اجتياز تدريب إجبارى لمدة عام شرط لإدارة أى مؤسسة صيدلية    نقيب التمريض تدعو لتعميم التأمين الصحي الشامل على مستوى الجمهورية    متى تنعقد لجنة السياسة النقدية لحسم أسعار الفائدة في مصر؟    مؤشر القلق    كرم جبر يكتب: هذا هو حال الدول العربية!    يونيفيل: العثور على 225 مخبأ للسلاح جنوبي لبنان    الأمم المتحدة: سكان غزة يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي    ترامب يتوجه إلى السعودية في أول زيارة خارجية له خلال ولايته الثانية    الأهلي يهزم الزمالك ويتأهل إلى نهائي كأس السوبر الأفريقي لكرة اليد 2025    مسار يهزم أسمنت أسيوط وينفرد بصدارة مجموعة الصعيد المؤهلة للمحترفين    مسار يهزم أسمنت أسيوط وينفرد بصدارة مجموعة الصعيد المؤهلة للمحترفين    بسبب الميراث.. المشدد 10 سنوات لمتهمين بإحداث عاهة مستديمة لسيدة في كفر الشيخ    «بوكليت الإعدادية» يدخل حيز التنفيذ.. وتشكيل وحدة لجودة المدارس    المؤبد لقاتل شقيقه داخل مزرعة مواشي بالدقهلية بعد تنازل الأب عن الحق المدني    فيلم«الجرح» يمثل المغرب في الدورة ال78 من مهرجان كان السينمائي    موسى يطرح أول كليب مصري ب «الذكاء الاصطناعي» | شاهد    جيش الاحتلال: تسلمنا عيدان ألكسندر    ما حكم إقامة العلاقة الزوجية أثناء الحج؟.. أمين الفتوى يجيب    نادية الجندي تخطف الأنظار بإطلالة شبابية جديدة | صورة    أمينة الفتوى: هذه أدعية السفر منذ مغادرة المنزل وحتى ركوب الطائرة لأداء الحج    طلاب إعلام الاهرام الكندية تعيد فرقة رضا للجمهور ب إبهار تراثي عصري جديد    وزير الثقافة يشارك في إطلاق الخطة العاجلة للسكان والتنمية والبرنامج القومي للوقاية من التقزم    بالصور.. الكشف على 3400 مواطن في قافلة طبية لجامعة أسيوط بغرب أسوان    الروماني إيستفان كوفاتش حكماً لنهائي دوري أبطال أوروبا    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    تأجيل إعادة محاكمة 5 متهمين ب"الخلية الإعلامية" لجلسة 10 يونيو    شهادات نجوم الفن.. هل تنهي أزمة بوسي شلبي وأبناء الساحر؟| فيديو    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    طلاب بنها يزورون مجلس النواب لتعزيز الوعي السياسي (صور)    عون وعباس والشرع في السعودية خلال زيارة ترامب.. ماذا سيوضع على الطاولة؟    يُسلط الضوء على المواهب الصاعدة.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم تحت 17 سنة    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    قائد الوداد: سنلعب في كأس العالم للأندية دون خوف.. ونريد تشريف المغرب    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    اعتماد أوروبي لقصر العيني كمركز متخصص في رعاية مرضى قصور القلب    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    وظائف خالية اليوم.. برواتب تصل إلى 6500 ريال فرصة عمل لعمال مصريين بالسعودية    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    مصادر: بورصة مصر تبحث قيد فاليو الأربعاء المقبل    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    البابا ليو الرابع عشر يفتتح رسميًا الشقة البابوية إيذانًا ببداية حبريته في الفاتيكان    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    حالة الطقس اليوم في السعودية    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    بدائل الثانوية العامة 2025..تعرف على مميزات الدراسة بمدرسة الكترو مصر للتكنولوجيا التطبيقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من التنمية الاقتصادية الى الترقي الاجتماعي
