الأوقاف عن رفع إيجار أراضي الوزارة: قرار بالتعامل الرحيم مع أصحاب الملكيات المفتتة    محافظ القليوبية يناقش الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمنطقتي العكرشة الصناعية وأرض جمعية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. ضبط 519 كجم سلع ولحوم غير صالحة في حملات رقابية مكثفة    خبير سياسي: لقاء السيسي وحفتر يعكس دعم مصر الكامل لسيادة ليبيا وشعبها    س & ج.. كل ما قاله سلوت عن أزمة محمد صلاح قبل قمة الإنتر ضد ليفربول    هل تتأثر مصر بزلزال أنطاليا التركية ؟.. البحوث الفلكية توضح    فيفا يمنح لاعبى المونديال راحة 3 دقائق فى كل شوط بكأس العالم 2026    قائمة شباب بيراميدز في مواجهة البنك الأهلي بكأس العاصمة    الأرصاد تحذر: أمطار رعدية تضرب مطروح وتمتد للإسكندرية والوجه البحري    إحالة المتهم بقتل زوجين فى المنوفية إلى المفتى    ضبط 2 طن سكر معاد تعبئته ناقص الوزن و420 علبة سجائر مجهولة المصدر بالقليوبية    رد صادم من إيمي سمير غانم على منتقدي إطلالتها الأخيرة    الكاتبة سناء البيسي، 65 عاما في محراب الصحافة والنسخة الأولى من جائزة التميز تحمل اسمها    كارمن سليمان تقدم دويتو جميل مع متسابق ببرنامج كاستنج.. فيديو    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية في زمن قياسي    ختام معسكر منتخب مصر الأول بمشروع الهدف استعدادا لأمم أفريقيا.. صور    تدشين مبادرة «ازرع نخلة» بمدارس الخارجة لتعزيز الوعى البيئى للطلاب    التحقيق مع مسن تحرش بطفلة علي سلم عقار في أوسيم    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء    استقالات بالجملة داخل جهاز الزمالك للكرة النسائية    افتتاح فيلم «الست» في الرياض بحضور نخبة من نجوم السينما| صور    وزير الزراعة: نقل الحيوانات أحد تحديات عملية تطوير حديقة الحيوان بالجيزة    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة أبو غالي موتورز خطط توطين صناعة الدراجات    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    أسرة عبدالحليم حافظ تفجر مفاجأة سارة لجمهوره    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    إعلان أول نموذج قياسي للقرى الخضراء الذكية بجهود مشتركة بين جامعة طنطا ومحافظة الغربية    نيجيريا تتحرك عسكريا لدعم حكومة بنين بعد محاولة انقلاب فاشلة    ارتفاع مؤشرات بورصة الدار البيضاء لدى إغلاق تعاملات اليوم    الجمعية العمومية لاتحاد الدراجات تعتمد خطة تطوير شاملة    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن وفاة ضابط شرطة بسبب مادة سامة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    ظريف يتلاسن مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    سفير اليونان يشارك احتفالات عيد سانت كاترين بمدينة جنوب سيناء    محافظ الجيزة يتابع انتظام العمل داخل مستشفى الصف المركزي ووحدة طب أسرة الفهميين    23 طالبًا وطالبة بتعليم مكة يتأهلون للمعرض المركزي إبداع 2026    إنجاز أممي جديد لمصر.. وأمل مبدي: اختيار مستحق للدكتور أشرف صبحي    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    عضو مجلس الزمالك يتبرع ب400 ألف دولار لسداد مستحقات اللاعبين الأجانب    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    بعد ساعتين فقط.. عودة الخط الساخن ل «الإسعاف» وانتظام الخدمة بالمحافظات    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    حدث في بريطانيا .. إغلاق مدارس لمنع انتشار سلالة متحولة من الإنفلونزا    تعرف على طاقم حكام مباراة برشلونة وفرانكفورت في دوري أبطال أوروبا    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    هشم رأسها.. شاب يقتل والدته العجوز بآلة حادة في الشيخ زايد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الى بلاد العم سام (2)
نشر في شباب مصر يوم 06 - 07 - 2014

في اليوم الثاني من زيارتي لمدينة نيويورك نهضت مبكرا عند الساعة الرابعة صباحا ، ويبدو أن هذا النهوض المبكر سببه هو الفرق في الوقت ما بين القارة الأوربية ، والقارة الأمريكية ، فأنا لم اعتد بعد على العيش في مكان اختلف فيه زمان بزوغ الشمس وغروبها ، وهذه حالة تمر بكل العابرين الى المحيط الأطلسي ، ففارق الوقت بين ضفتي هذا المحيط قد يصل الى ست أو سبع ساعات تزيد أو تنقص حسب المكان الذي تنتقل منه في أوربا ميمما وجهك الى الشواطئ الأمريكية .
