الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    سعر الحديد اليوم السبت 26-7-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    الجيش الإسرائيلي يتلف 1000 شاحنة من المساعدات الإنسانية المخصصة لغزة    ستارمر: بريطانيا ستعترف بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار في غزة    مراسل إكسترا نيوز: معبر رفح لم يُغلق يومًا منذ بدء الحرب    جوتيريش: ما يحدث في غزة أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمى    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    اختتام جولة مفاوضات "النووى" فى إسطنبول.. محادثات طهران والترويكا الأوروبية للمرة الثانية عقب حرب ال12 يوما.. إيران: مشاورات جادة واتفقنا على استمرارها.. الهجمات قوضت أمن المنشآت النووية    كريم فؤاد يرد على شائعة إصابته بالصليبى: "حسبى الله ونعم الوكيل"    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    جثة و23 مصابًا.. الحصيلة النهائية لحادث ميكروباص قنا    قرار جديد من النيابة بشأن والد «أطفال دلجا المتوفيين»    بشرى لطلاب الثانوية الأزهرية.. مؤشرات النتيجة مرتفعة ونطمئن الطلاب وأولياء أمورهم وإعلانها قبل نهاية يوليو.. رئيس قطاع المعاهد: لا نستعجل فى إعلان النتيجة لضمان حصول كل طالب على حقه فى الدرجات    إصابة شاب في مشاجرة وتسمم مزارع بحوادث متفرقة في سوهاج    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد الناقد طارق الشناوي    حظك اليوم السبت 26 يوليو وتوقعات الأبراج    ليلة أسطورية لعمرو دياب في الرياض .. والجمهور يغني معه «خطفوني»    حقوق الإنسان والمواطنة: المصريون يعلمون أكاذيب الإخوان ودعواتهم للتظاهر مشبوهة    التليفزيون هذا المساء.. جمال شقرة: الإخوان لم تقدم شيئا لفلسطين    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    7 جنيهات للشاي والأرز أقل من 30، انخفاض أسعار السلع الغذائية في الأسواق    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    «هيسجل إمتى بعيدًا عن ضربات الجزاء؟».. تعليق مثير من الغندور بشأن زيزو مع الأهلي    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لأكثر من 65 مليار دولار سنويًا لمواجهة الحرب مع روسيا    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    عبد الواحد النبوي يطالب هيئة الكتاب بسحب أحد إصداراتها والاعتذار للمصريين    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    5 طرق بسيطة لتعطير دولاب ملابسك.. خليه منعش طول الوقت    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    الجمهور على نار والأجواء حماسية.. انطلاق حفل تامر حسني بمهرجان العلمين الجديدة    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار بين وافد و...كفيل
نشر في شباب مصر يوم 11 - 04 - 2012


محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
في جلسة غير عادية تساوي خلالها وافدٌ لدولة خليجية مع كفيله، ولم تدم إلا قليلا، قام بينهما الحوار التالي:
الوافد: لازلت أنتظر موافقتك الكريمة على سفري لفترة قصيرة أزور خلالها أهلي، وأعود أمي المريضةَ في إحدى المستشفيات الحكومية.
الكفيل: لماذا لا تتصل بهم هاتفيا، وتطمئن على والدتك؟
الوافد: لكنني لم أحصل على عطلة لأكثر من أربعة أعوام، ولم أتمكن من اصطحاب عائلتي، وأولادي في حاجة ماسة إليّ، وزوجتي لم يلمسها أحد منذ مغادرتي أرض الوطن، وما أشد حاجة كل منا للآخر!
الكفيل: لا أحسب أنني سأجد أي صعوبة في العثور على وافد يعمل في خدمتي لعشر سنوات كاملات دون أن يحصل على عطلة واحدة أو يقوم بزيارة أهله.
الوافد: لكنني قمت بالتوقيع على عقد عمل يسمح لي بعطلة مرة في كل عامين مع بطاقة سفر، وتأمين، وبعض الامتيازات الأخرى التي نثرتها رياحُ النسيان أو الاهمال أو الرفض.
الكفيل: يمكنك أن تسافر في بدايات العام القادم بعد انتهاء موسم العمل الشاق، ولكن على نفقتك الخاصة، وربما تعود فتجدني قد استعنت بأحدٍ غيرك، أو يتم الغاء اقامتك!
