شجرة كانت.. تتموسق حول خاصرتها زينة المدينة.. يستظل بها المارة.. تتلو آيات السحر الأبيض... فينتثر على أرض المدينة عطاء يغمر الطريق في سنين عجاف.. وكأنها عرافة تلبي حاجات السائلين! حين ذبلت فروعها.. وتساقطت أوراقها بعد أن ضعفت تربتها، أصبح الليل مبلل.. وزيتُ قنديلي شحيح، وأمنيةٌ أوكلها صدر السماءْ لغصن الشجرة! إحتضن حذائي الطريق بخطى لاهثة.. باحثة عن حل يبعث بقايا شجرتي من الموت.. تصارعت خطواتي ما بين صعود وهبوط.. وتعثرت قدماي بحجر خيبة الأمل.. كنت جوار سور المقبرة .. نظرت بطرفٍ يعلوه غبار الحزن ..فرأيت " حفار القبور .. وشيخ المقبرة ..!! حينها تذكرت رواية الناس في المدينة عن أنه مستجاب الدعوة .. أطلقت العنان لساقيّ محتضنة بقايا الشجرة، تاركة ورائي دندنة المدينة.. ! عندما وصلت، وجدته يتكئ على جذع شجرة مشرعاً كفّيه نحو السماء، يتمتم بدعوات غير مسموعة.. تلبسني خوفٌ ما.. "أمجنونةٌ أنت..!؟ كيف تطلبين الدعاء منه..!!؟" يحلو لذاك الرجل حفر الأرض..ورمي دعاءٍ .. وربما..بسمة لوريقات نقديّة ستنام في كفّه تكفيه لبضعة أيام قبل أن يوجه دعاءه نحو آخر/أخرى..!! وصرت أمشي تجاهه بحذر ، وكأنّ الأرض مزروعة بشوكٍ سيكتب النهاية ..!! قلت: - سلام عليك .. أريدك أن تدعو لشجرتي دعوة.. قال: - عليك السلام .. ماذا حل بها؟! قلت: - أصابها الذبول وتساقطت أوراقها بعد أن ضعفت تربتها.. ثم مددت يدي بها إليه.. نظر إليها ثم قال: - سأفعل.. دعا لها سرًّا.. انتظرت علًه يحادثني .. تُرى هل دعا لها أم عليها ؟! لمَ لم يدع لها بصوت جهور؟! أظنها فريسة دعائه هذه المرّة.. مروقتٌ ليس بالقصير وأنا أنتظره.. لكنه لم يفعل. شممت رائحة الموت تفوح من شجرتي.. أشعر بأنّ ثمّة مسربٌ سيمرق الموت من خلاله إليها، ويخطّ تفاصيل النهاية!! لمَ الخوف؟! إنها ميتة.. والميت لا يموت مرتين! أخيرا عزمت أمري على دفن الشجرة.. فإكرام الميت دفنه! قلت له : - أريد قبرًا! نظر إليَّ نظرة مائعة لم أستطع تحديد هويتها.. ثم قال: - لمَ؟ دفعت إليه شجرتي.. فنظر إليَّ وأعرض.. - لا مكان لها عندي.. بعناد اندفعت .. وبصدى قوة أطلقتها أظافري نبشًت الأرض كي اعدً مقبرة.. استودعت المقبرة بقايا الشجرة.. لفظتها.. عاودت الحفر مرة أخرى ووضعتها.. لم يجدِ الأمر نفعًا.. كان حفًارالقبور يراقب الموقف وعلى شفتيه ابتسامة! نظرت إليه صارخة في وجهه: - لمَ تلفظها المقابر كلها؟! بماذا دعوت لها؟! هل دعوت عليها بالموت؟! هل كانت تمتماتك سحرًا أسودًا يحرمها من الدفن؟! زادت ابتسامته واتسعت حتى تحولت إلى قهقهة.. أشعلت قهقهته حمرة وجنتي غضبًا.. نظر إليَّ ثم غادر المكان متمتمًا: - اللهمّ اجعل عمر شجرتها يمتدّ قدر حبّها- هي- لهذه الحياة.. صعقت لسماع كلماته .. ومضيتُ..