كانت جثث حوالي عشرين رجلا بلباس مدني تنتشر في أحد شوارع بوتشا شمال غرب كييف في وضعيات مختلفة على ما أفاد صحفي من وكالة فرانس برس، بعدما خرجت منها القوات الروسية ودخلتها القوات الأوكرانية. وتنتشر هذه الجثث التي ينظر بعضها إلى السماء بعيون مفتوحة على مئات الأمتار من دون أن يعرف على الفور سبب الوفاة؛ إلا أن أحد هؤلاء الأشخاص يعاني إصابة كبيرة في الرأس. وقال رئيس بلدية المدينة أناتولي فيدوروك، لوكالة فرانس برس: "لقد قتل كل هؤلاء الأشخاص أطلقت عليهم برصاصة في مؤخر الرأس". واتهم وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الأحد روسيا بارتكاب "مجزرة متعمّدة" في بوتشا. وكتب كوليبا على تويتر: "إن مجزرة بوتشا كانت متعمّدة. الروس يريدون القضاء على أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين. يجب أن نوقفهم ونطردهم. أطالب بعقوبات جديدة مدمرة من مجموعة السبع حالًا". وعثر على إحدى الجثث مقيدة اليدين بقماشة بيضاء مع جواز سفر أوكراني إلى جانبها. وتنتشر جثث في أماكن مختلفة من المدينة، أمام محطة السكك الحديد أو على جوانب الطرق إلا ان المنظر مروّع خصوصا في هذا الشارع. 16 جثة من أصل نحو عشرين، ممددة على الرصيف أو إلى جانبه. ثلاث منها في وسط الطريق وأخرى في فناء منزل. وثمة جثة قرب سيارة مهجورة فيما اثنتان أخريان قرب دراجتين هوائيتين ويضع صاحب إحدى هاتين الجثتين قفازين برتقاليين وقناعا صوفيا أسود وقد سقطت عليه دراجته. ونظرا إلى لون وجوه هذه الجثث يرجح أنها هنا منذ أيام عدة. - مدينة مدمرة - باتت فظائع الحرب راسخة في يوميات بوتشا بحيث ما تبقى من سكانها يمرون أمام الجثث من دون إلقاء نظرة إليها. في الأيام الأخيرة، انسحبت القوات الروسية من بلدات عدة قريبة من العاصمة بعد فشل محاولتها تطويق كييف. ويغادر الجيش الروسي منطقتي كييف وتشيرنيهيف في شمال أوكرانيا بهدف تنفيذ إعادة انتشار شرقا. وأعلنت أوكرانيا أن بوتشا "حُررت" إلا أن دمارا وسعا جدا لحق بالمدينة جراء المعارك. وشهد صحفيو وكالة فرانس برس أبنية سكنية فقدت واجهاتها فضلا عن عدد كبير من السيارات المدمرة. وفي دليل على عنف المعارك التي دارت، ينتشر الركام وأعمدة الكهرباء الساقطة في هذا الشارع في بوتشا. وقد تعرضت متاجر ومقاه ومنازل للحرق أو التدمير. وأصيب سقف كنيسة بأضرار. وحده مطعم تابع لسلسة "ماكدونالدز" بدا كأنه نجا من القصف. وتبدو كل المساكن المجاورة مهجورة. وثمة سيارة رصاصية اخترقها وابل من الرصاص في حين تنتشر جثث عدة قرب شاحنة محترقة. ويعلق رئيس بلدية المدينة "هذه عواقب الاحتلال الروسي". وشهدت بوتشا ومدينة إيربين المجاورة بعضا من أشرس المعارك منذ هاجمت روسياأوكرانيا في 24 فبراير، عندما كان الجنود الروس يحاولون تطويق كييف. وقاومت المدينتان إلا أن الثمن كان باهظا جدا مع فرار غالبية السكان من عمليات القصف المتواصلة والهجمات الصاروخية. - "لا يزالون خائفين" - وتمكنت القوات الأوكرانية من الدخول إلى بوتشا قبل يوم أو يومين فقط. الدخول إليها تعذر طوال شهر تقريبا وكانت محرومة من المساعدات. وبدأ السبت توصيل أولى السلع الأساسية الملحة فيما لا يتوقع دفن القتلى سريعا. ويوزع جنود أوكرانيون المواد الغذائية والأدوية على السكان في مؤخر شاحنة عسكرية فيما هناك جثة مغطاة بشرشف أبيض على مسافة حوالى مئة متر فقط. ويقول يوري بيرييكو العضو في فريق تطوعي للدفاع عن الأراضي الأوكرانية الذي يشرف على توزيع المساعدات إن سكان بوتشا "لا يزالون خائفين ومصدومين". ويضيف: "لا يمكن تصور الظروف التي مروا بها خلال هذا الشهر مع قصف مدفعي ومن دون امدادات وإي إمكان للخروج". ودل أحد أبناء المدينة وكالة فرانس برس، إلى ما ما قال إنه قبر يعلوه صليب مصنوع من الخشب الأخضر في حديقة منزل دفن فيه أربعة أشخاص من بينهم طفل. الأشخاص الذين بقوا في بوتشا مسنون بغالبيتهم. وقد اجتمعت حفنة من المسنين في مركز يقدّم الطعام مجانا في الهواء الطلق إلى جانب سيارة لادا صفراء ثقبت إطاراتها. ويروي هؤلاء كيف أن الجنود الروس اقتحموا الشقق في الطابق الأخير من المبنى الذي يسكنوه والعائد إلى الحقبة السوفياتية ونهبوا وسألوا امرأة مسنة إن كانت تملك أسلحة. وأشار هؤلاء إلى أنهم احصوا أكثر من 70 آلية مصفحة روسية تغادر المدينة باتجاه معاكس لكييف فيما توقف القصف منذ الخميس. وتقول ناديا بروتوبوبوفا البالغة 82 عاما: "سيكون أمرا رائعا إن حل السلام" مجددا.