ختام امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية (صور)    سكرتير شعبة الذهب: تراجع أسعار الذهب والفضة    محافظ القليوبية: إزالة 3190 حالة تعد على الأراضي الزراعية وتحرير 1558 محضر مخالفة    18.4 مليار جنيه حصيلة جمع العملات من شركات الصرافة التابعة للبنوك الحكومية    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    مجرم في كهرباء الجيزة!    بايدن: لن يهدأ بالي حتى يعود جميع الرهائن عند حماس إلى أحبائهم    رئيسة «الخير» المعارضة لأردوغان تستقيل من منصبها    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    الجودو، منتخب مصر يتربع ملكا على عرش البطولة الأفريقية (صور)    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب | النسخة العاشرة    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    تسبب في حالة تسمم، إغلاق مطعم شهير بالسعودية    تجديد حبس المتهمين بسرقة السيارات في العجوزة    كواليس لقاء ياسمين عبد العزيز مع إسعاد يونس في صاحبة السعادة    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    «تربيعة» سلوى محمد على ب«ماستر كلاس» في مهرجان الإسكندرية تُثير الجدل (تفاصيل)    تطوان ال29 لسينما البحر المتوسط يفتتح دورته بحضور إيليا سليمان    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكاء الاجتماعي المفقود
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 08 - 2023

كنت ذاهبا للكشف الطبى المنزلى على مريض فقير قعيد فى منزله وكان يسير إلى جوارى ابنه الشاب ليدلنى على الطريق فى الحى الشعبى المجاور لعيادتى وكنت أحمل أكياسا وشنطة ثقيلة، فقد كنت قادما من السفر.
سار الشاب إلى جوارى وهو يرانى أحملها بصعوبة وأنا فى هذه السن المتقدمة، لم يكلف نفسه أن «يعزم أو يقترح» أو يحاول مساعدتى، وهو يرانى أكاد أسقط من حملها.
اغتظت منه لأننى ذاهب لخدمة والده القعيد مجانا، فقلت له: أنت شاب وترى ما أحمل ولم تفكر لحظة حتى فى مجرد الاقتراح بمساعدتى، أو حمل بعض الأكياس معى.
انتفض سريعا لوقع كلماتى وأراد مساعدتى فرفضت بشدة قائلا: كان ذلك قبل أن أنبهك، أما الآن فلا، فلم أكلمك لمساعدتى فقد مضى أوان ذلك، ولكن لتعرف أن هناك قواعد أخلاقية فى الحياة ينبغى أن تهتم بها.
نموذج هذا الشاب شائع فى المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، أما القرى والمدن الصغيرة فلا يكاد شيخ كبير أو امرأة عجوز تحمل شيئا فوق طاقتها فى محطات القطار أو فى الشارع إلا ويسارع الجميع لمساعدتهم.
كانت أمى رحمها الله تصف لى مثل هذه المواقف الكثيرة التى مرت بها وتدعو كثيرا لمثل هذا الشباب الذى يقابلها ويحمل عنها دون أن يعرفها.
فى المقابل هناك طفل صغير لا يجاوز العاشرة من عمره يعيش مع أسرته فى العمارة التى أسكن فيها، مرض يوما بشدة فاستدعونى فوصفت له علاجات مركزة لسوء حالته الطبية. كان ذلك مجانا كعادتى مع جيرانى، تحسن بعد أسبوع هذا الغلام وكان يقابلنى بالأحضان والسلام الغالى.
كنت دوما أقول لنفسى: الذكاء الاجتماعى قد يكون أهم من الذكاء العلمى، كم من أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين يفتقدون الذكاء الاجتماعى وتفشل حياتهم الاجتماعية لذلك، ولا يحسنون التعامل مع المجتمع من حولهم ولا مع زوجاتهم.
ظل هذا الغلام على طبيعته الرائعة فى السلام ورد الحديث والتجاوب مع المشاعر الفياضة قبل مرضه وبعدها. منذ عدة أيام كنت أحمل عدة أكياس فيها خضار وفاكهة وغيرها وإذا بالغلام يصر على حملها قلت له: هذا فوق طاقتك وثقيل عليك، احمل واحدا فقط، قال: لا، وصمم على حملها، شكرته كثيرا، فإذا به يفاجئنى برد جميل: يا عمو أنت ربنا جعلك سببا فى شفائى، أنا كنت تعبان خالص، مشاعر هذا الغلام كانت كذلك قبل مرضه لم يصنعها علاجى له. هذا الغلام يأسرنى كلما التقيته هو رائع فى كل شىء فى الاسانسير أو مدخل العمارة أو المسجد بقوة حضوره الاجتماعى وعمق أخلاقه، الابتسامة لا تغيب عن وجهه الجميل، كلماته دائما أكبر من سنه، منطقه الاجتماعى أعمق من عشرات الأطباء والمهندسين وحملة الماجستير والدكتوراة من ذوى الفشل الاجتماعى الذين نعيش قصصهم كل يوم.
الذكاء الاجتماعى مصدره الجينات الرائعة والتربية الأخلاقية الفريدة، ولذا أنصح كل فتاة مقبلة على الزواج ألا تتزوج من الغبى اجتماعيا حتى لو كان غنيا أو صاحب جاه، الأسر الآن لا تعلم أبناءها الاجتماعيات الصحيحة. كنت محظوظا فى طفولتى، كانت أمى السيدة العظيمة رحمها الله، تعلمنى كيف أستقبل الضيوف وكيف أحمل الطعام للسائل والفقير، وأنتظره حتى يأكل وأعود بالأطباق، وكانوا قديما يدقون أبواب البيوت، وكيف أذهب لدفع الزكوات والصدقات من أسرتى المتوسطة لأقاربى الفقراء، وكيف أتلطف فى هذا الأمر، وأجلس معهم أولا وقتا وأشرب ما يقدمونه وأبلغهم سلام وتحيات والدى ووالدتى، ثم أخلو بالمقصود منهم وحدنا وأسلمه وأنا خجول الظرف بما فيه من مبلغ زهيد وقتها ولكنه كان يسعدهم.
كلمة «وليتلطف» التى جاءت فى منتصف القرآن بالضبط تعنى فيما تعنى أن الحياة كلها والدين كله يحتاج إلى «التلطف»، «والترفق»، «التأنى والتريث» والدخول إلى النفوس البشرية من أجمل المداخل، لكى يفهم ويعقل الناس الدين، ويقبلوه ويحبوه، وكذلك الحياة إن غاب عنها التلطف أصبحت ثقيلة كئيبة موحشة، التلطف فى كل الأمور مطلوب.
التلطف فى كل الأمور هو أكسير الحياة، التلطف مع الوالدين والزوجة والزوج والأولاد والأشقاء والأصدقاء، ومع الخصوم، التلطف فى حل المشكلات وفك المعضلات.
أكاد أجزم أن خلق «التلطف» لو ساد بيننا لحل معظم مشكلات الكرة الأرضية، ووجود كلمة «وليتلطف» فى منتصف القرآن بالضبط لم يأت من فراغ، التلطف هو حكمة الحياة لأنه يعنى حسن التأتى للأمور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.