تكلمنا في المقال السابق عن نشأة ” طريق الحرير” برياً ، وذكرنا فيه أن سر انطلاق هذا الطريق هو اكتشاف صناعة نسيج الحرير، وفن الكتابة والرسم عليه بإتقان، بصورة جاذبة أبهرت الشعوب المحيطة بالصين، مما أدي الي زيادة الإقبال على القوافل التجارية الصينية، وترويج لباقي البضائع والمنتجات المختلفة، فكانت فكرة التوسع في التجارة،عن طريق دق وخلق طرق برية آمنة، عبر المناطق الوعرة المتشعبة قاسية التضاريس، من خلال البلدان المجاورة، ومع إزدهار التجارة، وحدوث طفرة وتنوع في النظم الاجتماعية والثقافات الإنسانية والسياسات ونشاط إقتصادى، كانت تتسع شبكة الطرق، وتتشعب إلى أن انتهت بطريقين كما ذكرنا في المقال السابق، احدهما يصل الي أوربا (الشمالى)، والآخر(الجنوبى) الذى يصل إلى مصر وشمال أفريقيا، فكانت القوافل التجارية تسير فيهما كالقاطرة المحملة بالخيرات أينما حلت، سواء من تجارة ونقل بضائع متعددة الأصناف ومسافرين، وتبادل للثقافات المختلفة بين الشعوب، ونشر للديانات التي لم تكن معروفة للشعوب الأخرى، فكان هناك حراك ديني وثقافي نشط حينذاك، مثل الديانة “البوذية”، التي انتقلت من الهند الي ” قيزر ” بسنجان” و”دون هوانج” بقانسو توغلاً بالصين، وهذا بأواخر عهد أسرة “هان الغربية” ( عام 2006 – 2020 ق م )، وقد سُجلت في رسوم حائطية، بمساحة عشرة آلاف متر مربع، موجودة إلى الآن بكهوف حجرية بوذية مثل ( موقاو) و( لونج )، متميزة بصبغة فنية شرقية- غربية: وهذا أكبر دليل علي تواجد تبادل ثقافي صينى- غربى عبر طريق الحرير في ذاك الوقت .. وتعتبر هذه الرسومات من التراث الثقافي العالمي .. ساعد هذا الطريق على انتشار التدوين / الطباعة / صناعة الورق، نقل ثقافات الشعوب والمجتمعات المختلفة من الرقص / الأزياء/ الموسيقى / صناعة المصوغات الذهبية والفضية والأحجار الكريمة / المنسوجات / الخزف / الأبنوس/ الرخام / تبادل البذور والشتل الزراعية مثل الجوز، والخيار، والفلفل الاسود بين الشرق والغرب / جلب الطيور / الحيوانات / البوصلة / عملات .. تطور الصناعات القائمة علي انتعاش الزراعة وتنوع المحاصيل / وبالطبع نقل البارود والذى سبباً في بدايات حروب مدمرة . نستخلص من هذه النبذة “السردية” البسيطة ،أن طريق الحرير كان بمثابة لبنة لإقتصاد دولى متكامل ، بجانب انه كان ذو تاثير مجتمعي – حضاري هام، ساهم برقي التعامل بين الشعوب والمجتمعات المختلفة، لنشره الوعى الثقافي لمدة لا تقل عن الف وخمسمائة عام .