الوافد: لكنني عملت لديك طوال تلك الفترة كحمار يحمل أثقالا ولا يتمرد، أو يتردد في حمل أضعافها، أو يبدى انزعاجه من سوط يلهب ظهره.
لقد كنتُ خادمَك المطيعَ، وصديقَك الذي تأتمنه على أسرار لا تعرفها زوجتك، وأخفيت حقائق كثيرة من أجلك، ورأيت ضعفك وقوتك، ولمست صدقك وكذبك، وعرفت الفواصل بين إيمانك وكفرك، وانتعش عملك، بل يمكنك أن تستريح في عطلة طويلة وأدير أنا كل شيء.
الكفيل: وهل كان لديك خيار آخر في بلدك أو في بلاد الله الواسعة؟
لقد أطعمتك بعد جوع، وآويتك بعد تشرد، وأسقيتك بعد عطش، فلماذا لا تشكرني على تلك النعمة التي تحيط بك من كل جانب؟
الوافد:هل أنا أعمل لديك، أم أنا ضيفك أم سجينك؟
إنك تحتفظ بجواز سفري لئلا أهرب منك، وتجدد لي إقامتي مرة في كل عام،وخصمت منذ شهرين من مرتبي الضئيل قيمة دواء كنت في حاجة مُلِحّة إليه!
إنك لا تختلف كثيرا عن تاجر البندقية لوليم شكسبير ، وقد وصف أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مكاتب استقدام العاملين وصفا بليغا ، فأنتم لا ترحمون ضعيفا أو محتاجا أو مريضا.
إن ظروف عملي لديك تتعارض مع كل المواثيق والأعراف الانسانية، ولو عملت ثلث تلك الفترة في دولة اسكندنافية، مثلا، لكنت الآن حاصلا على جنسيتها، وأذهب كل أربع سنوات للتصويت في الانتخابات، وأحتمي بنقابة العمال في أصغر ظلم يقع علي، وتتم معالجة ابني مجانا حتى يبلغ السابعة من عمره، وأحصل على أجر أي وقت اضافي أعمله ولو كان ساعة أو نصفها أو أقل من نصفها!
الكفيل: أنتم لا تشكرون من يَمُدّ إليكم يَدَ المساعدة، ولست أنا الذي خصم من مرتبك قيمة بطاقة السفر، لكنني أعطيك أجرك كاملا، ولست مسؤولا أنْ مكتب استقدام العاملين يستقطع من مالك أو جسدك أو يرتشف من دمك لترا أو لترين!
الوافد: لكنني أبحث عن حقوقي في عدد ساعات العمل، والعطلة الأسبوعية والسنوية، فضلا عن حقي الطبيعي في الاستشفاء إنْ مرضت دون أن تخصم من مرتبي شيئا مهما صغر.
إنني لا أعرف وطني الأم إلا قليلا، وأنا غريب عنه، وغريب فيه، وعشت معكم، وساهمت في بناء بلدكم، وكنتُ أعمق ولاءً له ولشرعيته الحاكمة من كثير من مواطنين تجري في عروقهم دماء نقية زرقاء.
لماذا تهددني بين الفينة والأخرى ب ( تفنيشي ) على أول طائرة، وكأنني جئت رغم أنفك لأسرقك؟
الكفيل: يبدو أن حقوق الإنسان في الغرب قد لوثت عقلك، والرسائل التي تصلك من أصدقائك في دول أوروبية جعلتك تميل إلى عصياني، وتستعد للتمرد، وترهف السمع لحكايات عن حقوق الفرد داخل مجتمع متحضر، وأنا أرى أنك تضع نهاية خدمتك بالقرب من أرنبة أنفي.
الوافد: إنني أعرف أصدقاءً لي سقطوا من بطون أمهاتهم فوق تراب هذه الأرض الطيبة، ويتحدثون اللغة ويعرفون اللهجة ولا يستطيع خبير في الألسن أن يميزهم عن أهل البلد، ومع ذلك فتتم تجديد الاقامة لهم مرة في كل عام، ويصطفون في طوابير طويلة، ويعاملهم الموظف الصغير في إدارة الجوازات والجنسية كأنهم أغراب، أو باحثون جدد عن عمل.
العدالة هي التي تخلق الولاء، والمساواة تصنع في قلب الوافد حبا جارفا لوطنه الجديد، وسقوط التمييز بينه وبين المواطن هو أقصر الطرق لصناعة المواطن الجديد تماما كما تفعل دول المهجر.
