رئيس جامعة عين شمس يشهد ختام مبادرة "مجتمع طلابي شامل متكافئ" لتأهيل ذوي الهمم    نقيب الفلاحين يعلن دعمه لاتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني    إحتفاء بذكرى ميلاده..محافظ الشرقية يؤدى صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبدالحليم محمود في بلبيس    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    التموين: استلام 2.3 مليون طن قمح من المزارعين في المحافظات حتى الآن    أسعار البصل اليوم بالمحافظات.. انخفاض في سعر الكيلو وتوقعات بالمزيد    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    محافظ كفر الشيخ: انتهاء أعمال رصف شارع المعهد الديني ببلطيم بطول 600    «المشاط»: 117 مشروعًا لدفع مشاركة المرأة وتمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا    وزيرة التخطيط: 7.7 مليار جنيه استثمارات عامة لمحافظة الأقصر خلال 23-2024    وزيرة الهجرة: التعاون المصري الأوروبي نموذج للعلاقات الثنائية المُتميزة    حزب الجيل: الرئيس السيسي أكد ل جوتيريش موقف مصر الثابت من قضية فلسطين    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    أوكرانيا: روسيا بدأت هجوماً برياً في منطقة خاركيف    قصة غلاف| «تايم» ترصد انتفاضة الجامعات الأمريكية ب«عدسة الصحفيين الطلاب»    أحمد عيد: صعود غزل المحلة للممتاز يفوق فرحتي بالمشاركة في كأس القارات    الرمادي يعلن تشكيل سيراميكا لمواجهة طلائع الجيش    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    بيرسي تاو يحصد جائزة أفضل لاعب في اتحاد دول جنوب إفريقيا    حملات لإزالة التعديات والإشغالات في عدة مناطق بالقاهرة    تشييع جثمان عقيد شرطة ضحية تصادم سيارة مع جمل ببني سويف    مشاجرة بين عائلتين بالأسلحة البيضاء وإصابة شخصين بالفيوم    ضبط لحوم وكبدة غير صالحة للاستهلاك البشري بأحد المطاعم في الفيوم    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    18 مليون إجمالي إيرادات فيلم "السرب" خلال 10 أيام من عرضه    غدا.. عرض الطاحونة الحمراء على مسرح قصر ثقافة روض الفرج    أحمد العوضي.. "ياسمين خير حبيبة وزوجة"    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    الأدلة 60 صفحة.. توضيح مهم لمفتي الجمهورية بشأن التعامل مع البنوك    وزير الصحة: ميكنة 100% من منظومة المواليد والوفيات والتطعيمات الروتينية    عادات يومية للتحكم في نسبة السكر بالدم.. آمنة على المرضى    ضبط 16601 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    الكشف الطبي بالمجان على 1282 مواطنًا في قافلة طبية بدمياط    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" يتبادلان القصف    انطلاق فعاليات القوافل التعليمية لطلاب الثانوية العامة بالشرقية    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    رحلة مبابي في باريس تنهي بمكالمة الخليفي    هنا الزاهد وشقيقتها فرح يرقصان في حفل زفاف لينا الطهطاوي (صور وفيديو)    تجنب 4 أطعمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى (صور)    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلدى خالص Tres mon pays
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 09 - 2019

كتب الأستاذ «أسامة الغزالى حرب» فى عموده بجريدة الأهرام أنه عندما أراد حجز مائدة فى أحد المراكب الراسية على شاطئ النيل بالقاهرة أبلغه موظف الحجز بالمطعم وهو مصرى كما يتضح من لكنته أنه يأخذ الطلبات باللغة الإنجليزية، وعندما ذهب إلى المطعم وجد قائمة الطعام مكتوبة بثلاث لغات ليس من بينها اللغة العربية.
وفى الطريق إلى المطعم وعلى امتداد كوبرى أكتوبر كانت لافتات الإعلانات الكبيرة المضيئة كلها باللغة الإنجليزية دون كلمة عربية واحدة.. وهذه اللافتات التى نمر عليها وعلى غيرها مصبحين وممسيين ومعظمها حول المنتجعات السكنية بالقاهرة أو الصيفية بالشواطئ.. وكأن أصحاب الإعلانات لا يهمهم من لا يفهم الإنجليزية ولا يريدونه.