نشر في شباب مصر يوم 14 - 07 - 2012

" ان التنمية هي أساسا مسار تفهمي...لتعزيز التبادلات المفيدة ...وتحسين أداء شبكات التأمين الاجتماعي أو بلورة الحريات السياسية."[1]ظهر مفهوم التنمية développement في الكلام السياسي والصحفي المتداول بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة أثناء فترة التحرر الوطني من الاستعمار وذلك بعد خروج البلدان المتضررة منهكة القوى مصدومة ومتعبة بعد الدمار الذي تعرضت له والإفراط في الاستغلال ونهب الخيرات وهروب الدول المستعمرة بمدخرات الدول الفقيرة والإبقاء عليها في حالة تبعية. وقد شمل مفهوم التنمية البشرية في البداية الادارة والسياسة والثقافة ولكنه ما لبث أن توسع ليشمل الاقتصاد والاجتماع ويطور الأبنية والقواسم المشتركة وتهيئة الظروف الملائمة وتطوير أنماط المهارات والقيم لدى الأفراد والجماعات من أجل تحسين الموارد[2]. وقد يعني مصطلح التنمية بعض الدلالات مثل التطور والنماء والازدهار والتراكم الكمي من ناحية ولكنه يشير الى التقدم والطفرة والتغيير والنقلة النوعية من ناحية أخرى.من هذا المنطلق ان " التنمية هي مسار تكوين وجود منظم بالانطلاق من بذرة معينة"[3].اللافت للنظر أن مفهوم التنمية البشرية قد ارتبط بعملية توسيع اختيارات الشعوب واستهداف تمتيع الانسان بدخل مرتفع وبحياة طويلة وصحية، الى جانب تنمية المهارات والقدرات الانسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم. ولقياس معدل التنمية يمكن اتباع عدة مؤشرات وهي درجة استغلال الموارد البشرية وطبيعة الأوضاع السكانية ومستوى الأوضاع الصحية وأوضاع العمل والعلاقة بالتقنية والتصنيع والثورة الرقمية وحالة الأوضاع الادارية والأوضاع الاجتماعية والأوضاع السياسية والأوضاع النفسية.ان المنهج الذي يمكن اتباعه في هذا البحث يبتعد بالأساس عن العقلانية الجوهرانية والمقاربة الوضعية التي تعتقد في وجود قوانين ثابتة تتحكم في الظواهر البشرية ويرفض اتباع المقاربة الاقتصادية التي تجعل من تطوير الإعتمادات المالية وتقوية نسق الاستثمار هو البوابة التي تفتح المنطقة على أمل الإرتقاء، وفي المقابل يقترب من اعتماد العقلانية الاجرائية التي تفتش عن استدامة التنمية وتحاول أن تفعل مقاربة اقتصادية تواضعية منفتحة على التخوم وعلى المناطق المحرومة وناقدة للمركز ومنتصرة الى الفئات الأقل حظا وجاعلة من الاختيار الجماعي والحرية السياسية والاندماج وبنائية الوجود الأحسن الاقتصادي والديمقراطية الأفقية هي وسائل وشروط التنمية ووضع السلوك العقلاني والمصلحة الشخصية على ذمة المصلحة العامة[4]. غاية المراد أن التنمية لا تعني نمو الناتج الوطني الخام ولا الزيادة في المداخيل عن طريق الرفع من تجارب التصنيع والتقدم التكنولوجي وتحديث المجتمع وإنما هي التثقيف ونشر الوعي والعلم ومنح المواطنين هامشا كبيرا من الحرية السياسية والمدنية يجعلهم يتصرفون في حياتهم بقدر كبير من المسؤولية والعقلانية ويبذلون كلما ما يقدرون عليه من أجل بلوغ درجة الوجود الأحسن. يترتب عن ذلك أن " التنمية يمكن ان ينظر اليها على أنها عملية لتوسيع الحريات الواقعية التي يتمتع بها الناس"[5]. من هذا المنطلق يوجد منوالان كبيران للتنمية في دنيا العلوم الإنسانية: الأول