خيم الحزن ليس على فلسطين فقط ولكن على العالم العربي بأكمله بعدما استيقظنا على خبر استشهاد المراسلة شيرين أبو عاقلة، برصاص جيش الاحتلال خلال اقتحامها مدينة جنين ومخيمها. شيرين أبو عاقلة ناهز عمرها ال51 عاما، وُلدت في 1971 بمدينة القدسالمحتلة، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية، ونشأتها وترعرعها في القدس جعلها تكرس حياتها بأكملها لإيصال صوت القضية الفلسطينية إلى العالم، حتى أصبح صوتها الآن رمزا للقضية التي عاشت من أجلها، صوتا يعلو فوق صوت طلقات الاحتلال الغادرة التي أخذت حياتها بدم بارد. تواصلت "الشروق" مع الإعلامي طارق عبد الجابر، الذي عمل لسنوات طويلة كمراسل للتليفزيون المصري بفلسطينالمحتلة، والذي عمل جنبا إلى جنب مع الشهيدة أبو عاقلة، ليروي لنا كيف كان الوجه الآخر للشهيدة شيرين. عبد الجابر أوضح ل"الشروق"، أن شيرين أبو عاقلة كانت أول من استقبلته في الأراضي الفلسطينية عندما أصبح مراسلا هناك، مشيرا إلى أنها كانت من الناس "الجدعة" حيث أعطته جميع مصادرها التي جمعتها طوال مدة عملها في الإعلام دون أن تتردد لحظة واحدة، بالرغم من أن هذه المساعدة الكبيرة لا يفعلها العديد من المراسلين. تعجب عبد الجابر، من نبل شيرين ومساعدتها الشديدة له بكل ما أوتيت من قوة فسألها لماذا أعطيتني كل مجهودك خلال عملك كمراسلة، فقالت لي: "عشان تنقل صوت القضية الفلسطينية للعالم، وأنا متأكدة إذا جيت مصر هلاقيك بتساعدني"، مشيرا إلى أنها كانت تساعد الجميع حتى يستطيع الكل نقل ما يحدث في فلسطين إلى بلاده. وحكى عبد الجابر، موقفا لن ينساه لشيرين حيث كانت تتابع نشرات التليفزيون المصري بدقة، ووجدها تتصل به في الساعة 3 فجرا لتوقظه من النوم تستفسر عن سبب عدم إذاعة تقريره عن فلسطين في نشرة الثالثة صباحا، فتعجب عبد الجابر وأخبرها أن التقرير أذيع في نشرات اليوم كله، فقالت شيرين: "كنت أتمنى أن يذاع التقرير في نشرة الساعة 3 صباحا أيضا، حتى يراه المصريين الأمريكان لأن هذا موعد استيقاظهم، أريد أن يعرف العالم بأكمله أخبار القضية الفلسطينية". وأكد عبد الجابر، أن أي مراسل صحفي يكون هدفا بالنسبة لقوات الاحتلال وخاصة شيرين التي كرست حياتها لخدمة فلسطين، موضحا أن قوات الاحتلال حاولت أن تغتالها أكثر من مرة، وأصيبت بطلقات الاحتلال بالفعل ولكن نجاها الله تعالى في السابق، إلى أن قررت قوات الاحتلال أن تجهز عليها بنيرانها اليوم بهذه الطريقة "الوقحة" كما وصفها عبد الجابر، وهي ترتدي سترتها الواقية المكتوب عليها صحافة. وروى ل"الشروق"، كواليس عمل المراسل من داخل الأراضي المحتلة وطبيعة علاقته بقوات الاحتلال، قائلا: "عندما نغطي أي منطقة نتواصل مع قوات الاحتلال، حيث نرسل إليهم إخطارا بأماكننا، وبالتالي هم يعلمون جيدا أين نقف، واستحالة أن نغطي قبل أن نخطرهم، فقوات الاحتلال كانت على علم بمكان شيرين في جنين، وبالتأكيد كانت هدفا مقصودا بالنسبة لهم، لأنهم اختاروا أن يغتالوها وهم على علم بمكانها، وهي مرتدية سترتها الواقية التي يؤكدون علينا كمراسلين بارتدائها، وهذه بالطبع جريمة دولية". وقفت شيرين دائما بجانب زملاءها المراسلين في شدتهم، فكانت أول من نقل خبر محاولة اغتيال طارق عبد الجابر، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي للعالم، وظلت تطمئن عليه حتى أصبح بخير وعاود العمل بجانبها مرة أخرى. بالرغم من الانقسامات التي تشهدها فلسطينالمحتلة، اجتمع الجميع على حب شيرين أبو عاقلة، حيث أكد عبد الجابر، أن جميع الفصائل الفلسطينية كانوا يثقوا بها ويتحدثون معها لمعرفتهم أن همها الأول والأخير هو القضية الفلسطينية، "حتى الصحفيين الإسرائيليين كانوا يحبون شيرين، لأنها كانت مصدر ثقة بالنسبة إليهم، فكانوا ينقلون عنها المعلومات في تقاريرهم، لأنهم واثقين من صحتها". لم تكن شيرين ملهمة فقط كمراسلة متميزة، بل كانت ملهمة كامرأة فلسطينية تعبر عن جسارة وقوة المرأة الفلسطينية بشجاعة، ولذلك اختيرت من الأممالمتحدة كممثلة للمرأة العربية، للتحدث باسمها، وهي كانت تستحق ذلك، هذا بحسب ما ذكر عبد الجابر. كان لشيرين علاقة محبة قوية بمصر، فيقول عبد الجابر، إنهما كانا يتحدثان دائما عن الفن والطعام المصري، فكانت تحب كثيرا الأفلام المصرية القديمة ونجوم الزمن الجميل وعلى رأسهم الفنانة فاتن حمامة، كما كانت تحب أم كلثوم وتغني لها دائما، خاصة أغنيات أراد عصي الدمع وسهران لوحدي، مشيرا إلى أنها كانت عاشقة للفول المصري وتأكله معه دائما. عندما عادت العلاقات المصرية القطرية كانت شيرين أول من حضر إلى القاهرة، وكتبت على صفحتها بموقع فيسبوك عن مصر وجمالها، وفي آخر منشور كتبته عنها، وضعت شيرين صورة لها بجانب الأهرامات معلقة: "ما فيش بجمالك يا مصر". ونعى عبد الجابر شيرين بكلمات غلبها الحزن قائلا: "زي يا شيرين ما كنت ملهمة في حياتك، ستظلي ملهمة أيضا في مماتك، ولن ننسى إنسانيتك وحبك لزملائك، ولا يوجد صحفي العالم لم يلتق بشيرين إلا وأحبها كأخت وصديقة، ربنا يرحمها يا رب".