«إبرام عقد للتمويل يستلزم الذهاب إلى العميل». جاءت هذه الجملة على لسان جيرونيمو راموس، مدير بنك ريال فى ساو باولو، وقد تبدو لمن يسمعها وصفا لطبيعة العمل المصرفى منذ عشرات السنين. غير أن السيد راموس، الذى يقول أن مقابلة العمل المثمرة تتضمن «قضاء يوم كامل فى زيارة العميل والتحدث مع جيرانه»، لا يتحدث هنا عن غالبية عملاء بنك ريال، الذى أصبح منذ 2007 جزءا من مجموعة سانتاندر الإسبانية. ذلك أن معظم عملاء هذا البنك، ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ومن ثم فإنهم عندما يطلبون قرضا، يتم فحص هذا الطلب بواسطة نظام مخاطر الائتمان الآلى التابع للبنك. لكن السيد راموس يتحدث عن طريقة سير العمل فى ريال مايكرو كريدت، أحد أقسام بنك ريال، والمتخصص فى تمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، فى الأحياء العشوائية فى المدن الواقعة جنوب البرازيل، والمجتمعات الفقيرة فى شمال شرق البرازيل. وبينما يغرق النظام البنكى العالمى فى أزمة توصف بأنها الأسوأ منذ الثلاثينيات، يبدو أن أسلوب «العمل المصرفى القائم على العلاقات» هذا، هو السبيل الأكثر قدرة على تجاوز الأزمة. لكن وكما تثبت التجربة الطويلة لإقراض المشروعات الصغيرة فى أمريكا اللاتينية، لا يجب أن تلجأ البنوك إلى التوسع فى إقراض الفقراء، كسبيل لتعويض الخسائر فى القطاعات الأخرى. كانت أمريكا اللاتينية رائدة فى مجال القروض المتناهية الصغر منذ السبعينيات. لذلك فهى الآن لديها واحد من أعلى معدلات الاختراق فى العالم. وتغطى القروض المتناهية الصغر قطاعين مختلفين: الصغير ومتناهى الصغر. وقد تطور هذا النظام بقوة فى مدن منطقة الأنديز بفنزويلا، وهو ما يرجع إلى قوة العلاقات الاجتماعية هناك، والتى تعد عاملا حيويا إذا كان مقدرا لهذا النظام النجاح. لكن مع ذلك، تختلف الصورة من بلد إلى آخر فى تلك المنطقة. ووفقا لهيئة التمويل الدولية الذراع المالية للبنك الدولى يبلغ معدل اختراق التمويل متناهى الصغر فى البرازيل والأرجنتين نحو 3%، وهو ما يعنى أنه بالنسبة لكل 100 مشروع يصلح لتلقى قروض متناهية الصغر، لا تحصل حاليا سوى ثلاثة مشاريع على هذه القروض. غير أن معدل الاختراق فى باراجواى وتشيلى وبيرو يتراوح بين 25% 35%. وتشير هيئة التمويل الدولية إلى أن معدل الاختراق يبلغ 160% فى بوليفيا، بسبب تشبع السوق، وهو ما يدفع المقترضين إلى اللجوء إلى مصادر تمويلية مختلفة، بالتزامن مع التمويل متناهى الصغر. أما القطاع الثانى المتعلق بالقروض متناهية الصغر، فهو يتمثل فى منح قروض صغيرة للفقراء من أجل الاستهلاك، لا من أجل القيام بمشروعات. وعادة ما يسمى هذا النوع العمل المصرفى لذوى الدخول المنخفضة. ونظرا لأن المقترضين وفقا لهذا النظام، يعرفون عملاءهم جيدا على سبيل المثال عندما يكونون زبائن لإحدى سلاسل تجارة التجزئة التى تتعامل مع البنك فإن النتائج عادة ما تكون إيجابية. ولكن عندما يدخل البنك إلى سوق مجهولة، كثيرا ما تحدث مشكلات. يشهد نظام «المصرف المراسل» نموا سريعا، مما يطرح إمكانيات كبيرة لتطوره. ووفقا لهذا النظام، تقوم المؤسسات بإقامة أكشاك أو منافذ فى الأماكن المناسبة مثل الصيدليات والمخابز، وهو ما يسمح للعملاء بعقد صفقات تمويلية بسيطة، مثل دفع الفواتير دون الحاجة إلى الوقوف فى صفوف طويلة داخل فروع البنوك الكبيرة والتى تمثل بيئة غير مريحة بالنسبة لأولئك الأكثر فقرا. وقد توسعت هذه العمليات أخيرًا، لتشمل تقديم خدمات مصرفية أخرى مثل القروض وحسابات الادخار. ويقول مارتن هولتمان، كبير خبراء التمويل متناهى الصغر فى هيئة التمويل الدولية، إن المشكلة الأساسية التى تواجه هذه الصناعة هى أزمة التمويل العالمية. وأضاف أن «هذا واحد من أهم الدروس التى نتعلمها من بوليفيا، التى واجهت أزمة كبيرة فيما يتعلق بالسداد عام 2000. فقد توجهت الصناعة بقوة للاعتماد على الودائع، لكن الودائع الآن أصبحت مساوية تقريبا لحافظة القروض الإجمالية». وفى بداية الشهر الماضى، أنشأت هيئة التمويل الدولية وكى إف دبليو، وهو أحد بنوك التنمية الألمانية، خط ائتمان قيمته 500 مليون دولار، لدعم التمويل متناهى الصغر فى مناطق مختلفة من العالم. وقال السيد هولتمان إنه تم فرض سعر فائدة عال على هذا التمويل، حتى لا يمثل منافسة عالية لمصادر التمويل المحلية، التى لا تحمل مخاطر تتعلق بالعملة. تقول ساندرا دارفيل، فى إنتر أمريكان ديفلوبمنت بانك، إن الأزمة أيقظت اهتمام بنوك أمريكا اللاتينية بهذا القطاع. وعندما قام إنتر أمريكان ديفيلوبمنت بانك، بحصر 108 بنك فى المنطقة، وجد أن 80% منها يعتبر قطاع القروض متناهية الصغر، ذا أهمية استراتيجية. وأضافت درافيل قائلة: «فى وقت الأزمة، تريد أن توسع قيمة حافظتك لتغطى مزيدا من العملاء».