إن الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو يواجه الإحتجاجات و المظاهرات الشعبية الغاضبة التي شملت معظم أنحاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية إنه ينبغي على الحكومة تأمين مساحة للنقد 0 فإن المتتبعين للوضع السائد في إيران منذ إنتصار ثورة الإمام الخميني بأنه بعيدة عن الحقيقة الصادمة أو أنه يجانها لأن هذه الحقيقة الصادمة التي باتت تواجه النظام الإيراني، هي في حاجة إلى تأمين مساحة للحياة أمام المواطنين الإيرانيين الغاضبين، وهنا تبرز حقيقة المشكلة التي يواجهها النظام المُغلق بطبيعته على كل العناصر والشروط الضرورية لتأمين هذه المساحة من الحياة التي يطمح إليها الإيرانيون.كما أنه من جهة ثانية لا يكتفي أن يقول المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بأن أعداء إيران يقفون وراء المؤامرة، لأن توجيه هذه الاتهامات إلى الخارج مع أن المشكلة في الداخل، قد تزيد من تراكم الأزمات وكذا الزيادة من السخط الشعبي على النظام القائم في إيران اليوم0 فحتى توجيه الدعوة لرئيس السلطة القضائية إلى التدخل بقوة لوقف المظاهرات والتعامل بحزم مع المتظاهرين، فإن هذا في الحقيقة لا يغيّر شيئاً من القواعد العاتية التي فشلت سابقاً في منع الإيرانيين من التظاهر رغم القمع العنيف الذي تعرضوا له عام 2009. وحتى عملية ترهيب المتظاهرين بأن الذي يعتقل منهم قد يواجه الإعدام،وهذا طبعا يناقض كلياً حقيقة وجود مساحات للنقد والمتاحة للمواطنين وهذا طبعا يتناقض مع جوهر الأسباب التي دفعت الإيرانيين إلى التظاهر، وقياساً على هذا الأسلوب في التعامل مع المتظاهرين وفي فهم دوافعهم ورفض الاستماع إلى مطالبهم، تغصّ السجون بالمعتقلين، ويمكن أن يُساق بعضهم إلى الإعدام فعلاً، وبهذا تتحول الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سجن كبير أكثر من ذي قبل، ومع هذا فلن يغيّر شيئاً من حقيقة أن قواعد النظام الإيراني وركائزه قد بدأت تنهار فالسياسات الاقتصادية التي فجّرت المظاهرات هي اليوم في بلد ينتج أربعة ملايين برميل من النفط يومياً، ويملك الغاز وموارد طبيعية ضخمة، ليس مقبولاً ولا معقولاً أن تصل نسبة البطالة فيه إلى 12.5 في المائة، وأن الفقر يصيب 40 مليون إيراني، وأن 11 مليوناً من الإيرانيين يعيشون في مناطق مهمّشة. مع أن المليارات التي حصلت عليها الجمهورية الإسلامية بعد توقيعا للاتفاق النووي قد تبخرت في الإنفاق على الحروب وتمويل تدخلات إيران الخارجية، وأن حكومة الرئيس روحاني اليوم قد زادت من الضيق الاقتصادي، ومن رفع مستوى الفقر عند الناس، عندما اتخذت في سعيها إلى ترتيب أرقام الموازنة الجديدة، قرارين أشعلا الغضب الشعبي، أولاً عندما قررت رفع سعر الوقود بنسبة 50 في المائة، وثانياً بعدما أعلنت أنها ستلغي برنامج الإعانات المقدمة للفقراء التي يستفيد منها 34 مليون مواطن، بينما كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية تعلن أن 12 مليون مواطن يعانون من الفقر الغذائي. لذا فالانتقادات الغاضبة انطلقت عندما أظهرت أرقام الموازنة تخصيص الجزء الأكبر منها للإنفاق على الحرس الثوري والمؤسسات الدينية المرتبطة بالمرشد، وهو ماجعل هذه الموازنة الجديدة تزيد من تفاقم أزمة المعيشة التي يواجهها الشعب. وهذا مما جعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مقدمة الدول الأكثر فساداً، فهي تحتل المرتبة ال 136 من أصل 175 دولة من حيث الفساد، كماأن عناصر الفساد في إيران تعمل في شكل هرمي داخل السلطة الحاكمة، وأن الجماعات المرتبطة بأعلى هرم النظام هي التي تسيطر على مفاصل الاقتصاد الإيراني ولا تخضع للرقابة. لذا طبعا يمكن القول بأن الفقر في بلد غني مثل إيران قد يكون سببه الرئيسي الفساد الحكومي والإنفاق العسكري الكبير0 هذا طبعا وكان قد سبق هذه الإحتجاجات في الأشهر الماضية إضرابات واحتجاجات بسبب تأخر الرواتب وانخفاض الأجور وتفشي الفساد على مستوى السلطة،0 كما لا ننسى بأن 5 في المائة من الطبقة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستحوذ على ثروة البلاد، وهي تبدأ بالمرشد الذي قيل عنه بأن ثروته تقدر بنحو 95 مليار دولار، وتتدرج لتضم الحاشية وكبار المسؤولين، 0 يضاف إلى كل هذا طبعا فشل السياسة الخارجية التي قامت منذ البداية على فكرة تصدير الثورة التي دفعت النظام إلى التدخلات وخوض الحروب الخارجية والإنفاق على التنظيماتالتي يديرها في الخارج،وهكذا قد أصبح واضحاً تماماً سقوط المعادلة الواهمة التي قام عليها النظام، الذي امتهن التصدير في اتجاهين؛ تصدير الثورة والتخريب إلى الخارج، خصوصاً دول الإقليم، وتصدير الفقر إلى الداخل، خصوصاً مع استفحال الفساد0 وقد تكون النهاية هي انكسار سياسة القمع الداخلية رغم سياسة تكميم الأفواه بعد سحق ما أصطلح على تسميتها بالثورة الخضراء عام 2009 عندما تظاهرت يومها المدن ضد التزوير الانتخابي لتجديد ولاية محمود أحمدي نجاد، أما اليوم فها هي الأرياف تسابق المدن إلى التظاهر، وها هي القوميات التي يضطهدها النظام تنضمّ إلى المظاهرات0 وبالتالي لايستطيع النظام الإيراني اليوم أن يملأ السجون بالمتظاهرين و لايمكنه إعدامهم، ولكن ممكن النظام هو الذي يدخل سجن الشعب بعد أن فشلت سياسته الداخلية واتسعت حلقة الفقر والبطالة،كما فشلت سياسته الخارجية بالتخريب والإنفاق على الحروب وتجويع مواطنيهوهكذا أصبح النظام الإيراني يتقدم بخطى حثيثة في طريق الاتحاد السوفياتي الذي بدأ ينهار مع البيروسترويكا 0