يشهد الإسلام حاليا انتشارا ملحوظا في البرازيل التي تعد من كبرى دول العالم من حيث المساحة، حيث تحتضن أراضيها الشاسعة التي تبلغ مساحتها نحو 8.5 مليون كيلومتر مربع، نحو 190 مليون نسمة. وشهدت أعداد البرازيليين الذين اعتنقوا الإسلام قفزات كبيرة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، في وقت اعتقد فيه الجميع أن هذه الهجمات الإرهابية ستوقف انتشار الإسلام في الدول المسيحية على أقل تقدير. وقفزت أعداد المسلمين في البرازيل أيضا في أعقاب مسلسل تليفزيوني طويل أظهر المسلم في صورة رجل مسالم محب للآخرين يحترم المرأة ويقبل على الحياة دون تطرف خلافا للصورة المنقولة للشعب البرازيلي، بأن المسلم هو دائما رجل متطرف متشدد يرفض الآخرين ويتحاشى التمتع بمباهج الحياة. وتؤكد روازانجيلا سكرتيرة مركز انتشار الإسلام في أمريكا اللاتينية بمدينة ساو باولو البرازيلية، أن الإسلام بدأ في جذب اهتمام العديد من البرازيليين في السنوات الأخيرة لدرجة أن المركز استنفد في الآونة الأخيرة جميع نسخ القرآن الكريم باللغة البرتغالية (لغة البرازيل الرسمية) المتاحة في مخازنه. وأضافت روزانجيلا لصحيفة لوفيجارو الفرنسية، أن المركز لم يجد أمامه سوى توزيع القرآن باللغة الأسبانية التي تتحدث بها أمريكا اللاتينية بشكل مؤقت على البرازيليين الراغبين في التعرف على الإسلام في ساو باولو، لحين وصول النسخ الجديدة من الكتاب الكريم باللغة البرتغالية.وتابعت أنه يمكن للمرء الذي يزور مركز ساو باولو الإسلامي أن يتأكد بسهولة من مدى اهتمام البرازيليين بالإسلام من خلال كم التليفونات الهائلة التي يتلقاها المركز كل يوم للتعرف على مواعيد الدروس الدينية التي يلقيها مدير المركز الشيخ جهاد حسن حمادة عن الإسلام وتعاليمه السمحة وانفتاحه على الآخرين. من جانبه.. يؤكد البروفيسير باولو بينتو أستاذ الأديان بجامعة فلومينينس البرازيلية، أن الإسلام حقق انتشارا كبيرا في البرازيل خلال السنوات العشر الأخيرة، غير أنه لم يستطع تحديد عدد المسلمين من إجمالي سكان البرازيل على وجه الدقة، بسبب تصنيف المسلمين في خانة غير كاثوليكى مثل أتباع الديانات والمذاهب الأخرى. ولا يستبعد البروفسير بينتو، أن يكون عدد المسلمين قد تخطى حاجز المليون نسمة، غير أن مصادر إسلامية في البرازيل تقدر عدد المسلمين الآن بأكثر من 5 ملايين نسمة. ويستشهد البروفسير باولو بينتو أستاذ الأديان بجامعة فلومينينس، للاستدلال على تزايد عدد المسلمين في البرازيل في الألفية الثالثة، بالزيادة الكبيرة في عدد المساجد والمراكز الإسلامية مقارنة بالنصف الثاني من القرن العشرين. وأشار إلى أن أول مسجد بني في البرازيل يعود تاريخه إلى عام 1960، رغم أن الإسلام دخل بشكل فعلى إلى البرازيل في بداية القرن الماضي عندما هاجر إلى البرازيل عدد كبير من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، وكان البرازيليون يطلقون على العرب القادمين من الشام لقب تيركوس أى الأتراك على أساس أن الشام كانت خاضعة في مطلع القرن العشرين للإمبراطورية العثمانية. ويقول البروفيسير بينتو، إنه رغم أن البرازيل بدأت تشهد بناء عدد كبير من المساجد والمراكز الإسلامية في الثمانينات من القرن الماضي، غير أن التزايد الحقيقي لها لم يحدث إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.. مؤكدا أن انتشار الإسلام جاء بعدما بدأ العديد من البرازيليين في دراسة الإسلام والقرآن الكريم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر حتى يتعرفوا على الذين تمكنوا من زلزلة الأرض تحت أقدام القوة العظمى الوحيدة في العالم بتدمير برجى مبنى التجارة العالمي رمز فخر أمريكا وهيمنتها على العالم. من جانبها.. تؤكد روزانجيلا