***
لقد عشت هذه الحالة من قبل، حالة انحطاط اللغة العربية وبالتالى الثقافة العربية والنظرة الدونية لهما. فأنا الآن وقد تجاوزت الثمانين ببضع سنين أذكر جيدا كيف كانت حالة المجتمع المصرى خلال فترة الاحتلال الأجنبى. كانت الجاليات الأجنبية تستخدم اللغة الفرنسية وكانت هى لغة التخاطب فى المال والأعمال والتسوق والترفيه.. وكانت الأسر المصرية الثرية تحرص على استقدام المربيات الأجنبيات لأولادهم، وكان الحديث فى البيت باللغة الإنجليزية أو الفرنسية. وكان الخطأ فى اللغة العربية (العامية) لا يسبب خجلا، بل يتضاحكون بذكره كنوع من الطرائف.
***
وقبل أن يتبادر لذهن القارئ أننى معاد للأجانب ولاستخدام اللغات الأجنبية فالأمر هو عكس ذلك تماما. فأنا مؤمن بأن التنوع الثقافى أو وجود الجاليات الأجنبية والاهتمام بتدريس اللغات الأجنبية فى المدارس الحكومية والخلطة الكوزموبوليتان التى تضفى على المدن بريقا أخاذا خاصة فى بلد سياحى كمصر هى من أهم عناصر بناء المجتمع المتحضر. ولكن كل هذا لا يعنى إهانة اللغة العربية ونبذها كليا وهزيمتها فى أهم معاقلها.. قاهرة المعز والجامع الأزهر.
سبق أن كتبت مقالا بعنوان «الأسماء لدينا ولديهم»، أشرت فيه إلى أسماء القرى السياحية بالساحل الشمالى التى تجعل الزائر يعتقد أن الإيطاليين والإسبان هم الذين بنوا الساحل، لقد تمكنت منا «عقدة الخواجة» واستحكمت حتى أصبحنا نحتقر ثقافاتنا وتاريخنا وحاضرنا.. ويبدو أنها أصبحت فى الجينات.
***
كان الأجانب هم الذين يديرون الاقتصاد والتجارة والصناعة وحتى الزراعة التى كان يسيطر على تجارتها الأجانب من خلال بورصة مينا البصل الشهيرة بالإسكندرية، وكانت اللغة الفرنسية وليست الإنجليزية هى لغة المال والأعمال بل ولغة التخاطب فى المحال التجارية الكبرى مثل شيكوريل وهانو وصيدناوى وشالون وبنزايون (ابن صهيون) ومئات المحال الصغرى والبوتيكات وسائر المحال المتنوعة من الترزى إلى توكيلات السيارات.. وهكذا أصبح الأجنبى يرمز إلى التقدم والرقى والثراء وأصبحت كلمة «بلدى» (أى وطنى) ترمز إلى كل ما هو قبيح أو مجاف للذوق وهو أمر تنفرد به مصر بين شعوب العالم.. حتى إنهم أوجدوا لهذا الكلمة لفظة باللغة الفرنسية وهى (Mon pays) التى لا يمكن أن يفهما الفرنسى إلا أنها تشير إلى الوطن أو البلد.. فالفرنسى عندما يقول لك (La France est mon pays) فهو يفتخر بهذا الانتماء، لأن هذا الانتماء هو مدعاة للفخر والعزة.
