من الظواهرالغريبة، التى تستلفت الإنتباه فى أغلب البلاد العربية، تلك الصوروالمشاهد السلبية المألوفة، لمطاردة وملاحقة شريحة متواضعة من أفراد المجتمع، وهم ممن ينتمون للمهن والحرف الشعبية من أصحاب الأسواق والباعة الجوالة التى تفترش الطرق، وبعض الأرصفة والأماكن فى القرى والأرياف والمدن المختلفة، وتصويرهم وإبرازهم على أنهم يتجاوزون الأنظمة، ويخلقون حالة من الفوضى والإرباك والإزدحامات المرورية على الطرق والأرصفة، بجانب إقدام البعض على بيع بعض السلع المنتهية الصلاحية. ومن المؤسف أن الصحافة تساهم فى عملية التشويه والتشهيربهذه الشريحة فى أغلب مجتمعاتنا العربية، فى حين يدرك الجميع أن هؤلاء الباعة معظمهم من البسطاء والكادحين والمسحوقين الذين ليس بوسعهم الحصول على أراض، أوإمتلاك أوإستئجارمحلات تجارية فى المواقع الحيوية داخل المدن والأسواق والمجمعات التجارية بسبب تكلفتها الباهضة. ورغم أن ماقد يتذرع به المسؤولون لملاحقة هذه الشريحة الإجتماعية من المواطنين، بكونهم حسب زعمهم مخالفين للأنظمة، إلا أن ذلك لايبررمطاردتهم بتلك الصورالمذلة والمهينة للكرامة الإنسانية، وكمواطنين فى كل بلد عربي لهم مكانتهم الإجتماعية المحترمة وحقوقهم الوطنية المكتسبة، فى ممارسة العمل بالوسائل والطرق المشروعة والشريفة، لاكتساب رزقهم ولقمة عيشهم، ومنها إحتراف هذه المهن والوسائل المتواضعة، هذا فضلا عما يتعرضون له من أضرارمادية جسيمة، حينما يتم تكسيروتخريب أومصادرة بضائعهم، كما هوملاحظ من خلال المشاهد التى تحصل أمام أعين المواطنين بتلك الأسواق، وأنا بنفسي قد شاهدت هذا المشهد لأكثرمن مرة فى أكثرمن بلد عربي، وهومادعاني لكتابة هذه الملاحظة التى قد يظن الكثير من الناس أنها لاتستحق إفراد لها مثل هذه المساحة من الوقت والجهد. ولكن المعلوم لدينا جميعا، أن الأسواق الشعبية التى يمثل أغلب باعتها هذه الشريحة، تعتبرمن مظاهرالتراث الشعبي الذي يتوارثه الأجيال، ومن الواجهات التى يعمل على الإهتمام بها والمحافظة عليها، نظرا لما تمثله من قيمة تاريخية وتراثية ثمينة، تبرزرغم تواضعها الوجه الحضاري والتراثي لكل بلد. ومن ذلك نجد أن الإهتمام فى أغلب بلاد العالم المتحضرينصب على الإهتمام برعاية وتبني إبرازمثل هذه النماذج من الصورالحية للتراث الشعبي لشعوبها ، بغية المحافظة على هذا التراث من الإندثار، لبينما يحصل العكس فى بلداننا العربية، بمحاربة وإزالة كل الصوروالمشاهد الجميلة من حياتنا المعاصرة مما يمثل الكثيرمن أدوات ووسائل التراث، كالمباني والقلاع والأبراج والأسواق والدوروالمنشآت التاريخية القديمة، إضافة إلى الكثير أيضا من الأدوات والحرف والمهن والألعاب، وغيرها مما يعكس جوانب مشرقة، من تراثنا وتاريخنا المجيد، الحافل بكل تلك الصوروالأدوات التراثية الجميلة، التى إنقرضت واندثرت وضاع تراثها وتاريخها من حياتنا، نتيجة للعمل بهذه السياسة المتسرعة وغيرالمدروسة. والمشكلة التى تراوح فى (نافوخ) عقولنا فى معظم بلداننا النامية، أننا لانعرف موضع الحلول الوسط ، لمعالجة مختلف قضايانا القديمة والحديثة والمستجدة سوى بالبتروالإستئصال، فبدلا من أن نوجد الحلول المناسبة لها بالوسائل التنظيمية، نسعى على الفور لإزالتها واستإصالها من الوجود، ولا أدل على ذلك مما حصل لبعض الحرف والمهن التراثية فى بلادنا، ومنها المقاهي الشعبية التى تم إزالتها من داخل المدن وخارجها، بحجج واهية وغيرمنطقية، فى حين كان بالإمكان معالجة قضيتها بالوسائل التنظيمية المقبولة التى تحفظ لأصحابها من شريحة المجتمع أرزاقهم وحقوقهم المعيشية المشروعة، لمزاولة هذه المهنة الشريفة التى حرموا منها، وبالتالى المحافظة على جوانب مهمة من هذا التراث الشعبي، الذى أحيل للأسف عبرهذه الخطوة التعسفية الغريبة إلى المتاحف ودورالتراث، وتلك فى ظني إحدى التداعيات السلبية لنظرتنا القاصرة لبعض القضايا المرتبطة بالتراث وبعض أحداث الماضي والحاضر، ومانواجهه للأسف من مستجدات، بسبب هذه الممارسات التعسفية وغيرالمسئولة، لوئد مظاهرالتراث الشعبي فى بلادنا العربية..؟..! ولذلك فإنه من المفترض أن تعالج مثل هذه القضايا ومنها قضية الأسواق الشعبية والباعة الجوالة أوالمتنقلة، فى مدن بلادنا ومعظم بلادنا العربية، عن طريق الرقابة والتنظيم، وإبرازهذا التراث الجميل والمحافظة عليه بإقامة ألأسواق الخاصة به، وبمايعكس أوجه وطبيعة هذه الأسواق كتراث شعبي ينبغي الإهتمام به والمحافظة عليه، وليس بملاحقة القائمين عليه أومصادرة أدواته وممتلكاته..! احمد علي الشمر [email protected]