كان صيفا استثنائيا في ألمانيا هذا العام: صيفا ساخنا، ومشمسا، وجافا للغاية. ربما كانت مثل هذه الأنباء تبعث على السرور بين المصطافين وأصحاب العطلات، الذين يعشقون أحواض السباحة المفتوحة، في الهواء الطلق، ومن يملكون حدائق الجعة، وأيضا محال بيع "الآيس كريم". ولكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة لآخرين، وبالتحديد المزارعين وحراس وعمال الغابات، فصيف العام الذي يلملم أوراقه ليرحل كان الأكثر سخونة خلال ما يربو على قرن من الزمان، وسبب هما كبيرا لهؤلاء، ومخاوف من حدوث جفاف أو تضرر الحصاد، أو اندلاع حرائق غابات. وحطم صيف 2018 الأرقام القياسية في طقس ألمانيا في نواح شتى، وفقا لما ذكرته هيئة الأرصاد الجوية الألمانية، حيث ارتفعت درجات الحرارة، على الأقل إلى 25 درجة، أو أكثر، خلال 75 يوما على مدار العام. ووصل متوسط الحرارة خلال 20.5 يوم من هذه الأيام إلى 30 درجة مئوية. وقال أوفه كيرش، المتحدث باسم هيئة الأرصاد لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إنه لم يتم تسجيل مثل هذه الدرجات من الحرارة المرتفعة في ألمانيا منذ عام 1881. وأضاف أنه في المرة الأخيرة التي تصدرت فيها مثل هذه الأنباء عناوين الأخبار، تم تسجيل درجة حرارة 25 مئوية خلال 62 يوما، وارتفعت إلى 30 درجة مئوية أو أكثر، خلال 19 يوما منها. وبعيدا عن الأرقام القياسية المحلية التي حُطِمتْ واحداً تِلو الآخر في أنحاء ألمانيا، لم يكن صيف 2018 مثل سابقيه على أي نحو كان: ففي شهر أبريل، أي قبل وقت طويل من بداية فصل الصيف رسميا، كانت مدينة مانهايم، جنوبي البلاد، سجلت 7 أيام متتالية من الطقس الساخن، وفي أكتوبر، شهدت مدينة دوسلدورف، غربي ألمانيا، 7 أيام من الطقس الدافئ بعد أن بدأ بالفعل فصل الخريف. وشهدت مدينة برنبرج آن دير سال، بولاية ساكسونيا-أنهالت، اليوم، الأكثر سخونة في ألمانيا خلال الصيف الماضي. وسجلت المدينة التي تقع في شرق ألمانيا، درجة حرارة وصلت إلى 39.5 يوم 31 يوليو الماضي. وكان ذلك واحدا من 12 يوما، سجلت فيها المدينة درجات حرارة تربو على 35 درجة مئوية. ومنذ يونيو وحتى أغسطس، سطعت الشمس 770 ساعة في ألمانيا، بزيادة 30% عن المتوسط المسجل في نفس الفترة من العام الماضي، والذي بلغ 604 ساعات. وفي جزيرة "روجن" شمالي البلاد، التي تطل على بحر البلطيق، استمتع السكان بسطوع الشمس لنحو 900 ساعة. ويقول كيرش إن هذا جعل صيف 2018 أحد 3 أطول فصول صيف تشهد سطوعا للشمس في ألمانيا منذ بدء عملية التسجيل في عام 1951. وتضررت الزراعة في ألمانيا نتيجة سطوع الشمس لفترات طويلة خلال الصيف. وربما لم يكن معدل تراجع الأمطار حادا في ألمانيا كما كان الحال في جنوب إسبانيا، على سبيل المثال، ولكن نسبة الانخفاض وصلت إلى 54% الصيف الماضي، مقارنة بالمتوسط المعتاد. كما أن كميات الأمطار التي سقطت بالفعل، 130 لترا لكل متر مربع، كانت تهطل على نحو مفاجئ، ومنهمر في المرة واحدة، مما تسبب في فيضانات في بعض المناطق. وكان للجفاف تبعاته على الزراعات والغابات في ألمانيا، حيث ذبلت المحاصيل واندلعت حرائق غابات في عدة مناطق، خاصة في ولاية براندنبورج، شمال شرقي البلاد. وفي إحدى المرات، تصدى حوالي 3 آلاف من رجال الإطفاء على مدار عدة أيام لحريق اشتعل إلى الجنوب مباشرة من العاصمة الألمانية برلين. وفي الوقت الذي تلقى فيه المزارعون صفعة، فاز آخرون، حيث شهدت الزراعات التي تقوم عليها صناعة النبيذ، زيادة هائلة في محصول العنب، وبجودة فائقة. ويقول آرثر شتاينمان، من الرابطة "الفرنكونية" لصناعة النبيذ: "محصول رائع ستسجله كتب التاريخ". ووفقا لتقديرات هيئة الأرصاد الجوية الألمانية، ربما يكون عام 2018 واحداً من 5 أعوام هي الأكثر جفافاً خلال الأعوام ال130 الماضية، فبحلول أكتوبر الماضي، كان حوالي 70% من الأراضي الزراعية في ألمانيا، قد تأثرت بالجفاف، بحسب ما ذكره هانز هيلموت شميت، من هيئة الأرصاد الجوية الألمانية. وظهرت تداعيات النقص الحاد في سقوط الأمطار حتى بعدما أخذت درجات الحرارة في الانخفاض، حيث ظلت منسوب المياه منخفضاً في البحيرات والأنهار خلال شهر نوفمبر وديسمبر. وفي نهر "الراين"، تم تعليق خدمة نقل الركاب بالعبَّارات مؤقتاً حيث وصل منسوب المياه إلى نفس المعدل القياسي الذي تم تسجيله للنهر في عام 2003. وفي ولاية هيسن، انخفض منسوب المياه في خزان "إدرزيه" بشكل مُلفِت، لتظهر للعيان أنقاض البناء التي كانت تركت لتستقر في قاعه منذ إقامته. كما دفع انخفاض منسوب المياه أسعار الوقود إلى الارتفاع في جنوب وغرب ألمانيا، حيث لم تتمكن ناقلات النفط من نقل الكميات المعتادة من الوقود عبر نهر الراين. وفي أقصى جنوب البلاد، في المنطقة حول بحيرة كونستانتس، كان الحظر لايزال قائماً، حتى ديسمبر، على ضخ المياه من الجداول أو الأنهار أو البحيرات. أما الاستثناء الوحيد فكان بحيرة كونستانتس نفسها، حيث لا يزال بإمكان المزارعين استخدام مياهها من أجل ماشيتهم. وقد حدث هذا كله في الوقت الذي تصاعدت فيه المخاوف من التهديد الذي يثيره تغير المناخ ليلوح بشكل أكبر في الأفق على مدار العام. فقبل أيام قليلة من نهاية العام واستقبال آخر جديد، رسم «المؤتمر ال24 لأطراف اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ»، والمعروف اختصارا ب«COP 24»، في مدينة كاتوفيتسا ببولندا، صورة قاتمة للمستقبل. وكانت المفوضية الأوروبية دعت قبل فترة قصيرة من انعقاد المؤتمر إلى تحركات أكثر طموحاً من أجل حماية المناخ. هل يسجل التاريخ صيف 2018 في ألمانيا كحالة استثنائية، أو هل يصبح "الصيف الساخن" هو الأصل في وقت ترتفع فيه درجة حرارة الأرض؟ من يدري؟