نزلت من غرفتي كي أتعرف على حركة الناس في باحة الفندق عند الساعة الخامس صباحا ، فوجد الكثير من النزلاء قد سبقوني الى الجلوس في تلك الباحة ، أو لإجراء بعض مما يتعلق بسكناهم مع ادارة الفندق ، ولهذا السبب عزمت على الخروج الى الشارع قبيل الساعة السادسة ، فوجدت المطعم ، الذي تناولنا فيه الافطار أنا وزوجتي في اليوم الأول ، مشرع الأبواب ، وقد سبقنا إليه بعض الزبائن ، وهذا ما جعلني أوقن أن هذه المدينة لا تعرف النوم ، فهي في حركة دائبة ، ليس في أيام العمل فقط ، وإنما حتى في أيام العمل والعطل الاسبوعية .
أول الناهضين من النوم في هذه المدينة هم الشريحة الرثة من الطبقة العاملة ، مثلما يسميها كارل ماركس ، هؤلاء الذين يتمثلون بعمال المطاعم والمقاهي ، وكذلك كناسي الشوارع الذي تعتمد عليهم بلدية نيويورك في تنظيف شوارعها التي لم شاهد فيها سيارة تنظيف خاصة ، مثلما عليه الحال في السويد التي تسخر شوارعها النظيفة من شوارع مدينة نيويورك المتسخة باستمرار ، ولهذا شاهدت أصحاب الحوانيت يهبون مبكرين لتنظيف ما يقع من الرصيف في مواجهة تلك الحوانيت ، وبخراطيم مياه تستمد مياها من حنفيات مياه تقف عند جدران البنايات التي تشتمل على تلك المحلات . ولا يفوتني أن أذكر هنا أن من بين الناهضين أولئك كذلك سواق الحافلات وسيارات الأجرة والعاملين في قطع التذاكر في محطات قطارات الأنفاق ، وسواق القطارات نفسها ، والذي جلب انتباهي هو أن هؤلاء العمال خاصة سواق حافلات نقل الركاب ينحدرون من أصول أفريقية سواء كان هؤلاء السواق رجالا أم نساءً ، فما شاهدت قط سائقا أبيض يقود حافلة من حافلات النقل العام ، ورغم أن المجتمع الأمريكي يحاول تخطي مشكلة " التمييز العنصري " بانتخاب الرئيس ، باركا أوباما ، الذي ينحدر من أصول أفريقية ، لكن تلك المشكلة لازالت مستحكمة بسبب من أن الأسر الفقيرة لا تستطيع إرسال أبنائها الى الجامعات الأمريكية التي تكلف الدراسة فيها مبالغ طائلة لا تقوى تلك الأسر على دفعها ، ولهذا يظل أبناء الأسر الغنية هم من يستحوذ على المراكز المهمة في الدولة والحكومة ، يضاف الى ذلك أن قضية التمييز العنصري لا يمكن حلها بسهولة بسبب من أنها لصيقة بالانقسام الطبقي في المجتمع الأمريكي ، وهذه القضية تشكل مظهرا من مظاهر مساوئ النظام الرأسمالي.
سارعت الى محطة قطار الانفاق القريبة ، وركبت القطار رقم واحد على الخط الاحمر ، وهو ذات القطار الذي يحملني الى الحي الصيني أو شارع القناة (Canal Street) والذي صرت أذهب إليه فيما بعد ، ومن ذات المكان بالحافلة رقم (20 ) بدلا من قطار الانفاق المشار إليه ، ولكن في هذه المرة علي أن اتجاوز تلك المحطة بعدد قليل من محطات التوقف والى أن يصل بي القطار الى محطة وقوفه الأخيرة ، وهي المحطة التي تدعى ساوث فري (South Ferry) ، واسم هذه المحطة يتعلق بالسفن البخارية أو العبارات التي تنقل السياح من سواحل مانهاتن (Manhattan)* والى جزيرة الحرية حيث ينتصب فيها تمثال الحرية الشهير .
حال خروجي من تلك المحطة صرت أمام حديقة فسيحة يخترقها طريق ضيق يؤدي الى أماكن قطع تذاكر ركوب العبارات تلك ، قطعت تذكرة لركوب واحدة من السفن الصغيرة المصطفة على ذلك الساحل بقيمة ثمانية عشر دولارا ، وهذا المبلغ على صغره يشكل ثروة طائلة ، ودخل عظيم للولايات المتحدة الأمريكية ، فقد بلغ إجمالي ما جنته الولايات المتحدة الأمريكية من السياحة للسنة الماضية 2013م هو 7ر180 مليار دولار ، إذ دخلها في هذه السنة أكثر من سبعين مليون سائح ، وهذا ما حدا بالرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، الى أن يطالب بتسريع اجراءات اتمام معاملات المسافرين لدى وصولهم الى المطارات بهدف تشجيع المزيد من السياح الأجانب على زيارة الولايات المتحدة ، ومن أجل إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، وقال ما نصه : "اريد ان ننتقل من السبعين مليون سائح الذين جاؤوا العام الماضي الى مئة مليون سائح سنويا بحلول مطلع العقد المقبل".