سكرتيرة مركز انتشار الإسلام في أمريكا اللاتينية، أن العديد من البرازيليين قرروا التعرف على الإسلام لعدم تصديقهم لما روجت له وسائل الإعلام بشأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر.. مشيرة إلى أن معظم الذين بدءوا يترددون على المركز لم يتخيلوا للحظة واحدة أن الانتحاريين الذين نفذوا عمليات الاعتداء على نيويورك وواشنطن تحركوا بمفردهم دون مساعدة من أحد يمتلك نفوذا هائلا داخل أمريكا. وتضيف روزانجيلا أن بعض المترددين على المركز يعتقدون تماما في المعلومات التي أشارت إلى أن اليهود هم الذين يقفون وراء الهجمات سواء بالتمويل أو بتسهيل مهمة الانتحاريين خاصة بعد أن كشفت معلومات لم تنفها أبدا الحكومات الأمريكية المتعاقبة، أن اليهود لم يتوجهوا يوم 11 سبتمبر 2001 إلى مقار أعمالهم في وورلد تريد سنتر، رغم أنهم يتواجدون بكثرة في البرجين المنهارين.وكشفت روزانجيلا عن أن العديد من المترديين على المركز للتعرف على الإسلام بعد هجمات 11 سبتمبر، وجدوا أنفسهم يشعرون بالراحة النفسية عندما تعمقوا في دراسة الإسلام مما أدى إلى اعتناق العديد منهم للديانة الإسلامية. أما الطريف في الأمر هو أن أحد المسلسلات التلفزيونية الطويلة التي يطلق عليها في البرازيل تليفنوفاس كان العامل الثاني الذي أدى إلى تزايد اعتناق البرازيليين للإسلام.وكان التليفزيون البرازيلي قد أذاع مسلسلا، يقوم ببطولته رجل مسلم اسمه سعيد ساهم في تغيير نظرة البرازيليين للإسلام، فالرجل يعشق زوجته ويشترى لها الذهب ويتعامل مع الجميع بالحب والاحترام ويعشق التمتع بالحياة، ويجيد الغناء والرقص والفنون. ويؤكد البروفسير فرانشيروزى فيريرا المتخصص في الإسلام بجامعة ساو باولو، أن المسلسل لقي نجاحا كبيرا بسبب عشق البرازيليين لشخصية البطل سعيد، لدرجة أنه أصبح من الأشياء الجديدة في شوارع المدن البرازيلية الكبرى مثل ريو دي جانيرو وساو باولو، أن ينهى البرازيليون أحاديثهم بعبارة أن شاء الله. ويقول البروفسير فيريرا أن شخصية سعيد نالت إعجاب البرازيليات، خاصة أنه يتولى الإنفاق على زوجته، ويشترى لها ما تريد من ذهب، ولا يقترب من أموالها ويعاملها برومانسية، لدرجة أن العديد من البرازيليات تمنين أن يكن مسلمات حتى ينلن نفس معاملة زوجة سعيد.أما الظاهرة الجديدة في البرازيل، فهي أن الإسلام بدأ ينتشر في الأحياء الفقيرة بالمدن البرازيلية، لاسيما بين البرازيليين من أصول أفريقية سوداء، ولم يعد يقتصر تواجده على التجار الأثرياء ورجال الأعمال والطبقات الميسورة الأخرى من مهاجري سوريا ولبنان وفلسطين. من جانبه.. يرى البروفسير باولو بينتو الأستاذ بجامعة فلومينينس، أن انتشار الإسلام بين الطبقات الفقيرة على وجه الخصوص في البرازيل، يرجع إلى أن الإسلام يحمل رسالة من دول العالم الثالث، وهى نفس مضمون نظرية التحرير الأمريكية اللاتينية التي وقفت العديد من الحكومات البرازيلية في وجهها بكل قوة.وفى الوقت نفسه.. لعبت الحكومة البرازيلية دورا مهما في أن يمارس المسلمون حقوقهم الدينية بدون ضغوط أو رقابة بعد أن نأت بنفسها عن الخضوع لأي تأثيرات خارجية تطالبها بتوخي أقصى درجات الحذر من الإسلام والمسلمين. وكانت الولاياتالمتحدة قد وجهت رسالة إلى حكومتي باراجواي والبرازيل على وجه الخصوص في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 طالبتهما فيها بتوخي الحذر من المسلمين، بزعم أن الجاليات الإسلامية يمكن أن توفر ملاذا آمنا لبؤر متطرفة. ويبقى السؤال المهم.. وهو هل سينجح المسلمون بسماحتهم التي جسدها مسلسل سعيد في احتواء ظاهرة الإسلاموفوبيا في البرازيل؟ أم سينجح من يحاول إلصاق تهمة الإرهاب بكل المسلمين بسبب تصرفات قلة متطرفة منهم في وقف انتشار الإسلام في البرازيل؟