فى موسوعة مصر القديمة للعالم الأثرى الكبير الدكتور سليم حسن ( 1886 1961)، وفى الجزء السابع عشر عن الأدب المصرى القديم (طبعة مكتبة الأسرة ضمن مهرجان القراءة للجميع عام 2000)، نجد النص الكامل لقصة سنوحى (سنوهيت)، التى أُلفت فى أوائل الأسرة الثانية عشرة حوالى سنة 2000 ق.م.، وملخص القصة التى يرويها سنوهيت بصيغة المتحدث عن نفسه كمثل نادر وربما الأول فى تاريخ الأدب بأسلوب السيرة الذاتية، يقول مؤلف هذا العمل الذى يدل على مدى المهارة الأدبية المعبرة عن الكثير من المشاعر الإنسانية، إنه كان عائدا من حملة حربية بقيادة ولى العهد «سنوسرت الأول» حين علم بموت الملك «امنمحات الأول»، وحينها أسرع ولى العهد بالعودة ليطمئن إلى عرشه، فما كان من سنوهيت إلا أن فر هاربا إلى سوريا لأسباب غامضة. وهناك تزوج وأنجب وصار من الأثرياء، وبعد فترة طويلة عاوده الحنين إلى وطنه وتاقت نفسه للرجوع إلى مصر ليكون فى خدمة مولاه الملك وليدفن فى البلد التى ولد فيه وأحبه. وفى مناجاته للآلهة يقول: «وأنت أيها الإله، أيا كنت، الذى أمرت بهذا الهرب، كن رحيما وأعدنى ثانية إلى مقر الملك. وربما تسمح لى أن أرى المكان الذى يسكن فيه قلبى، والأمر الذى هو أهم من ذلك أن تدفن جثتى فى الأرض التى ولدت فيها». وتنتهى القصة بنهاية سعيدة، إذ حين سمع الملك بآلامه وأحلامه، عفا عنه وسمح له أن يعود إلى وطنه مكرما ليقضى ما بقى له من أيام وليدفن بأرض مصر. وقد تأثر بهذه القصة الكاتب الفنلندى ميكا فالترى فى روايته التاريخية «سنوحى المصرى» التى نشرت للمرة الأولى باللغة الفنلندية عام 1945 وترجمها إلى العربية حامد القصبى وقدم لها حينها الدكتور طه حسين، وأعيد طبعها عن طريق المركز القومى للترجمة عام 2009 وقد استعاد المؤلف أحداث القصة الأصلية من الأسرة الثانية عشرة ومزجها بأحداث ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة حيث كان اهتمامه الشديد بالملك أخناتون. وحمل القصة بعض أفكاره الداعية إلى السلام بين الدول وخاصة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بما جرت على الإنسانية من خراب ودمار، وأصبح الكتاب من أفضل الكتب مبيعا فى العالم وترجم إلى أربعين لغة أو أكثر. وقد تم اقتباس موضوع القصة إلى فيلم أمريكى بنفس الاسم عام 1954. ومع أن أحداث قصة سنوهيت وقعت قبل 4000 عام لكن القصة تعكس مشاعر المصريين مهما طالت أو قصرت غربتهم، فرغبتهم الدائمة هى العودة فى نهاية المطاف لأرض الوطن وأن يتم دفنهم بأرض مصر. وفى الفترة الأخيرة ومع جائحة كورونا، كانت رغبة المغتربين فى سرعة العودة إلى أرض الوطن ليس فقط بسبب الخوف من العدوى أينما كانوا، ولكن أيضا حتى إن ساء حظهم وأتاهم الموت، أن يتم دفنهم فى أرض مصر. وكأن هنالك صلة بين هذه الرغبة الجامحة والأساطير حول مقبرة الفيلة «الأفيال» التى تتحدث عن رغبة الفيلة حين يتقدم بهم العمر فى العودة إلى مكان بذاته ليموتوا ويدفنوا هناك فى ذلك المكان الذى صار يسمى بمقبرة الفيلة. والفيل فى الأساطير الهندوسية هو تجلى للإله «جانيشا» صديق الإنسان الذى يجلب الحظ السعيد لمن يعبده. وفى الديانة البوذية، يرتبط الفيل الأبيض بميلاد البوذا نفسه، فقد رأت أمه فى المنام فيلا أبيض يدخل جسدها، وعندما روت حلمها للعرافين تنبأوا بأنها ستلد ابنا بالغ الأهمية وأنه سيخلص العالم. وكان هذا الابن هو «سندهارتا جوتاما بوذا». ويرمز الفيل أيضا فى التراث الشعبى الصينى إلى الفطنة والحكمة فضلا عن القوة. ويقص أحد العلماء المتخصصين فى دراسة عالم الفيلة، والذى قضى الكثير من عمره بمحمية بحيرة مانيارا بتانزانيا مدافعا عن الفيلة ضد تجار العاج والصيادين المأجورين، أنه فى إحدى جولاته بالمحمية عثر على جمجمة لفيل وعاد بها إلى منزله الذى به أيضا معمله. وبعد دراستها وضعها أمام المنزل، ولفترة لاحظ تردد أحد الفيلة أمام المنزل، وفى يوم لم يجد الجمجمة. ويقول ولدهشته أنه وجد الجمجمة فيما بعد بالمكان نفسه التى كانت به حين وجدها فى أول الأمر، وغالبا المكان الذى مات به الفيل صاحب الجمجمة، وأن الفيل الذى رآه يتردد أمام منزله ربما هو من حمل الجمجمة وأعادها إلى موضع موت صاحبها. وقد ترك الفيل تأثيرا فى العقائد الدينية فى مصر القديمة فى عصور ما قبل التاريخ قبل أن يختفى من البيئة المصرية نتيجة التغيرات المناخية، وقد ظهر فى أعمال فنية ذات طابع جنائزى مثل الأوانى الفخارية كما استخدم المصرى القديم العاج فى صناعة التمائم ذات الهيئات الحيوانية حيث اعتقد أن للعاج فاعلية سحرية. وربما اعتقد أيضا أن الدفن بأرض الوطن هو إحدى درجات سلم الأبدية، حسب قصة سنوحى وأسطورة مقبرة الفيلة.