وقفت برهة على الساحل قبل ركوبي السفينة ، وهو ذات الساحل الذي نزل عليه المستكشف الأول له ، الإيطالي جيوفاني دي فيرازانو في عام 1524م ، ثم أعقبه الانجليزي هنري هدسون الذي وصله في 11 سبتمر 1609م ، وكان يعمل لحساب شركة الهند الشرقية الهولندية ، وعلى إثر ذلك أقام الهولنديون مستعمرة فراء تجارية في ذات المكان سميت " بنيو أمستردام " وكان ذلك سنة 1625م ، وبعد أن قام مدير تلك المستعمرة ، بيتر مينوت ، بشراء جزيرة مانهاتن بحلى وخرز تعادل قيمتها 24 دولارا من الهنود الحمر سكانها الأصلين الذين لم أرَ وجها من وجوههم لا في مانهاتن ، ولا في المناطق الأخرى من نيويورك ، وذلك بسبب من أن القوات البريطانية أبادتهم إبادة تامة بعد أن طردت الهولنديين من تلك الجزيرة ، واستولت عليها في شهر تشرين الأول " اكتوبر " عام 1664م .
من هذا الساحل وحتى جزيرة الحرية "Liberty Island " تفصلك مسافة تستغرق ابحارا دقائق معدودة بإحدى السفن البخارية الراسية عند الساحل الذي يبعد عن تلك الجزيرة كيلومترين ونصف ، وحال وصولك رصيف الرسو على تلك الجزيرة الغير مأهولة يشمخ أمامك تمثال الحرية " The Statue of Liberty " ، الذي كان مقدرا له أن يقف على ضفاف قناة السويس في مصر ، وذلك حين بادر الفنان الفرنسي فريدريك بارتولدي سنة 1869 م بتصميم نموذج صغير لتمثال يمثل سيدة تحمل بيدها مشعلا ، وقام بعرضه على الخديوي إسماعيل كي يتم نصبه في مدخل قناة السويس التي أفتتحت في ذات السنة ، لكن الخديوي إسماعيل اعتذر عن قبول اقتراح بارتولدي نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا المشروع ، حيث لم تتوفر لمصر السيولة اللازمة التي تغطي تكاليف انجاز هذا المشروع خاصة بعد أن انفقت الدولة المصرية أموالا طائلة على حفر القناة ثم على حفل افتتاحها.
كانت الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870-1940) تتملكها فكرة إهداء هدايا تذكارية لدول صديقة عبر البحار من أجل تأصيل أواصر الصداقة بها ، لذلك تم التفكير في إهداء الولايات المتحدة الأمريكية هذا التمثال في احتفالات الذكري المئوية لإعلان الاستقلال ، والتي يحين موعدها في 4 من تموز " يوليو" سنة 1876م ، ويبدو أن الحافز الآخر ، الذي دفع الفرنسيين لتقديم هذه الهدية للولايات المتحدة الأمريكية ، وبمناسبة الذكرى المئوية لنجاح الثورة الامريكية التي قامت ضد بريطانيا ، هو مساهمة الجيش الفرنسي المتواجد على الأراضي الأمريكية في نجاح تلك الثورة حين نشبت في 19 أبريل 1775م ، واستمرت ثماني سنوات ، انتصرت في 3 سبتمبر 1783م عند توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة ، وكما أن هذه الهدية هي كذلك نكاية بالبريطانيين الذين دخلوا في حروب طويلة مع الفرنسيين في تلك السنوات ، خاصة حرب السنوات السبع التي امتدت ما بين سنة 1756-1763 م ، وكان من بين أسبابها التنافس الاستعماري ما بين فرنسا وبريطانيا على الثروات الطائلة في أمريكا الشمالية.
نزلنا أرض جزيرة الحرية ، ثم طفنا حول التمثال وقاعدته التي صممها المعماري الأمريكي ريتشارد موريس هنت" Richard Morris Hunt " وانتهى منها في آب من العام 1885م ، وقد أخذت القاعدة تلك شكل نجمة من عشرة رؤوس ، لكن الذي يراها أول الأمر يظن أنها نجمة داود المعروفة ، وهذا ما يحمل المرء على الاعتقاد من أنه قد يكون لليهود في مدينة نيويورك ، الذي يبلغ تعدادهم الآن حوالي ربع سكان المدينة ، والذي يزيد عن ثمانية ملايين نسمة ، مساهمة مالية في الحملة التي جمعت بها أموال تصميم وبناء تلك القاعدة ، بينما تحمل الشعب الفرنسي تصميم وبناء التمثال نفسه ، وبعد سنوات من عمل متواصل تم الافتتاح الرسمي لهذا التمثال في 28 تشرين الأول " أكتوبر " 1886م .
* مانهاتن " Manhattan " تعني بلهجات الهنود الحمر ، سكانها الأصليون ، جزيرة التلال او الكثبان الرملية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.