الكفيل: إنك هنا تخلط السياسة بأهوائك، وتضرب لي أمثلة ببلدان قامت على الهجرة وانتهى فيها زمن المواطن الأصلي.
المهاجر الايرلندي لاستراليا، واللبناني للبرازيل، والكوري لنيوزيلندا، والسويدي لكندا، والصيني لأمريكا الشمالية، والتركي للمكسيك ساهم أجدادهم في إبادة السكان الأصليين، ثم قامت حضارات جديدة زيّفت التاريخ، وتوَلّت مسح الذاكرة على مدى مئات الأعوام.
أما هنا فالأمر مختلف تماما، فنحن قد نذوب إذا تجنس الوافدون، وفي بعض المدن الخليجية تعثر في أسواقها وشوارعها بشق الأنفس على مواطن من أهل البلد.
دول المهجر التي حدثتك عنها لا تفتح أرضها وذراعيها لهذه العمالة الرخيصة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن في خليجنا عمالة زائدة لو غابت لما خسر الاقتصاد الوطني شيئا، ولو عادت إلى بلدها خادمةُ منزل أو سائقُ سيارة فإن الدولة الخليجية هي التي تربح من تخفيف العبء على المرافق العامة واستهلاك الكهرباء والماء والطرق والصرف الصحي وعوادم السيارات ومئات غيرها من المرافق التي لا تتحمل الدولة الضغط عليها.
الوافد: وهل كل الوافدين آسيويون أميّون؟ إن هناك خبراء وعلماء ومستشارين وأكاديميين وإعلاميين وأطباء ومدرسين يساهمون في نهضة البلد، ولكنهم يخضعون أيضا لظروف مشابهة من انعدام الحقوق وفي مقدمتها حق الحصول على الجنسية أو الاقامة الدائمة أو منافسة ابن البلد في الحصول على وظيفة هوالأصلح والأنسب لها.
إننا يمكن أن نُثري بلدكم إنْ أحسنتم اختيار مضيفيكم، ولا يعقل أن يتساوى العالِم والأميّ في الرؤية الوطنية للوافدين.
بعضنا جاء ليأخذ، والبعض الآخر جاء ليعطي.
بعضنا يمنح اقتصادكم الوطني دَفعة إلى الأمام، والبعض الآخر يُعيده خطوات إلى الخلف.
ثم إنني لا أفهم كيف يستقيم ظلم الكفيل للوافد مع شعارات دينية برّاقة تمتد بطول كل دول الخليج العربية.
الكفيل: إننا خائفون من الانصهار داخل المضيفين، وترتعد أوصالنا من مجرد فكرة المساواة، فكيف أتساوى أنا بسائقي أو تقف زوجتي وخادمتها نِدّا لنِدّ؟
الوافد: أظن أنك لم تسمع شيئا من أقوالي، وأنك لم تنصت إلاّ لصوت مخاوفك، ولم تتخيل إلاّ مجسمات كوابيسك!
أنا أتحدث هنا عن الحقوق الانسانية البسيطة والعادلة والمطلوبة في كل الشرائع السماوية والأرضية.
عندما أحدثك عن الظلم فهو حديث محبة لرغبتي الشديدة أن أبقى هنا ما بقي في جسدي نَفَسٌ أخير، وأن يدلف جثماني بهدوء وسَكينة في تراب أرضكم الطاهرة يوم يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إن ابني الأصغر يشعر بغربة شديدة عندما نعود في عطلة إلى أرض وطني، ويتعجل العودة إلى هنا.. إلى زملائه وأقرانه وأحبابه، وحتى إلى اللهجة المحكية المحببة إلى نفسه.
لكنه بُحكم القانون غريب وأجنبي يحتاج إلى ختم أوراق والديه في كل عام، كأنها شهادة حسن سير وسلوك.
