الدكتور / رمضان حسين الشيخ إن الأيام تتكلم وتنادي على السائرين لربهم "يوم جديد وعلى عملك شهيد فماذا قدمت فيه ليوم الوعيد" عام جيد ينادي على أصحاب الستين "ما عاد في العمر بقية فاستعدوا للرحيل"، وينادي على أصحاب الثلاثين "طعن الشباب في مقتل وأقبل المشيب ولا مهرب"، وينادي الشباب "اغتنم شبابك قبل هرمك فلا تدري عله لا يدركك عام جديد". تتزامن الأوقات والليالي والأيام والشهور والأعوام والدهور بأمر الخالق سبحانه، فهو القائل "يقلب الله الليل والنهار"، وقال سبحانه وتعالى "وتلك الأيام نداولها بين الناس". وبطبيعة الإنسان تجده دائماً يتحسر على ذكريات الماضي ومراحل العمر، ويقول ما أجملها وحتى ولو عادت سوف ينفرها إن كان قد تغير العمر عن وقته. فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده. ومن أعظم الحكم في تعاقب السنين وتغيّر الأحوال والأشخاص أن ذلك دليل على كمال عظمة الله تعالى وقيوميته، فهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء كل من عليها فإن، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . إن تعاقب الشهور والأعوام على العبد، قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحد ذاته، فإذا طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجج الله تعالى عليه، أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله). إن هذا العام الذي ولى مدبراً قد ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ، سيرى كل عامل عمله ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة ، وما ربك بظلام للعبيد . عام هجري جديد نحن في مطلعه، نسأل الله أن يكتب لنا فيه الخير والبركة، فقد فارقنا عام رحل كان به ما كان، وحصل ما حصل، فارقنا به أحبة وفارقنا به أناس، هذه هي سنة الحياة وتدبير الخالق. في العام الهجري الجديد والتدبر في رحلة الهجرة من البيت العتيق إلى المدينةالمنورة وفلسفة وداع أحب بقاع الأرض لسيدنا محمد بن عبد الله وهجرته لبناء أسس الدولة الاسلامية ونور الاشعاع الحضاري والتي إنتشر بحكمة الدعوة وبلاغة المنطق وصدق القول والفعل وتمثل الحق في المسيرة الاسلامية نحو الأمم الأخرى واحترامها والتبادل معها العديد من جوانب العطاء الانساني واحترام العقود والمواثيق فيما بينها. في رحاب العام الهجري الجديد ثمة مطلب متجدد بضرورة التزامنا بالأخلاق الاسلامية الجامعة، تلك التي توجه سلوك الأب في أسرته والأم في بيتها والأولاد والبنات في مجتمعهم وكافة أفراد االمجتمع الإسلامي وفي جميع بقاع المعمورة للتصرف بحكمة ورويه وحسن التزام وبعد نظر. ما أحوجنا مع العام الهجري الجديد إلى إحترام وتطبيق العديد من قواعد الأخلاق السامية ومنهها: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة، المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، وليس الشديد بالسرعة، من غش فليس منا، الا بذكر الله تطمئن القلوب، تبسمك في وجه اخيك صدقة، وأمثلة عديدة ومتنوعة تلزمنا التحلي بالخلق الاسلامي الرفيع والعناية أكثر بجوهر التعامل مع النفس والآخرين. يروق لنا مع بداية العام الهجري الجديد تبادل عبارات التهنئة، ولكن يلزمنا الإستفادة من هذه الفرصة لبداية شهر محرم من العام بحرمة الاساءة للاسلام والمسلمين في أرض الله الواسعة وربط الاسلام بأي مدلول غير المعنى الدقيق للاسلام وهو السلام. إن الليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار، تبلي الجديد وتقرب البعيد، أيام تمر وأعوام تتكرر، وأجيال تتعاقب على درب الآخرة، فهذا مقبل وهذا مدبر، وهذا صحيح، وهذا سقيم، والكل إلى الله يسير. فانظر أيها القارئ العزيز في صحائف أيامك التي خلت، ماذا ادخرت فيها لآخرتك، واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان، وماذا رأت العين، وماذا سمعت هذه الأذن، وأين مشت هذه القدم، وماذا بطشت هذه اليد، وأنت مطلوب منك أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها، يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يكون مع نفسه أشد من الشريك مع شريكه". عزيزي القارئ.. هل فكرت يومًا وأنت تحاسب نفسك، كم صعد لك من الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام، وصدقة وقراءة للقرآن، وذكرٍ لله تعالى؟!.. إنها الأيام تمر، وإنه العمر ينقضي؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدَما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عمله فيمَ فعَل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفَقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي. نسأل الله أن يكتب لنا في هذا العام الخير والبركة والعفو والعافية، وأن يفتح علينا به بخير، ويختم لنا به بخير. اللهم أعد علينا الأيام المباركة وأمتنا المسلمة في خير حال، متمسكة بكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، فبغير الحق لن نسود، وبغير البعد عن الباطل أبدا لن نعود. فما أحوجنا ونحن نستقبل عامًا جديدًا أن نعيش بقلوبنا وعقولنا ومشاعرنا وواقعنا مع رسول صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة. كل عام وامتنا العربية والاسلامية أجمع بطيب خاطر وبحياة ذات معنى وعبادة.. كل عام هجري جديد وأنتم بخير. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير الاداري والتنظيمي [email protected]