ضم التاريخ الإسلامي العديد من الأئمة والفقهاء الذين أثروا العالم بعلمهم ومؤلفاتهم وتتلمذ على يديهم الكثير، واستفاد الناس من فتواهم في شئونهم الحياتية. لذلك، تعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "أشهر الأئمة في التاريخ الإسلامي"، لتأخذكم معها في رحلة نتعرف فيها على بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية التي سطرت أسمها بحروف من نور. الإمام أحمد بن حنبل في الحلقة الثانية، نتناول سيرة الإمام أحمد بن حنبل، الفقيه والمحدِّث، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي، والذي اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وفقا لكتاب سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي. مولده وُلد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (164-241ه / 780-855م) في مدينة بغداد ونشأ فيها يتيماً، وكانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرته توجهه إلى طلب العلم. علم الحديث وفي سنة 179ه، بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183ه، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186ه، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204ه جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف. فتنة خلق القرآن اشتُهر الإمام أحمد بن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم «فتنة خلق القرآن»، والتي وقعت في العصر العباسي في عهد الخليفة المأمون، ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، ولكن ابن حنبل وغيره من العلماء خالفوا ذلك، فحُبس ابن حنبل وعُذب. ثم أُخرج من السجن وعاد إلى التحديث والتدريس، وفي عهد الواثق مُنع من الاجتماع بالناس، فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً، وفي شهر ربيع الأول سنة 241ه، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة. أسباب المحنة كان سبب المحنة التي وقعت بأحمد بن حنبل هو أن الخليفة المأمون دعا الفقهاء والمحدثين أن يقولوا مقالته في خلق القرآن، فيقولوا إن القرآن مخلوق محدَث، كما يقول أصحابه من المعتزلة الذين اختار منهم وزراءه وصفوته. ولكن أحمد بن حنبل لم يوافق المأمون في رأيه، ولم ينطق بمثل مقالته بل كان يقول إن القرآن كلام الله، وقد أدى ذلك إلى نزول الأذى الشديد به، والذي ابتدأ في عصر المأمون ثم توالى في عصر المعتصم والواثق بوصية من المأمون واتباعاً لمسلكه، واستمر حبسه ثمانية وعشرين شهراً. عصر الخليفة المتوكل وانتهاء المحنة بعد وفاة الواثق بالله، ولي الخليفة المتوكل سنة 232ه، فقام بإنهاء تلك المحنة التي وقعت بأهل السنة القائلين بأن القرآن غير مخلوق، حتى قال فيه إبراهيم بن محمد التيمي قاضي البصرة: «الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتلَ أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع وأظهر السنة"، وقال ابن الجوزي: "أطفأ المتوكل نيران البدعة، وأوقد مصابيح السنة". ترك الإمام أحمد بن حنبل رصيداً نفيساً من المؤلفات تندرج جميعاً تحت باب الحديث، ومن أهم مؤلفاته: - المسند، وقد قام الإمام أحمد بجمعه طوال أيام حياته، وضمّنه أربعون ألف حديث. - أصول السنة. - الرد على الجهمية والزنادقة. - الزهد. - فضائل الصحابة. - أحكام النساء. أبرز تلاميذه كانت مدرسة ابن حنبل في الفقه والحديث واحدة من المدارس الكبرى التي خرَّجت الكثير من العلماء والفقهاء والمحدثين، ومنهم: "بقيّ بن مخلد، وعبد الوهّاب بن عبد الحكم الوراق، وإسحاق بن منصور التميمي المعروف بأبي يعقوب الكوسج، وأبو داوود السجستاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري".