يراقب الروس بفضول وبشيء من الترحيب النجاح الذي حققه الممثل الأوكراني فولوديمير زلنسكي في انتخابات الرئاسة، ليس فقط لأنه يدعو إلى الحوار مع موسكو، بل أيضًا لأنه يتشارك مع الروس في عاداتهم الثقافية. ورغم تجنّب الكرملين حتى الآن إعطاء أي رأي بالممثل الموجود في موقع قوة للفوز بالدورة الثانية بعد تحقيقه نسبة 30% من أصوات الناخبين في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. لكن الكرملين أكّد أنه لا يرغب برؤية "حزب الحرب" يفوز في الانتخابات، في إشارة على ما يبدو إلى الرئيس المنتهية ولايته بترو بوروشنكو. ويرى بعض المراقبين أن السلطات الروسية تنظر بإيجابية لانتخاب هذا الوافد الجديد إلى السياسة، المعرّض لتعثّر يثبت صحة نظريتها أن أوكرانيا دخلت في فوضى عارمة بعدما أدارت ظهرها لروسيا. وبعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، يعدّ زلنسكي بالنسبة للروس شخصية جديدة قبل كل شيء، بعد خمس سنوات من الأزمة بين موسكو وكييف، التي تحظى بتغطية إعلامية مكثّفة. بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. ويقول روسلان شويف (23 عامًا) العامل الروسي في مجال المعلوماتية: "أخيرًا نفحة هواء منعشة من المستنقع الأوكراني"، فيما تضيف صديقته إيرينا (21 عامًا) مبتسمةً: "(زلنسكي) يتحدث الروسية، كما أنه مضحك وغير فاسد... حتى الآن". ويرى مكسيم فوروبييف القانوني البالغ من العمر 38 عاما أن زلنسكي "أقلّ مناهضة للروس، كما أنه شاب وديناميكي وقبل كل شيء ليس أسوأ المرشحين الأوكرانيين". وفيما يؤيد زلنسكي مواصلة المسار الموالي للغرب، لكنه يرى أن لا مفرّ من الحوار مع موسكو حول النزاع بين الجيش الأوكراني والانفصاليين الموالين لروسيا شرق أوكرانيا. وخلافًا لمنافسه في الدورة الثانية بترو بوروشنكو، لم يركّز زلنسكي على المسائل المتعلقة بالهوية كاللغة والدين خلال حملته التي خاضها خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى خشبة المسرح. وواصل زلنسكي تقديم عروض وفقرات كوميدية خلال الحملة، مستخدمًا خصوصًا اللغة الروسية، ومستعيدًا عبارات ورمزيات مألوفة بالنسبة للروس. ويوضح المحلل السياسي الروسي جليب بافلوفسكي أن "استخدام زلنسكي لتلميحات عديدة من الماضي السوفياتي، وتقديمه لعروض كوميدية ساخرة يحاكي فيها شخصيات سياسية أوكرانية، مكّناه من أن يكون أكثر مرشح مسموع لدى الروس". وتعمّقت الهوة بين روسياوأوكرانيا، حتى على الصعيد الثقافي، منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، أعقبه اندلاع النزاع مع الانفصاليين الموالين لروسيا الذي أسفر حتى الآن عن 13 ألف قتيل. لكن كل من الروس والأوكرانيين كبروا مع الأغاني والأفلام والسوفياتية ثمّ الروسية، كما مع برامج المواهب الفكاهية المتداولة تحت اختصار "كي في إن". وعبر برنامج مواهب مماثل فازت به عام 1997 فرقة طلاب من مدينته كيريفي ريغ المتحدثة بالروسية والواقعة وسط اوكرانيا، بدأ فولوديمير زلنسكي مسيرته المهنية، ما جعله وجهًا معروفًا ليس في بلاده فقط، بل في روسيا أيضًا. وخلال عشر سنوات، قدّمت فرقته مرارًا عروضًا في روسيا. وهناك أيضا دخل باب التمثيل التلفزيوني، حيث أدّى عام 2008 دورًا في الثلاثية الروسية-الأوكرانية المشتركة "الحبّ في مدينة كبيرة". ويقول مخرج الثلاثية ماريوس فيسبرغ: "زلنسكي اليوم من بين أشهر خمسة ممثلين في روسيا"، متابعًا أنه يشعر بالفخر لتعريف "الروس بهذا الممثل صاحب الجاذبية المذهلة". وتوقف نشاط زلنسكي في روسيا مع ضمّ موسكو لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها واندلاع النزاع الانفصالي في الشرق، كما يوضح لفرانس برس منتجه الروسي السابق سيرغي ليفنيف. لكنه حافظ على شعبيته عبر نقل عروض "ستاند اب" الخاصة به عبر الإنترنت، خصوصًا في روسيا، ومن خلال مسلسله "خادم الشعب" الذي يؤدي فيه دور مدرس ينتخب رئيسًا للجمهورية. على الصعيد السياسي، يقول زلنسكي إنه يرغب في التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولو بتوجه متشدد. وأكد زلنسكي أمس الأحد "إذا التقيت (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سأطلب منه إعادة أراضينا، وسأسأله عن التعويض الذي هو مستعد لدفعه مقابل سلب أراضينا ودعم من شاركوا في التصعيد في القرم ودونباس"، منطقة النزاع في شرق البلاد. وبحسب استطلاع أجراه مركز بحوث الرأي العام الروسي قبل الدورة الأولى، قال 79% من الروس إنهم "على علم" بالحملة الانتخابية الأوكرانية، التي كان نجمها الممثل البالغ من العمر 41 عامًا، رغم أن غالبية 59% منهم رأت أن الانتخابات "لن يكون لها أثر" على العلاقة بين كييف وموسكو. ولكن الأمر يتعدّى الوعد بتجديد الحوار بين الطرفين، إذ ترى عالمة الاجتماع الروسية أولغا كريشتانوفسكايا أن بعض الروس قد يشعرون بالفرح لاحتمال وقوع "كارثة عند الشعب الذي كان شقيقًا لهم في الماضي، مع تحضره لانتخاب كوميدي رئيسًا لدولته".