يعتبر الانفصال الشبكي من أخطر أمراض العيون وأصعبها، كما إن طرق علاجه المختلفة لا تزال تلاقي نسب نجاح متفاوتة لايمكن مقارنتها بتلك النسب العالية جدا الخاصة بجراحات المياه البيضاء. ولكي نفهم ماهية الانفصال الشبكي علينا أولا أن نخوض في عجالة في تشريح العين فالعين بصفة عامة تتكون من ثلاث طبقات الطبقة الخارجية وتتكون من القرنية والصلبة ووظيفتها الحماية، الطبقة الوسطي وتقع داخل الطبقة الخارجية وتتكون من مشيمية العين والجسم الهدبي والقزحية ووظيفتها بصفة أساسية تغذية العين ، ويبطن الطبقة الوسطي طبقة ثالثة تسمي الشبكية وهي غشاء رقيق مسئول عن إستقبال الضوء وتحويله عبر عمليات معقدة الي إشارات كهر وكيميائية، تنتهي الي اللحاء البصري بقشرة المخ . وتلك الشبكية المسؤلة عن إستقبال الضوء تعتبر من أهم مكونات العين وأكثرها حساسية، فإذا إنفصلت تلك الشبكية عن المشيمية وسقطت في تجويف العين، الملئ بسائل يسمي السائل الزجاجي ففي هذه الحالة تفقد الشبكية جل وظيفتها، فإذا إستمر الوضع هكذا لأشهر فإن الشبكية تتليف وتفقد وظيفتها بالكامل، وتصبح تلك حالة من الحالات الميئوس من شفائها في طب وجراحة العيون بحسب علوم اليوم . في الأسطر التالية تعالوا معنا نخوض في غمار مرض الانفصال الشبكي وأعراضه وعلاماته وأنواعه وأخيرا طرق علاجه. تلك الرحلة سنتراوح خلالها بين اليأس والرجاء في معركة مازال الطب حتى يومنا هذا يحاول جاهدا أن يبتكر لها المزيد والمزيد من أسلحة وإختراعات وإبتكارات عله ينتصر فيها كما أنتصر تقريبا في معركة سابقة مع المياه البيضاء . عادة ما تبدأ أعراض الانفصال الشبكي بظهور عدد كبير من العتامات الصغيرة التي تسبح في السائل الزجاجي مشكلة ما نسميه الذبابة الطائرة والتي قد تأخذ اشكالا متعددة مثل الذباب الطائر وشبكة العنكبوت وتكون عادة مصحوبة بظهور فلاشات ضوئية امام العين . تلي تلك المرحلة عادة ظهور ما يشبه الستارة التي تهبط امام العين بالتدريج سواء من أعلي إلي أسفل أومن أسفل إلي أعلي أو من اليمين إلي اليسار أو من اليسار إلي اليمين . هناك ثلاث أنواع من أنواع الانفصال الشبكي النوع الأول يسمي الانفصال الشبكي القطعي والذي يحدث عادة لحدوث قطع أو ثقب بالشبكية مما يسمح بمرور السوائل خلف الشبكية، وبالتالي انفصالا عن مشيمية العين مخلفة طبقة رقيقة من الغشاء الصبغي الشبكي. اما النوع الثاني فيسمي الانفصال الشبكي الارتشاحي والذي يتميز عادة بعدم وجود قطع بالشبكية ولكن السوائل التي تقوم بفصل الشبكية عن غشائها الصبغي عادة ما تتكون نتيجة لحدوث إلتهابات شديدة بالمشيمية أو نتيجة لوجود أورام خبيثة بمشيمية العين . أما النوع الثالث والأخير فيسمى الانفصال الشبكي المسحوب (الشدي) وهذا النوع يحدث نتيجة لوجود تليفات علي سطح الشبكية او في باطن السائل الزجاجي وتلك التليفات تكون بمثابة الأوتار او الحبال التي تشد علي سطح الشبكية فاصلة إياها عن المشيمة وعن غشائها الصبغي وهذا النوع يحدث بكثرة في مرضى الالتهاب الشبكي السكري عند مرضى السكر . تعالوا معا نتعرف علي من هم الأشخاص الذين يكونون عرضة لحدوث الانفصال الشبكي عن غيرهم . لوحظ أن الانفصال الشبكي يكثر في الأشخاص فوق سن الأربعين وفي الرجال عن النساء وعند ذوي البشرة البيضاء عن ذوي البشرة الداكنة . أما في ما يخص العيون، فلوحظ أن الانفصال الشبكي يكثر عند مرضى قصر النظر، وعند هؤلاء الذين أجروا عملية انفصال شبكي في العين الأخرى وعند الذين لديهم حالات إنفصال شبكي في تاريخ العائلة وفي حالات تعرض العين لصدمة او إصابة وأخيرا فأنه قد يصحب بعض أمراض العيون مثل ( ريتينو سكاياسيس )Retino-schisis)) وإلتهابات المشيمية وقصر النظر الخبيث وضمور الشبكية الشبكي . أما فيما يخص العلاج فهو علاج جراحي في حالات الانفصال الشبكي القطعي والشدي وقد يكون علاج دوائي في حالة الانفصال الشبكي الارتشاحي. العلاج الدوائي