فى الثامن عشر من فبراير من العام الماضى رحل عن عالمنا الروائى الكبير الطيب صالح، واحتفالا بذكرى رحيله الأولى أقام المجلس الأعلى للثقافة ندوة شارك فيها العديد من الكتاب. فى البداية قال الأديب خيرى شلبى: هذه الندوة تحاول الإلمام بما قدمه هذا المبدع الأشبه بفيضان نيلى ليس فى غزارة تدفقه فقط وإنما فى خصوبته، فكثيرون يكتبون وينتجون مئات الأعمال ولكن ليس المعيار هنا كم ما ينتجون وإنما قيمة هذا الإنتاج التى تمنحه صك البقاء والخلود. ما قاله خيرى أكده د. إبراهيم آدم المستشار الثقافى للسفارة السودانية بالقاهرة فى كلمته حينما أشار إلى بقاء الطيب صالح بأعماله فى الوجدان السودانى والعربى بل العالمى فأعماله ترجمت لأكثر من خمس وعشرين لغة فقد أدرك أن العالمية تأتى عن طريق المحلية وبذلك صاغ شخوصا ذات عمق محلى ولكنه استطاع أن ينسج منها ثوبا جديدا متجاوزا حدود المحلية ليشكل بها نماذج إنسانية حضارية، فهو حقا أديب عالمى. وعن رسوخ ثنائية الشرق والغرب والشمال والجنوب فيما قدمه الطيب صالح قدم الناقد د. حسين حمودة تحليلا لقصة «سوزان وعلى» جاء فيه: إن تلك القصة التى لا تتجاوز الصفحة الواحدة بالغة العمق وشديدة الكثافة والتركيز محملة بالكثير من القراءات والتأويلات، فدائما ما يرسم الطيب بقلمه صورا من العلاقات بين هذا الشرقى الذى كان يقع تحت وطأة استعمار الغرب فى الماضى فطبع فيه سمت التبعية الذهنية والثقافية وتذبذب الهوية وتشوه الأنا فى نظرتها لذاتها بدونية واستحضار صورة الغربى الأكثر تقدما وتحررا وانفتاحا ويصور تلك العلاقة بقصة الحب المستحيل، طرفاها منتميان لعالمين مغايرين بل حضارتين مختلفتين كانت إحداهما غالبة والأخرى مغلوبة، فتظهر شخصية سوزان الفتاة البريطانية أكثر قوة وقدرة على حسم أمورها تملك زمام المبادرة عملية قادرة على النسيان والتجاوز فى مقابل «على» القادم من مجتمع ينوء بمشكلات أكثر تعقيدا وتركيبا ومن ثم فهو أكثر معاناة وأقل قدرة على الإقدام وكأنه يعقد موازنة بين صفات الشرق بكل ما تركه له الاستعمار من إرث أثقل كاهله وأنقض ظهره والغرب الذى تجاوز حد الضرورة ووصل لمجتمع الترف والرفاهة. ثم تحدث الكاتب محمود سالم فقال إنه كان أول مصرى نشر رواية موسم الهجرة فى مجلة الإذاعة والتليفزيون عام 1968 بعد أن نشرتها مجلة حوار ثم أقنع رجاء النقاش بإعادة نشرها فى روايات دارالهلال إلى أن أثير الجدل بشأنها على أنها تحوى صورا وعبارات جنسية وتمت مصادرتها وسحبها من الأسواق. وذكر أيضا أنه اقترح على الطيب أن يحصل على الجنسية المصرية تذليلا للعقبات التى كان يلقاها فى المطار والحصول على تأشيرة دخول مصر ووافق بعد إقناعه، وأوصى أحد أقربائه فى رئاسة الجمهورية بتقديم طلب حصول على جنسية وقد وافق عليه الرئيس مبارك إلا أن الطيب تراجع لأنه رفض من قبل الحصول على الجنسية البريطانية رغم زواجه من إنجليزية لأنه يعتز بسودانيته. أما الروائى الكبير بهاء طاهر فقال: إنه بعد أن اضطر لترك عمله بالإذاعة المصرية سافر إلى لندن ليبحث عن عمل وجاب بلدان كثيرة إلى أن استقبله الطيب بترحاب وكرم شديدين وساعده كثيرا فى الحصول على عمل فى بدء حياته العملية. ورأى الأديب سعيد الكفراوى أن رواية موسم الهجرة إلى الشمال قد جنت على أعمال الطيب الأخرى إن لم تكن قد جنت عليه هو شخصيا لأنها لم تفسح المجال لإلقاء الضوء على بقية الإبداعات الأخرى.