هل تصدق أنني لا استطيع علاج شقيقته الأكبر منه في معظم مستشفيات الدولة التي احتضنتهم، وتربوا في دفئها، وخشعوا لنشيدها الوطني، وقَبَّلوا بكل الولاء عَلَمَها وهو يرتفع في ساحة المدرسة، وفي مباريات الدوري الأخير؟
الكفيل: إن لك أن تتخيل النتائج لو أن ثلث مليون فلسطيني حصلوا على الجنسية الكويتية قبيل الغزو العراقي الآثم، ومليون هندي لا يعرف واحد في المئة منهم لغة أهل البلد فيمنحهم الإماراتيون الجنسية، وأكثر من مليوني يمني في السعودية تتم مساواتهم بأبناء البلد، ومئة ألف فيلبيني يتمتعون بكل الامتيازات التي حصل عليها القطريون الأصليون لو أن إدارة الجوازات والجنسية في الدوحة منحتهم الجنسية القطرية!
كيف يمكن للأمن أن يعم البلاد، وللسلام أن يهيمن ظله على الوطن لو أفلتت من بين أيدينا امكانية الرقابة على الوافدين، وطرد أي أجنبي يخل بأمن البلاد، وتحقيق التركيبة السكانية السليمة عندما يحين الوقت؟
الوافد: لكنكم مسؤولون عن الخلل في تلك التركيبة السكانية، وعن وجود ملايين من الوافدين الذين يحصلون على أدنى الأجور في مقابل أعمال بسيطة يمكن أن يقوم بها ابن البلد!
قل لي بربك لماذا لا يقوم المواطن الخليجي بغسل سيارته بنفسه؟
لماذا لا تتولى ربة البيت تربية الأبناء بدلا من القائهم في أحضان أم بديلة، آسيوية تُعَجّم ألسنَتَهم، وتمنحهم حناناً مدفوع الأجر، وتنتقم منهم إنْ تعرضتْ لظلم والديهم، وتُعَلّمهم قيما ومباديء تتعارض تماما مع عادات وتقاليد البلد المضيف؟
المستشار العربي أو الإعلامي أو الطبيب أو المهندس الذي جاء ليساهم معكم في نهضة البلد يظل عشرين أو ثلاثين عاما كأنه وَصَلَ مطار العاصمة الدولي منذ بضعة ساعات .
هل سمعت عن جرائم للكفيل يندى لها الجبين؟
هل يزور النومُ مقلتيك عندما تقرأ عن الرجل الذي حشر زوجته وولديه داخل صندوق ، وقام بشحنهم مع بضاعته ومشترياته عائدا إلى أرض وطنه بعدما رفض الكفيل منح زوجته الأستاذة الجامعية جواز سفرها؟
هل سمعت عن إمام المسجد الذي قضى تسع عشرة سنة في دولة خليجية، ولا يعرف أولاده وطنا غيرها، ويتحدثون لهجتها فلا تُفَرّقهم عن زملائهم ( الأصليين !! )، ومع ذلك تَعَرّض للضرب داخل المسجد، ثم جاءه تهديد عدة مرات بأنهم سيفنشونه على أول طائرة هو وأولاده؟
لماذا لا تكون الدولة هي الكفيل، ويصبح من حق العامل الأجنبي أن يلجأ للقانون، وأن لا تهدده أي جهة خاصة أو صاحب سطوة أو مال، وأن يحتمي بعدالة القضاء، وأن يعمل في أي مكان يحتاجه بشروط يرضاها الطرفان؟
نظام الكفيل يسيء لدول الخليج العربية اساءة بالغة، وينبغي أن يصدر أمر أميري أو ملكي باحالته إلى المعاش كبقايا سُخرة لا تليق بشعوبنا العربية الخليجية.
الكفيل: في هذه الحالة ستتحول الدولة إلى فوضى، وسيتحايل الوافد على القانون، وسيبحث عن فرص عمل أفضل بعدما نكون قد أنفقنا عليه مبالغ كبيرة دخلت معظمها في بطن صاحب مكتب الاستقدام .. تاجر البندقية الخليجي، كما تصفه أنت؟
الوافد: ولكن هذا في مصلحة الدولة ورخائها ورفاهيتها وتطورها.
الوافد الحر الذي يتساوى مع ابن البلد هو المواطن الجديد الذي لن يختلف ولاؤه للوطن المضيف عن ابن البلد.
إن تنقية الوافدين قبل وصولهم، واختيار الأصلح والأكثر كفاءة ووضع شروط أهمها اجادة اللغة العربية قراءة وكتابة سيحيل التركيبة السكانية إلى ميزان جديد تماما ، وربما تقفز دول الخليج للامام عدة عقود.
