شابة تجلس أمام اللاب توب الخاص بها. تخاطب عبر الشات شخصا من الواضح أنه يعيش فى بلد آخر: «الساعة الآن فى غزة العاشرة والنصف مساء»؛ «المطر يتساقط منذ ساعة»؛ ظن البعض أن الوضع سيكون أهدأ بسبب الجو. لكن هذا للأسف ليس صحيحا. الطائرات الاستكشافية لا تغادر سماءنا والسفن العسكرية الإسرائيلية تستمر فى القصف». هذه إحدى صفحات كتاب «غزة» الذى صدر مؤخرا فى فرنسا عن دار نشر «لا بوات أ بول» La boîte à bulles، وهى دار نشر صغيرة مستقلة مخصصة فى الكوميكس. «غزة» كتاب جماعى شارك فى تأليفه العديد من الرسامين والكتاب الفرنسيين، تحت إشراف مؤلف الكومكس الفرنسى ماكسيميليان لو رواى (23 عاما). فى صفحة أخرى من الكتاب نرى فتاة تصم أذنيها، وتحكى «كنت فى فراشى. وضعت موبايلى جنبى كى أسمع الراديو وأعرف ما يحدث فى الأماكن الأخرى. القصف كان فى كل مكان فى قطاع غزة.» «إنه الواقع ولا شىء غير الواقع»: هكذا يكتب لو رواى فى مقدمته للكتاب. جملة تعبر عن رؤيته لفن الكوميكس كوسيلة مثلى للتعبير عن الحياة اليومية، وعن حياة يومية حولتها الحرب إلى جحيم، كما تشكل ردا مسبقا على الانتقادات التى توقع الشاب أن توجه إليه بسبب موقفه. يحكى لو رواى كيف أخذ هذه المبادرة تحت ضغط الأحداث، وجمع النصوص والرسوم بسرعة شديدة. خصص نصف صفحات الكتاب لكوميكس رسمه عدد كبير من الفنانين، والنصف الآخر لمقالات تحليلية أو شهادات مثقفين فرنسيين وإسرائيليين معارضين للحرب، من ضمنهم آلان جريش، مدير جريدة «لو موند ديبلوماتيك» المساعد، ورونى برومان، مدير منظمة «أطباء بلا حدود» السابق، وميشال وارشاوسكى الناشط الإسرائيلى المناهض للصهيوينة، والمخرجة سيمون بيتون، والباحثة فى العلوم السياسية أود سينوليس ورسّام الكوميكس كليمان بالوب. قد لا نتفق مع كل التحليلات المعروضة فى «غزة». إلا أن التجربة تعبّر عن إبداع شاب مزج الفنى والسياسى ليفرّغ شحنة غضب فى مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية وتواطؤ الحكومة الفرنسية.