***
هل تذكرون ما فعلته إسرائيل فى سيناء عندما وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلى فى عام 1967؟ إنها قامت بإنشاء مدن ومستوطنات ومنتجعات سياحية أملا فى فرض سياسة الأمر الواقع واقتسام الأرض مع مصر فى أى تسوية قادمة، لم يطلق الإسرائيليون على هذه المنتجعات أو المستوطنات أسماء مستوردة فينيسيا، أو مرسيليا، أو مارابيلا مثل ما نفعل نحن ولكنهم أطلقوا عليها أسماء عبرية ضاربة فى القدم ومنها المستعمرات التى أقيمت فى شمال سيناء مثل «سادوت» بجوار العريش ومثل «ناؤت سيناى» أيضا فى منطقة العريش ثم عندما ازدادت أطماع إسرائيل قامت بإنشاء مدينة «ياميت» التى كانت تخطط لجعلها مدينة ضخمة تستوعب ربع مليون ساكن ويرفق بها مرفأ بحرى ضخم لتصبح ثالث أكبر مدينة ساحلية بعد تل أبيب وحيفا، كما قامت بإنشاء مدينة مشابهة فى شرم الشيخ وأطلقت عليها اسم «أوفيرا» وكان مخططا لها أن تكون عاصمة جنوب سيناء حتى أطلقت إسرائيل على جنوب سيناء اسما عبريا هو«شلومو» كما قامت بإطلاق اسم «شلهفيت» على منطقة آبار البترول فى أبو رديس..
***
لم تكتف إسرائيل بمحاولة «عبرنة» سيناء من خلال إطلاق الأسماء العبرية ومحاولة طمس الأسماء المصرية العربية بل كان لديها إصرار على إدراج هذه الأسماء على خريطة سيناء التى ستلحق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.. أى أنه حتى بعد انسحابها من هذه المستعمرات وتدميرها جميعا عدا أوفيرا كانت تود أن يظل لتراثها العبرى أثرا على تراب سيناء.
***
أذكر جيدا وكنت مشاركا فى مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية أننا عندما وصلنا إلى موضوع اعتماد الخرائط وفوجئت إسرائيل برفض مصر البات تدوين أى اسم إسرائيلى على خريطة سيناء، أنها تقدمت باقتراح وكأنه تنازل أو حل وسط بالاقتصار على تدوين اسم «أوفيرا» بجوار «شرم الشيخ»، وعندما جوبهت بالرفض المصرى الصارم وتبين لهم أن المعاهدة ستتحطم حول هذه النقطة تقدم موسى ديان وزير الخارجية وعزرا ويزمان وزير الدفاع باقتراح يقضى بعدم الإشارة إلى أى مدينة يقل عدد سكانها عن المائة ألف نسمة وهكذا طبعت خريطة سيناء المرفقة بالاتفاقية وليس بها إشارة إلى أى مدينة سوى العريش.
***
فى المقال الذى أشرت إليه سابقا الأسماء لدينا ولديهم والذى نشر قبل عدة سنوات، تحدثت فيه عن مدى استهانتنا بتراثنا ومدى تمسكهم بتراثهم سعيا منهم لترسيخ التماسك الوطنى والاجتماعى أيضا لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية، وذكرت فيه كيف رفض الوفد الإسرائيلى فى مفاوضات الحكم الذاتى الإسرائيلى أن يتم الاجتماع بفندق فلسطين بالإسكندرية خشية الإيحاءات التى يحملها الاسم وتم فى حينه عقد المفاوضات فى فندق سان ستيفانو. قد سمعت أعضاء الوفد الإسرائيلى وهم يتندرون بأسماء سان ستيفانو حيث تعقد المفاوضات وسان جيوفانى حيث يقام العشاء الرسمى ويقولون وكأننا فى إيطاليا.
***
أنا أعلم أن المقاولين العقاريين يلجئون إلى الأسماء الأجنبية لجذب المشترى الذى هو بدوره يظن أنه يحصل على خدمة راقية ويندمج فى وسط راق وهى حلقة خطيرة ستزداد استفحالا ورسوخا ما لم يتم تداركها بالقانون وبتحرك المجتمع المدنى، وأنا أعتقد أن هناك قانونا يقضى بألا تزيد مساحة اللغة الأجنبية على أى لافتة عن الثلث.. هذا القانون أو القرار لا أذكر على وجه الدقة صدر فى منتصف الخمسينيات بعد انتهاء الاحتلال الإنجليزى لمصر، فليكن تفعيل هذا القانون أو القرار هو الخطوة الأولى نحو استعادة ثقافتنا ولغتنا الجميلة وإنقاذنا من هذا الغثاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.