12 دقيقة تصفيق لمخرجة وبطلة فيلم «الله موجود، واسمها بيترونيا».. وتوقعات باقترابها من الفوز بالدب الذهبي قصة بسيطة وصورة حميمية ورسالة سياسية تؤكد أن الانتصارات الصغيرة تؤدى إلى تغييرات كبرى السينما العظيمة هى التى تستطيع أن تجمع كل مشاعر البشر حولها وتهيم بهم عشقا فى عوالم شخصياتها وواقع حكايتها، مثلما حدث مع الفيلم المقدونى «الله موجود، واسمها بيترونيا» الذى ينتمى لتلك النوعية، وعرضته شاشة مهرجان برلين السينمائى بالمسابقة الرسمية. كان مشهد النهاية رائعا، اختلطت فيه الدموع بآهات الإعجاب وتصفيق استمر 12 دقيقة، لأسرة الفيلم عقب العرض، وقبل أن يسدل ستار الشاشة، وقفت المخرجة بيونا ستروجر ميتيفزكا، والممثلة زوريكا نوشيفا وسط القاعة يتلقون التهنئة وفرحتهم بردود الأفعال حول الفيلم الذى يعتبر بحسب كثير من نقاد العالم أحد أجمل افلام المهرجان إن لم يكن أكثرها إبداعا، وربما سيكون قريبا ممن يحوزون جائزة الدب الذهبى. صور الفيلم قصة شديدة النعومة لفتاة تدعى بيترونيا 32 عاما تعيش مع والديها ببلدة ستيب الصغيرة بمقدونيا، درست التاريخ، تسعى أمها جاهدة لتوظيفها فى أى مكان وآخرها محل ملابس، لكنها لم تعمل ومن غير المحتمل أن تجد وظيفة، وفى طريق العودة من مقابلة عمل أخرى لم تؤد إلى أى شىء، إن لم يكن لدفعها إلى مزيد من الإذلال الاجتماعى، فإن بيترونيا تفاجأ باقامة الطقس الدينى الشهرى، حيث يلقى رئيس الكهنة فى المدينة صليبا خشبيا فى مياه النهر، ويستعد مئات الرجال بالملابس الخفيفة للنزول إلى النهر، ومن يلتقط، حيث يعتقد أن الشخص الذى يجد الصليب يحقق ثروة جيدة وازدهارا عاما فى حياته، فى تلك اللحظة تقرر «بيترونيا» أن تقفز إلى وسط المياه متسللة، وبالفعل تمسك هى بالصليب وسط غضب عارم وشجار من شباب القرية المتنافسين باعتبار أنها امرأة، والاحتفال للرجال فقط، وأن لهم كل الحق فى الغضب، فقد تجرأت امرأة على المنافسة وإنجاز ما فشلوا فى تحقيقه، وتصر «بيترونيا» أنها هى الفائزة وترفض إعادة الصليب، وكأنه حقها فى الحياة، حتى أمها لم تستطع أن تأخذه منها، وتأزم الموقف ويتم القبض عليها والتحقيق معها، بعد أن يسود الشجار بين رجال القرية والشرطة من أجل أن تعيد الصليب، لذلك من الطبيعى أن تضايقها الكنيسة والشرطة من أجل جعل هذا الصليب مكتسبا بشكل غير ملائم، وستقاوم حيث سألها المحقق: هل أنت متدينة؟ فترد عليه: وما علاقة ذلك بحقى فى الصليب، وعندما تسأل المذيعة الكاهن ما الذى ارتكبته بيترونيا، فإن جوابه الوحيد هو: «إنها امرأة!»، ويتعاطف معها رجل الدين ويقول إن الصليب من حقها، لكنها فى النهاية تمنحه له بكامل رضاها ورغبتها. قدمت المخرجة تيونا ستروجار بطلتها زوريكا نوشيفا التى جسدت دور «بيترونيا» بصورة بديعة مذهلة، وجاء اداؤها تلقائيا وحوارها عفويا فى تعبيراته ومفرداته وراسخة فى أفكاره التى أراد الفيلم توصيلها، وربما تنافس بقوة على جائزة أفضل ممثلة، كما ظهرت الممثلة لابينا ميتفزكا بصورة مقنعة فى دور المراسلة التليفزيونية التى مكثت عند القسم وأصرت على الوقوف بجانب بطلة القصة، ورغم أن حكاية الفيلم بسيطة، فإن لها دلالات اجتماعية وبعدا سياسيا كبيرا، تجاه حق الفرد فى العمل واحترام العقيدة وشكل