قبل عدة أيام أعلنت مؤسسة مصر الخير، وهى مؤسسة خيرية، عن تأسيس صندوق استثمار يحمل نفس الاسم برأسمال 50 مليون جنيه، ويديره بنك الاستثمار بلتون. ويعتبر هذا الصندوق هو الأول من نوعه فى مصر، حيث لم تقم أى من المؤسسات الخيرية بمثل هذه الخطوة من قبل. ويتيح الصندوق للمستثمرين الراغبين فى الاكتتاب فيه التبرع بجزء أو بكل أرباحهم للمؤسسة، كما يمكنهم تحديد الغرض الذى تتوجه له تلك الأموال من بين الخدمات الخيرية المختلفة التى تقدمها المؤسسة. وكانت مؤسسة مصر الخير من قبل أحد عملاء بلتون، حيث كان يدير لها محفظة استثمارية، واقترح عليها البنك تأسيس الصندوق الجديد، كما قالت اسمت عثمان، مدير التطوير والمنتجات الجديدة فى بلتون. وترى عثمان أن هناك اتجاها لدى المؤسسات الخيرية فى مصر لاستثمار جزء من أموالها بغرض تعظيم العوائد، فبينما تعد مصر الخير الوحيدة من عملاء بلتون التى تعمل فى هذا النشاط، توجد مؤسسات أخرى شبيهة لديها محافظ استثمارية وتديرها شركات أخرى». وتخدم المؤسسة الخيرية مجموعة من الأهداف مثل دعم الرعاية الصحية والتعليم والتكافل الاجتماعى والبحث العلمى، ولديها ثلاثة موارد للتمويل من تبرعات الزكاة، والصدقة الجارية والتبرعات الدورية للمواطنين المحليين. وأشارت عثمان إلى أن بعض المؤسسات الشبيهة تختار وضع الأموال كوديعة بعائد ثابت، غير أن هذا لا يحقق ربحا مناسبا لتنفيذ المشروعات الخيرية فى أى وقت، ومن ثم كان الاستثمار الوسيلة الأفضل، «لكن لا يعنى ذلك أنها ستقتصر على الاستثمار أو أن الاستثمار سيكون بديلا للإنفاق فى أوجه الخير التى تخدمها» تبعا لعثمان. وتوقعت عثمان أن يفتح صندوق مصر الخير الباب لوجود صناديق مماثلة، كما سيشجع المستثمرين من الأفراد والمؤسسات على الدخول فى هذا المجال. وهذا الاتجاه إذا كان جديدا فى مصر فإنه قديم فى دول العالم المتقدم مثل أمريكا وأوروبا، فهناك يتم تأسيس صناديق استثمار لأغراض خيرية عديدة ومتشعبة وقد تكون أغراضا غريبة من وجهة نظر دول الجنوب ومنها مصر، مثل صناديق استثمار خاصة بحماية الكلاب الضالة أو توفير الرعاية الصحية المناسبة للقطط. وتدير مثل هذه الصناديق فى الخارج مبالغ ضخمة للغاية ويمثل المستفيدون منها والمستثمرون فيها جماعات ضغط تخشاها الشركات المتبرعة، للدور الذى يمكن أن تلعبه فى توجيه المجتمع مع أو ضد الشركات. كما تعد هذه الاستثمارات وسيلة لتوجيه سياسات الشركات بصفة عامة ودفعها لاتخاذ قرارات تخدم المجتمع، إذ توجد عشرات من صناديق الاستثمار التى تستبعد فى توزيع أصولها أسهم أو سندات الشركات المختلفة التى يمكن أن يكون نشاطها ضارا بالبيئة، أو التى لا توجه جزءا من عائداتها إلى خدمة المجتمع على سبيل المثال. ولكن الوضع معكوس فى مصر، حيث تفرض الشركات شروطها على الجهات التى تتبرع لها، وهو ما يعد واحدا من معوقات استثمار الأموال بطريقة تحقق الهدف منها، فتقول شرين زيدان، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، والتى تدير دار حضانة ومركز تدريب لمعلمين متخصصين فى هذا المجال، إن الشركات المتبرعة لا تحبذ إنفاق أموالها إلا فى مشروعات محددة، «كأن تبنى المؤسسة ملجأ، أو فصلا تعليميا، أى لابد أن ترى