يركز على الاقتصاد ويرى أن تحسين الظروف المادية وتطوير وسائل الانتاج يؤدي بالضرورة الى تحولات اجتماعية وطفرة ثقافية وانخراط السكان في حالة مدنية متحضرة ويمثل سمير أمين وألان تورين هذا المنوال الاقتصادي. أما النوع الثاني فيدور حول حسن استثمار الرأسمال البشري وإحداث ثورة في الانسان وتهيئة المواطن تربويا وثقافيا وسياسيا وإنصافه قانونيا وتحقيق مصالحة مع ذاكرته واحترام خصوصيته وربطه ببيئته من أجل التعويل عليه في العملية التنموية والانتقال به من نمط الانسان المقهور الى نمط الانسان المنتج. ويمثل عالم الاقتصاد الهندي آمارتي صين الذي طور مفهوم الانصاف لدى جون راولز هذه المقاربة التاريخية الانسانية للتنمية. عندئذ " نحن نمتحن خصائص لمقاربة ممكنة للتنمية المستديمة لضمان تناسق بين الأبعاد المتنوعة للاستدامة من خلال التعويل على عقلانية اجرائية"[6].يترتب عن ذلك أن الأمر بالنسبة الينا لا يتوقف عند التحقيق والتدقيق في قياس درجات النمو بل يتعداه نحو اتخاذ القرارات السياسية اللازمة والتدابير الاجتماعية الثورية في اطار ما يسمى التمييز الايجابي من أجل اتخاذ تدابير عاجلة من أجل النهوض بالتشغيل ورصد اعتمادات استثنائية قصد تفعيل عملية التنمية ذاتها والتعويض عن عقود من التهميش وجبر الأضرار عن عملية الاستبعاد الاجتماعي والمحافظة على الرأسمال البشري المهدد بمخاطر النزوح الى المدن وترييف الحاضرة والهجرة غير الشرعية." ان عمق التحولات الراهنة يقودنا الى الاقرار بأن باراديغم جديد هو بصدد استبدال الباراديغم الاجتماعي، كما لو أن هذا الأخير قد أخذ مكان الباراديغم السياسي."[7] عندئذ ان المنوال المطلوب للتطوير هو ذلك الذي يرتكز على عدالة التوزيع ويحرص على تقسيم المعرفة والسلطة والمنفعة على الفئات الأقل حظا بشكل متوازن وفق معايير الحاجة والمساهمة والجدارة. الحاجة تعني لكل حسب ما يحتاجه، والمساهمة هي اعطاء أولوية لأبناء الجهة في التمتع بالخيرات والمنافع الذي ينتجونها، والجدارة تعني لكل حسب مجهوده ويحصل كل شخص على حق يساوي القوة التي يملكها أو الكفاءة التي يتمتع بها. من هذا المنطلق يجدر بنا استبدال مفهوم التنمية الجهوية أو المحلية، الشاملة أو المستدامة، الريفية أو الحضرية بحزمة من إجراءات تهدف الى احداث مؤسسة الترقي الاجتماعي[8].والحق أن مفهوم التنمية هو مفهوم رأسمالي أوجد من أجل الحاق الاقتصاديات المحلية بالاقتصاد المركزي وإلحاق الاقتصاديات الوطنية بالاقتصاد العالمي وربط قنوات الانتاج في الأطراف بشبكة الانتاج والتوزيع والاستهلاك في دول المركز يقوم بالأساس على التصنيع والنشاط المادي ويستبعد العامل كذات منتجة.لذلك يجيب استبداله بالترقي الاجتماعي الذي يجمع بين المادة والروح والإنسان والطبيعة وبين الثقافة والاقتصاد ويربط بين الرخاء الاقتصادي والتوسع العمراني والرقي الروحي والنماء الأخلاقي. وبالتالي "يتعلق الأمر إذن بتطور المجتمعات وليس فحسب الإقتصاديات والأجهزة الانتاجية"[9]ربما من أهم النقاط التي يجب الاشتغال عليها باكرا هي تحسيس الانسان بأهمية تغيير منوال الترقي الاجتماعي وإشراكه في المقترحات والبدائل والتصورات والمراهنة على وعيه وحرصه على الارتقاء بمستواه المعيشي وحسن تصرفه في الموارد وقدرته على التأقلم مع المتغيرات ومقاومة أشكال الفساد والاحتكار والتبديد التي تعرضت لها الثروة المحلية وإدراجه في المجهود المشترك والعمل الجمعياتي.