معارضة ومحاربة التمييز، فبطلتنا التى درست التاريخ لم تعثر على أى عمل ولم يمنحها المجتمع فرصة لتنفس حياتها. ويحمل الفيلم رسالة نسائية ناعمة وهى أن الانتصارات الصغيرة ستؤدى إلى تغييرات كبيرة، عبر مواقع الشخصية ووصولها إلى مفترق طرق بمفاهيم متناقضة تماما عن وضع المرأة التى يقسو عليها العالم، وكانت الكاميرا حميمية بتصويرها السينمائى المبدع لتلك القصة البارعة وسط حالة من المتعة البصرية والحوارية، واللا متوقع لمجريات الحدث حتى النهاية مع إطارات كلاسيكية لسينما شرق أوروبا، فكتابة السيناريو الذى يعطى على وجه التحديد إشارات الإغاثة والفروق الدقيقة للشخصيات كانت ذكية للغاية. قيمة هذا العمل أنه من صناعة مخرجة، ويبدو أن مهرجان برلين هذا العام ينحاز لسينما النساء، حيث تضم المسابقة سبعة افلام مخرجتها امرأة، وهى المكانة التى كان يتم تجاهلها بشكل غير عادل من قبل مهرجانات مرموقة أخرى، ويحسب لإدارة المهرجان برئاسة ديتر كوسليك، انحيازه لسينما هى بعيدة عن آلة الصخب الهوليوودية، سينما دولة مثل مقدونيا التى عرفت طريق العزف على الإبداع، ومخرجة أعاد المهرجان اكتشافها باشتراكها لأول مرة بالمسابقة الرسمية، لمنحنا درسا فى الإنسانية والسينما أيضا. ** 4 أفلام سعودية تشارك فى الفاعليات تشارك 4 أفلام سعودية فى الدورة 69 لمهرجان برلين السينمائى الدولى، والأفلام المشاركة هى: «حياة ملونة» للمخرج «عبدالرحمن صندقجى»، و«أغنية البجعة» للمخرجة «هناء العمير»، و«جابر» للمخرج «عبدالرحمن الجندل»، و«قبول» للمخرجة «سارة المنيف». وتعرض الأفلام السعودية، فى قاعات مخصصة لها ضمن عروض السوق الأوروبية للأفلام التى ينظمها المهرجان بموازاة فاعلياته الرسمية. ووفقا لتقرير مركز السينما العربية، ضمت قائمة ال100 شخص الأكثر تأثيرا فى صناعة السينما العربية، أسماء سعودية تعمل على إثراء الحركة السينمائية فى المملكة والوطن العربى. ** ديتر كوسليك يشاررك فى مظاهرة أمام قصر البرلينالى للإفراج عن مخرج أوكراني شارك ديتر كوسليك، مدير مهرجان برلين السينمائى، فى مظاهرة لعدد من السينمائيين أمام قصر البرينالى أمس الأحد، تطالب بالإفراج الفورى عن المخرج الأوكرانى أوليج سينتسوف، الذى صدر بحقه حكم بالسجن 20 عاما. وأعلن كوسليك تضامنه مع السينمائيين فى مطالبة السلطات الروسية بالإفراج الفورى للمخرج الذى ينفذ إضرابا عن الطعام. وسينتسوف مخرج أفلام وثائقية وناشط معارض للكرملين اعتقل من منزله فى القرم فى 2014 بعدما ضمت موسكو شبه الجزيرة، وأصدرت بحقه محكمة روسية حكما بالسجن لمدة 20 عاما بعد إدانته بالإرهاب. ** المخرجة مارى كريتز تهاجم حكومة النمسا هاجمت المخرجة النمساوية مارى كريتزر التى تشارك بفيلمها «الأرض تحت أقدامهم»، بالمسابقة الرسمية لمهرجان برلين حكومة بلدها، ووجهت رسائل سياسية أثناء حضورها المؤتمر الصحفى للفيلم، حيث أبدت اعتراضها على الحكومة من خلال ارتدائها «تيشيرت» مكتوب عليه عبارة «ليست حكومتى» أمام كاميرات المصورين. وعن فيلمها الذى يستعرض عددا من المشكلات داخل المجتمع النمساوى، قالت كريتزر :«إنه يمثل الواقع الحقيقى الذى نعيشه، فالكل يعيش فى قلق، وعدم رضاء، والخوف يسيطر علينا جميعا حول مستقبل غامض».