حيطان»، مشيرة إلى أن المصروفات اليومية مثل الأجور أو نفقات الإعاشة غير معترف بها. ونتيجة لهذا التوجه من جانب الشركات يصبح من الصعب أن تقوم المؤسسات الخيرية بتوجيه جزء من الأموال التى تتلقاها للاستثمار لضمان توفير التمويل اللازم لتقديم خدماتها. من جهة أخرى، تقول زيدان إن أموال التبرعات من الأفراد يمكن استثمارها لكنها عادة تكون محدودة. إلا أن المؤسسات الكبيرة حجما، تستطيع أن تقنع المتبرعين بأهمية هذا الاستثمار، كما فعلت مصر الخير، لكن يبقى خوف الشركات من استثمار تلك المؤسسات لجزء من الأموال التى تتبرع بها له ما يبرره، خاصة إذا تم النظر إليها من جانب احتمالات خسارة تلك الأموال، وهو ما دفع بلتون مثلا للتأكيد خلال المؤتمر الصحفى الذى عقدته لإعلان صندوق مصر الخير، على أن سياسة الصندوق الاستثمارية تعمل على تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. ولتحقيق ذلك الهدف وضع الصندوق حدا أقصى للاستثمار فى الأسهم بنسبة 60% من أصوله، على أن تخفض النسبة إلى أقصى حد ممكن أو يمنع الاستثمار فيها تماما فى حالة عدم الاستقرار فى سوق الأوراق المالية، كون الاستثمار فى الأسهم يعتبر الأكثر مخاطرة. ووفقا لنشرة اكتتاب الصندوق يمكن استثمار 50% من رأسماله فى أوراق ذات عائد ثابت مثل السندات وأذون الخزانة، والتى تعد من أكثر الأدوات الاستثمارية أمانا وتكاد تكون معدومة المخاطر، خاصة إذا كانت السندات حكومية وليست لشركات. ويرى عمر رضوان، مدير إدارة الأصول فى شركة إتش سى، أن الإدارة الجيدة يمكن أن تكفل الحماية الكافية لأموال مثل هذه الصناديق من المخاطر، مشيرا إلى أن هناك دراسات كافية توفر وسائل لإدارة استثمارات أموال الخير بشكل صحيح، لكن من وجهة نظره، تعتبر حالة عدم الثقة الشائعة فى المجتمع المصرى من أهم المعوقات التى قد تعرقل هذا الاتجاه، «فالمتبرع يخشى من عدم استخدام الأموال كما ينبغى، وبالتالى يحجم عن التبرع فى أوقات كثيرة، رغم أنه قد يرغب فى ذلك بشدة». وتدار صناديق الأهداف الخيرية فى الدول المتقدمة بطريقة متشابهة لإدارة صناديق المعاشات، كما قال رضوان، مضيفا أن الحفاظ على الأموال مهما فى حد ذاته لكل من يمتلكه، لكنه بالنسبة لتلك الأنواع من الصناديق يعد ضرورة قصوى، حيث تخدم فئات غير قادرة على العمل أو شديدة الحاجة. والفرق بين صناديق المعاشات وتلك الخاصة بأموال الخير، إن الأولى تعتمد على الدراسات الاكتوارية فى تحديد ملامح الخطة الاستثمارية، أى دراسة توقعات احتياجات المشتركين، لكن صناديق الاستثمار ذات الأغراض الخيرية تعتمد على إحصاءات محددة، وبالتالى يمكن توقع أرباحها. وكان علاء سبع العضو المنتدب لشركة بلتون صرح فى المؤتمر الصحفى لإعلان الصندوق بأن العائد المتوقع له سيتراوح بين 25% و30%، وبنت الشركة التوقعات على أساس أداء صناديق الاستثمار فى مصر خلال السنوات الخمس الماضية. وأشار رضوان إلى أن استثمار جزء من أموال المؤسسات الخيرية يحتاج إلى قوانين محددة وواضحة، وتطبق على الجميع، حتى تمنع أى استغلال سلبى لتلك الأموال، وأيضا لكى يستعيد المواطنون حالة الثقة فى الآخرين، من خلال نمو يقين لديهم بأن ما يدفعونه من نقود سيتم صرفه فيما أرادوا.