صفوة القول أن " الناس يصنعون تاريخهم، لكن الابداع الثقافي والصراعات الاجتماعية ينتجان الحياة الاجتماعية ويشعلان نار الحركات الاجتماعية في قلب المجتمع"[10]. هكذا لا يمكن القضاء على التخلف ولا يقدر الناس على اصلاح تعثر منوال التنمية إلا بالحرية الايجابية والسياسة التشاركية وتوسيع دائرة التمتع بالحقوق والانخراط في النقاش العمومي والإصلاح بالتوافق وبالربط بين الاقتصاد والإتيقا وجعل الاقتصاد في خدمة الوجود الأحسن للجميع وتوزيع الثروات على الكل[11]. فكيف نجعل من القضاء على التفاوت الاجتماعي وآفات البطالة والخصاصة والازدراء المسؤولية المشتركة لنا جميعا؟

المراجع
Alain Touraine, la Voix et le regard, édition du Seuil, Paris,1978.Alain Touraine, Un nouveau paradigme pour comprendre le monde aujourd'hui, édition Fayard, 2005.
Amartya Sen, Ethique et économie, traduit par Sophie Marnat,2 edition PUF, Paris, 1999.
Amartya Sen , un nouveau modèle économique , Développement, justice, liberté, traduit par Michel Bessières, édition Odile Jacob, 2000.Amartya Sen, l'économie est une science morale, introduction de Marc Saint-Upéry, édition La Découverte, Paris, 2003.
Amartya Sen, Rationalité et liberté en économie, prix Nobel d'économie, traduit par Marie-Pascale d'Irbane-Jaawane, édition Odile Jacob, octobre 2005.E. Shils, Political Development in the New States, La Haye, Mouton, 1960.Les notions philosophiques , Dictionnaire1, edition PUF,1990,
Revue Tiers-monde, n135, juillet- Septembre 1993
Revue Tiers-Monde , Tome XII- N 46, Avril- Juin , 1976.
Revue Economie appliquée, n 4 -Tome XLVI- 1993.كاتب فلسفي
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Amartya Sen , un nouveau modèle économique , Développement, justice, liberté,p.46.[2] E. Shils, Political Development in the New States, La Haye, Mouton, 1960.
[3] Les notions philosophiques , Dictionnaire1, edition PUF,1990, p.625.
[4] Amartya Sen, Rationalité et liberté en économie, prix Nobel d'économie, traduit par Marie-Pascale d'Irbane-Jaawane, édition Odile Jacob, octobre 2005,p.60.[5] Amartya Sen , un nouveau modèle économique , Développement, justice, liberté, traduit par Michel Bessières, édition Odile Jacob, 2000.p.13.
[6] Sylvie Faucheux, Géraldine Froger, Jean-Francois Noel, quelle hypothèses de rationalité pour le developpement soutenable ?, in revue Economie appliquée, Tome XLVI- 1993- n 4,p.63.
[7] Alain Touraine, Un nouveau paradigme pour comprendre le monde aujourd'hui, édition Fayard, 2005 .p.382.
[8] مفهوم ذكره عبد الرحمان الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارعة الاستعباد[9] Christian Coméliau, pour un nouveau de l'étude du développement, in Revue Tiers-monde, n135, juillet- Septembre 1993, p.691.[10] Alain Touraine, la Voix et le regard, édition du Seuil, Paris,1978.p.9. [11] Amartya Sen, l'économie est une science morale, introduction de Marc Saint-Upéry, édition La Découverte, Paris, 2003,p.69.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.