هل فكرت في الضغوط التي تثقل مرافق الدولة وأثرها السلبي من جراء وجود عدة ملايين آسيوي يتحدثون لغة الاشارة، لكنهم يزاحمون بلدكم الصغير في استهلاك مرافق الكهرباء والماء والصرف الصحي والسكن، ويكدسون أسواقكم ببضائع مزجاة ورخيصة وتتعارض مع أبسط أنواع الذوق العام ؟
الكفيل: ومن قال لك بأنني مهموم بمصلحة وطني قبل أن تتحقق مصالحي الخاصة؟
إنني لا أقوم بتعيين وافد لي، أو خادمة في منزلنا الكبير، أو أقرأ في حقوق الانسان قبل أن أتوجه إلى مكتب استقدام العمالة، لكنني أشتري من المكتب بضاعة كان قد استوردها سواء كانت سيارة أو بطيخا أو ملابس أو ألعاب أطفال أو أناسا ينتمون إلى نفس الأب .. آدم عليه السلام.
إنك تعاتبني كأنني أنا الذي صنعت نظام الكفيل!
لو أصبحت الدولة هي الكفيل، وتحول سوق العمل إلى منافسة بين الباحثين فإن الأصلح هو الذي سيبقى بيننا.
أنت تحدثني عن عوالم مثالية من الوافدين المثقفين والمتعلمين وخبراء الكمبيوتر وأساتذة الجامعات وكبار الأطباء الذين تركوا أوطانهم ليبحثوا في بلدي عن فرص عمل لم يعثروا عليها.
إن الكفيل ليس بهذه الصورة السوداء الدراكيولية التي تحاول أن تصفها أنت في نقاشك معي.
إنني، مثلا، أطعم العامل مما لدي، ولدينا في منزلنا ثلاث خادمات لا ينفقن من أجورهن الزهيدة شيئا فكل شيء يحصلن عليه مجانا، وملابس زوجتي التي لا تستخدمها وهي كثيرة تذهب فورا إلى الخادمات في البيت ويرسلنها لأهلهن.
إنني استخرج الزكاة فتذهب لمن يعملون لدي، ولدينا خادمة قضت ثلث عمرها معنا وأصبحت واحدة من أهل البيت.
الوافد: وماذا عن الحقوق الأخرى؟
ألا تحتفظ بجوازات سفر العاملين لديك؟ أليس الحق الذي تملكه في أن تلقي من تغضب عليه في أحشاء أول طائرة عائدة لبلده هو قمة المهانة للوافد؟
ماذا تفعل الشرطة عندكم إذا استقبلت سائقا هنديا أو بنجاليا يرتدي ملابس رثة، ويتحدث اللغة بصعوبة ومشقة، وقد جاء خصمه معه وهو من أهل البلد ويرتدي ملابس بيضاء كأنها جليد تساقط على جسده، وتنتظره سيارة مرسيدس أمام المخفر؟
هل سيقف رجل الأمن محايدا أم أن أذنيه ستنحازان تلقائيا لحكاية ابن البلد وهو يعبر عنها في مقابل عجز الآخر تماما عن شرح وجهة نظره؟
الكفيل: وهل ثرائي أو أناقتي أو كوني من أهل البلد يقلل من شأن رؤيتي للنزاع أو الخصومة.
ثم إن لدينا جهازا قضائيا أكثر عدلا من أجهزة القضاء في بلاد ثورية يتحدث كل أهلها ليلا ونهارا عن اذابة الفوارق بين الطبقات!
هل المصري الذي تسرق السلطات الليبية أمواله وتلقي به في صحراء السلوم أكثر قيمة من المصري الذي يصل إلى أعلى المناصب في خليجنا، حتى أن كثيرين من المستشارين في الديوان الأميري هم من الاخوة المصريين؟
في الكويت حدث تجاوز خطير، بل جريمة في حق مواطنين مصريين في قسم الشرطة، ولكن الصحافة الكويتية هي التي كشفتها، ودافعت عنهما، أما العراق الثوري في زمن طاغيته فقد أرسل جثث 4800 مصري قامت سلطات البعث الصدامية بتصفيتهم دون أن يرف جفن لسيد القصر في قاهرة المعز.
إن الكفيل يقوم أيضا بحماية الوافد الذي قد يكون أميّاً، وخبراته لا تسمح له بأكثر من غسل السيارة أو حمل الطلبات من السوبر ماركت.
