سيكون مثيرا هذا التمرين الذى يمكنك القيام به إذا ما زرت معرض أيمن صلاح طاهر فى قاعة دروب بجاردن سيتى. والقصد بالتمرين هو لعبة المقارنة واكتشاف الفروق والتطابقات بين أعمال الفنان وأعمال أبيه الفنان الكبير صلاح طاهر الذى رحل عن عالمنا فى فبراير 2007 عن 96 عاما. وهذا ليس غريبا أن يقدم الفنان تحية إلى فنان آخر مستعيرا بعض ملامح فرشاته ومعبرا عنها بشخصيته الفنية، مثلما فعل مؤخرا حلمى التونى «تحية إلى عبدالهادى الجزار» حين أعاد رسم لوحة «زليخة» بنفس تكوين وألوان اللوحة الأصلية لكنها لا تخفى نفحة التونى الفنية، أو كما فعل جورج بهجورى فى معرضه الأخير بقاعة مشربية حين أعاد رسم أمهات الأعمال العالمية، وقدم بفرشاته أعمال جوجان وفيرمر وفان جوخ. إذ إن عنوان معرض طاهر الذى يضم 40 لوحة زيتية ومائية هو «إليه فى ذكرى رحيله»، أى لفتة وفاء من الفنان الابن لأبيه وهما اللذان تشاركا فى العديد من المعارض فى أواخر سنوات الفنان الأب. أما الغريب فهو أن أيمن صلاح طاهر لم يكن أثناء حياة أبيه قريبا من خطه الفنى، بل على العكس كان بعيدا عن الفرشاة مفضلا عليها عدسة الكاميرا حيث نال العديد من الجوائز عن أعماله فى صالون النيل للتصوير الضوئى فى عامى 2001 و2002 وجائزة الدولة التشجيعية فى 1974، بالإضافة إلى الجوائز التى حصل عليها عن كتبه المصورة مثل كتابه «سيناء» باللغة الإنجليزية وكتاب «التاريخ» الذى فاز بجائزة إيطالية عام 1997. لكنه يختار طواعية أن يغير مساره ويقتفى أثر أبيه فى أعماله التى تميل إلى التجريدية التعبيرية. حيث يقول أيمن طاهر فى تقديم معرضه: «إننى حاولت أن أحافظ طوال حياة والدى الحافلة أن أكون متفرجا على أعماله العملاقة التى تعزف عزفا فنيا متفردا ومتميزا.. فاستخدمت مجالات مختلفة عنه كالتصوير الضوئى والجوى وتحت الماء والتصوير المعمارى كما تبنيت تقنيات وخامات مختلفة عنه كمادة الألومنيوم مثلا وغيرها، أما بعد وفاته فرغبت أن أكون امتدادا له بكامل اقتناعى وحبى لما قدمه خلال مشواره الفنى وتحية له فى الذكرى الثالثة لرحيله». فى أعمال أيمن طاهر الزيتية، لا يسلك فقط طريق والده فى التجريد التشخيصى إذا جاز التعبير أى الأعمال التجريدية التى يغلب عليها الوجود البشرى وتصوير الجسد الإنسانى فى خطوط تجريدية فى صراع مع الكتل والأجساد الأخرى، بل يعكس أيضا التنوع الشديد الذى تميز به صلاح طاهر واتجاهاته المختلفة، مثل مجموعة من اللوحات التى تصور الجسم الإنسانى ذو الخطوط الدائرية المتداخلة بينما الخلفية ذات خطوط تكعيبية هندسية مثل لوحة «الضمير» أو «ودودة». أو مجموعة أخرى يستعير فيها الفنان باليتة ألوان والده ويغلب عليها صخب الحركة مع صخب اللون والتى تستعيد تأثر صلاح طاهر بالموسيقى فى معظم أعماله ومحاولاته عمل مقاربات دائمة بين الحركة الموسيقية والحركة الإنسانية مثل لوحة أيمن طاهر «رقصة صاخبة». أما الأعمال المائية، فنتعرف من خلالها على فنان جديد تماما بعيد عن صلاح طاهر لكنه قد يكون قريبا من أيمن طاهر المصور صاحب أعمال الأبيض والأسود التى تغوص فى التفاصيل الدقيقة لتصنع رؤية تجريدية فى نهاية الأمر.