يجلس أحمد نظيف رئيس الوزراء بطوله الفارع فوق حقيبته الأنيقة وينظر فى تردد نحو ورقة التوت الأخيرة التى تستر المواطن المصرى، هذا الذى تحول إلى جسد بائس نحيل «يتكتك» بردا. هذا ما أبدعه الفنان مصطفى حسين فى رسمه الكاريكاتيرى الشهير معبرا عن السؤال الملّح الذى يشغل الجميع فى ظل الأزمة الاقتصادية المتنامية وعدم تحمل الحكومة لتبعاتها: «هل تفكر الحكومة فى إلغاء الدعم؟». لم تكن رسوم فنان الكاريكاتير المصرى هى الوحيدة المعبرة عن هذه الروح الساخرة والنظرة الثاقبة فى معرض «مصابيح مضيئة» وهو معرض الكاريكاتير المتنقل الذى نظمه المجلس الثقافى البريطانى فى نقابة الصحفيين لينتقل إلى ساقية الصاوى ثم قاعة المجلس البريطانى، بل سيطرت النزعة السياسية والهم الوطنى على أعمال رسامى الكاريكاتير السبعة المشاركين فى المعرض والممثلين لسبع دول. فضلا عن الفنان مصطفى حسين شفاه الله السورى على فرزات (الذى تبدو أعماله أشبه باللوحات التشكيلية وليس مجرد كاريكاتير) والأردنييّن عماد حجاج (جريدة القدس العربى) وجلال رفاعى (جريدة الدستور الأردنية) واللبنانى أرمان حمصى (جريدة النهار) والسعودى يزيد الحارثى (جريدة الوطن)، بالإضافة إلى ضيف الشرف البريطانى ستيف بيل رسام الكاريكاتير بجريدة الجارديان البريطانية والذى قدم ندوة وورشة عمل بنقابة الصحفيين ضمت العديد من وجوه الكاريكاتير المصريين على رأسهم الفنان جمعة. فى حين تبنى مصطفى حسين فى «مصابيح مضيئة» قضية المواطن وما يعانيه من بطالة وارتفاع أسعار كما فى الكاريكاتير الفذ الذى يصور الجزّار بابتسامته العريضة مستقبلا الموظف المغلوب على أمره تعلو نظرته علامات الذهول أمام تعليق تاجر اللحوم: «عاش من شافك يا أستاذ ده معاد السنوية بتاعتك». ظهرت رسوم الفنان البريطانى وكأنها مستها نفس الهموم التى يتقاسمها العالم العربى، فيقدم بيل مجموعة لقطات تسخر من بوش رسمها أثناء رئاسة بوش مصورة إياه فى شكل حيوانى ساخر وقد وقف عند باب الطائرة بسذاجته المعتادة فى أول زيارة له فى اسرائيل، بينما نرى رسم مشهد فلسطينى خلف الجدار العازل. أو فى الصورة اللاذعة التى تؤكد محدودية الرئيس لدرجة أن انتقامه قد ينقلب عليه قبل غيره، حيث يستلقى الرئيس بوجهه الكاريكاتيرى الأشبه بحيوان بملابس البحر فى حديقة البيت الأبيض، بينما البلدوزر يجرف جزءا من البيت الأبيض نفسه ويكون هذا «حين يرد بوش على عمليات التجريف التأديبية فى فلسطين (فى عام 2004). وبينما جمع بين الأردنيين عماد حجّاج وجلال رفاعى الميل إلى الكاريكاتير الصحفى السياسى أى المرتبط بالأحداث الآنية، اتجه كل من اللبنانى أرمان حمصى والسعودى يزيد الحارثى إلى النقد الذاتى، أى السخرية من الأداء الذاتى سواء سياسيا أو اجتماعيا. فقدم حمصى بخطوطه الرشيقة البسيطة مجموعة من الرسومات المتميزة حول السجالات الطائفية والمذهبية داخل لبنان وحالة استحالة الحوار الدائمة التى يمثلها رسم متتالٍ لوجهين متقابلين يبدأ بينهما الحوار ثم يتطور ليتقارب الوجهان ليولد من خلال الخطوط السلاح وهو الشىء الوحيد الذى يقارب بينهما. أما الحارثى فيفاجئنا كما نفاجأ فى كل مرة نجد فيها حرية تعبير فى الجزيرة العربية، إذ ينتقد الرياء الاجتماعى للمواطن السعودى وتصدقه الشحيح بالمال وازدواجيته بين صورة محافظة داخل وطنه وصورة على نقيضها فى الخارج، فتظهر الطائرة المتجهة من الرياض إلى باريس وقد ألقت بعشرات من العبايات فى السماء فى طريق رحلتها. ولم يخل الأمر من التهكم السياسى حول نزاهة الانتخابات الذى إن صح على بلد عربى ما فهو القاسم المشترك بين البلدان العربية جمعاء. إذ يصور الحارثى الطريق إلى صندوق الاقتراع ممهد ببساط تعلوه أطباق فاخرة من الكافيار. وتتسع الرؤية لدى الفنان السورى على فرزات لتشمل تيمة أوسع تتعلق بالممارسات اللاإنسانية بشكل عام مثل قضايا الحرية والديمقراطية والقمع والديكتاتورية والظلم والجوع. ويزيد من فنية رسومات فرزات الذى نشر فى العديد من الصحف السورية والعربية الأجنبية، ونال عدة جوائز عربية وعالمية. إنه يقدم لوحاته الكاريكاتورية دون أى تعليق فيصبح الكاريكاتير معتمدا تماما على قوة الرسم كما يحدث حالة من حالات اللبس، هل هذا الكاردينال ذو السترة المغطاة بالشارات والأوسمة والذى يمنح المواطن البائس بعضا من الشارات بديلا عن الغذاء هو هذا الحاكم الديكتاتور بعينه أو ذاك، هل هو فقط فى الشرق الأوسط والعالم العربى أم أنه موجود دائما وإن بدل سترته؟ يعلق فرزات فى حديث تليفزيونى له مع قناة الجزيرة أن لوحته تلك مثل غيرها من اللوحات تسبب حالة التباس لدى المسئولين، حيث اتصل به أكثر من شخص ظنا منهم أنهم أبطال الكاريكاتير وأنهم المقصودون به.