الوافد: أنت تهرب من حقائق أضعها أمامك واضحة فتقوم بضرب أمثلة بعيدة عن الواقع المخيف لملايين من الوافدين.
هل حقوق الوافد محفوظة في القلب الكبير والرحيم للكفيل؟
وماذا لو كان الكفيل الذي تصوره لي ملاكا أرسلته العناية الالهية للوافد المسكين هو من القساة، الغلاظ القلب، وتجار لحوم البشر؟
ماذا لو أمرت أنت خادمتك أن تعمل طوال ايام الأسبوع دون أن تتوقف لحظة واحدة لتلتقط أنفاسها؟
لمن يلجأ الوافد إن أحاق به ظلم، أو قمت أنت، مثلا، برفض نقل الكفالة قبل أن يعود إلى بلده، ثم يبحث من جديد عن تأشيرة دخول، فيدخل دائرة الجحيم من جديد؟
الكفيل: إن تجارة البشر تبدأ في بلدكم حيث الرشوة والفساد واستقطاع لحم المسكين من مكاتب منح التأشيرات قبل أن تطأ قدماه أرض بلادنا العزيزة والمليئة خيرا.
إن مكتب الاستقدام الذي يستورده اشتراه من تاجر جشع من أهل بلده، وقبل أن يصل إلى خليجنا يكون قد تعرض للاحتيال والنصب عدة مرات في بلده الأم.
لدينا خمسة ملايين هندي في بلادنا، وفي بعض المدن لا تعثر إلا بشق الأنفس على مواطن من أهل البلد يمشي على قدميه، فكلها وجوه آسيوية تعيش في أمان، وخيرنا لغيرنا، ولن تجد من بينهم من يتسول أو ينام بدون طعام عشاء رغم أننا لا نحتاج في الواقع لأكثر من خمسة بالمئة منهم، والباقي عمالة زائدة.
إن ذهبنا الأسود يقلل من مخاطر المجاعة في العالم العربي، وقوافل الخير الخليجية الخاصة والحكومية تجوب الوطن العربي من بحره إلى نهره.
كل الذين تتحدث عنهم من أطباء ومستشارين وأصحاب مشاريع وأكاديميين ومدرسين وغيرهم يقيمون معنا سنوات طويلة دون أن يفكر إلا قليل منهم في العودة إلى أرض الوطن الأم حتى لو كان يعرف مسبقا أنه سيربح ضعفي أرباحه هنا. أليس هذا دليلا على أن الوافد هو الذي يتمسك بالحياة في بلادنا ويبتعد عن شبه الموت في وطنه؟
الوافد: أنت لا تعرف مشاعر الغربة والخوف وانعدام الأمان. إن الوافد لديكم كعامل ( اليومية ) الذي ينتظر على ناصية طريق فتأتيه سيارة السيد، وتختاره من بين المئات.
إنه على كف عفريت، فهو ليس مقيما اقامة دائمة ولم يتشرف ولو ولدته أمه فوق ترابكم بحمل الجنسية للدولة الخليجية التي يعشقها ، بل لا يعرف غيرها وطنا له. إننا نريد أن نكون شركاء في الوطن، وأنتم تريدوننا ضيوفا يمكن أن يرحلوا فور انتهاء وجبة العشاء.
الكفيل: وأنت تتناسى أن عليكم واجبات تتساوى مع الحقوق التي لديكم، أو التي تطالبون بها.
وليس كل وافد ملاكا يحلق بجناحيه فوق أرضنا. الوافدون أيضا يقومون بعمل تجاوزات، ويرتكبون جرائم، ويتولون تهريب المخدرات، ويتحايلون على القوانين، وأكثرهم ينتظرون حقوقا لهم، ويغضون الطرف عن واجبات كثيرة.
الوافد: ما اشد حاجتنا إلى الحوار، فنحن لسنا أشرارا يتربصون بكم، وأنتم لستم أسيادا تحتجزوننا رغم أنفنا. إننا في سفينة واحدة، ومن يخرقها لن تسأل المياه عن هويته قبل أن تتسرب وتغرقها. ما أشد حاجتنا إلى رسالة تسامح وعدالة ومساواة، وتكاتف لحماية قيم الخير وتوجيهات خالقنا جميعا، فكلنا من نفس الطين .. وننتمي لنفس الأب، وأخطاؤنا لا تقل عن أخطائكم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.