوب جميع بلدان المنطقة. بل أيضا صراعات حول التنمية والتجارة، الحالية والمستقبلية، وخصوصا حول «الريوع» الحالية وتلك التى يتم رسم مخططاتها المستقبلية.
إن الصراع على غزة لتدميرها وتهجير أهلها له بعد اقتصادى واستراتيجى. ولا شك أن الإسرائيليين يجدون فرصة لتأسيس أرضيته. والصراع على اليمن له أيضا بعد اقتصادى وتجارى. بعد تفجر اليوم بوضوح مع انخراط اليمن فى الحرب. وكذلك الصراع على السودان. والحديث له أبعاده أيضا على مستقبل سوريا ولبنان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.