عادة ما يتكون من قطرة الاتروبين بالإضافة الي كورس من أقراص الكورتيزونات وقطرات الكورتيزون. أما العلاج الجراحي فهو ينقسم الي جراحات تقليدية وجراحات غير تقليدية . الجراحات التقليدية في الانفصال الشبكي تتركز حول محاور ثلاث المحور الاول هو تحديد مكان القطع وكيه بالتبريد ، أما المحور الثاني فهو تحزيم العين من الخارج بحيث تدفع السائل الزجاجي الي الخلف ليقوم بتدعيم الشبكية أما المحور الثالث فهو القيام بعميلة تفريغ السائل المتجمع تحت الشبكية والذي قد يمنع الشبكية من العودة الي وضعها الطبيعي في حالة عدم تفريغه . هناك الكثير من الحالات والتي قد تكون غير ملائمة للجراحات التقليدية " بسبب وجود نزيف او تليفات بالسائل الزجاجي " وكذلك في حالات فشل الجراحات التقليدية للانفصال الشبكي . تعالو معنا نبحر خلال ذلك العالم غير التقليدي لجراحات الانفصال الشبكي غير التقليدية تعالوا معنا نستمتع بمشاهدة مباراة في فنون الابتكار والاختراع، طرفاها مبدعي الأطباء من جهة ويساندهم فريق من علماء الهندسة الطبية ويقابلهم في الطرف الأخر شبكية متهالكة يشدها أحبال من السائل الزجاجي قد ترجع الى مكانها احيانا، ثم ترفض الانصياع لتعود لتنفصل مجددا، ثم ترجع مرة أخرى بمحاولات مضنية من الفريق الاول ولكنها وللأسف ترفض أحيانا الاستسلام فتبقى مكانها مجبرة، ولكنها ترفض العمل وأداء وظيفتها ففي هذه الحالة الأخيرة نسمي النجاح نجاحا تشريحيا وليس نجاحا فسيولوجيا أو وظيفيا ويكون الانتصار هنا انتصارا بطعم الفشل ويكون الجراح سعيدا، لإجباره الشبكية على بقائها غير منفصلة ويكون المريض تعيسا، لأنه ببساطة...... لا يبصر . بدأت قصة جراحات الانفصال الشبكي غير التقليدية بتجربة الدخول بالآلات الجراحية ولأول مرة الي داخل تجويف السائل الزجاجي ونقل ميدان المعركة من خارج العين الي داخلها ولحدوث ذلك استلزم الطب إبتكار ترسانة من الأسلحة منها ما يستخدم في قص وشد وجذب السائل الزجاجي والتليفات التي بداخله والتي علي سطح الشبكية ومنها ابتكار مجموعة من المواد الحديثة والتي تسمى ببدائل السائل الزجاجي والتي تستخدم عوضا عن السائل الزجاجي في حالة اذا ما اضطر العلماء الي استئصاله كلية، أما المجموعة الثالثة من الأسلحة من تلك الترسانة من الأسلحة فهي أجهزة حديثة جدا تشبه في تعقيدها سفن الفضاء وتلك الأجهزة تقوم بمهام عدة أولا شفط واستئصال السائل الزجاجي باستخدام الفيتروتوم ( قاطع السائل الزجاجي ) ((Vitreotomeبمعدلات قطع هائلة تصل الى 1800 في الدقيقة الواحدة ، هذا بالإضافة إلي استخدام الألياف الضوئية Fiber Optic )) في إضاءة ظلمات العين من الداخل وأخيرا جاء الدور علي الليزر ليقتحم تلك الظلمات بألآت ترسل أشعة الليزر من الداخل لتكوي قطوع الشبكية مباشرة. وبانضمام تلك الترسانة الرهيبة من الأسلحة بدأ العلم يحقق بعض الانتصارات في معركته مع الانفصال الشبكي ولكن بقيت بعض الجبهات الأخيرة حيث تقف تلك الأسلحة عاجزة في وجه الفشل الوظيفي او الفشل الفسيولوجي.... ومازالت المعركة مستمرة والآن دعونا نترك الواقع بكل نجاحاته وآلامه بكل انتصاراته وانكسارا ته ونحلق في عالم الخيال، ليس خيالا كليا، ولكنه خيال بدأ يدخل معامل الأبحاث، ثم بدأ يتسرب الي حقول التجارب علي الحيوانات هذا الخيال ربما يحمل الآمل من الملايين من فاقدي نعمة الإبصار بسبب ضمور في الشبكية او تليف بها. جراحات زرع الشبكية أو بالأحرى جراحات زرع الغشاء الصبغي الشبكي، والتى ظهرت مع إنطلاق تقنيات البيو تكنولوجي، والتى يتم فيها زرع شرائح كومبيوترية من السليكون متصلة بكاميرا فيديو دقيقة جدا مصنعة بالنانو تكنولوجي، ومن تلك الشريحة إلي اللحاء البصري بقشرة المخ . تلك الأبحاث مازالت في طور التجربة ومازالت في طور التطوير، ربما لن تري النور اليوم او غدا ولكنها بالتأكيد تحمل الأمل في شفاء هؤلاء المرضى في يوم ما... لست أظنه بعيدا.