الحكومة توافق على استحداث آلية تمويل المشروعات بدول حوض النيل    ورشة عمل تدريبية لسيدات سيناء ضمن مبادرة «معًا بالوعي نحميها»    تطوير مطابق الصرف الصحي بشارع العرب في كفر الشيخ    «مطروح للنقاش» يسلط الضوء على مستقبل المفاوضات بين واشنطن وطهران    وكيل كولر يعلق لأول مرة على أزمة الشرط الجزائي    بعد انفصال السقا عن مها الصغير بشكل رسمي.. هل تكون الطلقة الثالثة؟    لافروف: الاتحاد الأوروبي يريد تصعيد الأزمة الأوكرانية لمضاعفة تسليح كييف    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    السيطرة على حريق شب في أحد اللنشات السياحية بالغردقة    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    فلسطين تدين إطلاق الاحتلال الرصاص الحي تجاه وفد دبلوماسي في جنين    بريطانيا تتعهد بتقديم مساعدات جديدة لغزة بأكثر من 5 ملايين دولار    بريطانيا تتعهد بتقديم مساعدات لغزة بقيمة 4 ملايين جنيه إسترليني    مصدر من الزمالك ل في الجول: الاتحاد الدولي وافق على مشاركتنا في مونديال الأندية لليد    في يومه العالمي- إليك أفضل وأسوأ الإضافات للشاي    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    وزير الرياضة يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية    تحقيقات موسعة داخل لجنة الحكام لهذا السبب    أبو قير للأسمدة وموبكو: تلقينا إخطارا رسميا بخفض حصتنا من الغاز لأسبوعين.. وخفضنا الإنتاج 30%    غدا.. انطلاق امتحانات الصف الأول الإعدادي 2025 الترم الثاني في القليوبية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل تهريبها للسوق السوداء بالشرقية    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    بعثة "الداخلية" تتوج خدماتها لحجاج القرعة بزيارة الروضة الشريفة.. فيديو    «بالتوفيق لأم ولادي».. منشور طلاق أحمد السقا ومها الصغير يثير الجدل وتفاعل من المشاهير    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة؟ دار الإفتاء تجيب    بدء حجز 15 ألف وحدة سكنية لمتوسطى الدخل.. لا يقل عمر المتقدم عن 21 عاما ولا يزيد الدخل الشهرى للأسرة عن 25 ألف جنيه أبرز الشروط.. وعدم الحصول على قرض تعاونى والتنازل عن شقة الايجار القديم آليات الحصول على وحدة    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    تقارير: جنابري يقترب من العودة لمنتخب ألمانيا    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    بعد ارتفاع الأسمنت إلى 4 آلاف جنيه للطن.. حماية المنافسة يعلق قرار خفض إنتاج الشركات لماذا؟    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    قبل عيد الأضحى 2025.. هل ارتفعت أسعار الأضاحي؟ رئيس الشعبة يجيب    المشاط: مباحثات حول انعقاد المؤتمر الدولي ال4 لتمويل التنمية بإسبانيا    مصرع محامي إثر حادث تصادم بين موتوسيكلين في الشرقية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    363 شخصا فقط شاهدوه في أسبوع.. إيرادات صادمة ل فيلم استنساخ (بالأرقام)    العثور على جثة حارس عقار داخل وحدة سكنية في قنا    تأثيرات التكنولوجيا الرقمية على الأطفال في مناقشات قصور الثقافة بالغربية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قوات الحماية المدنية بالفيوم تنجح فى إنقاذ "قطتين" محتجزتين بأحد العقارات    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تحصد المركز الأول في المسابقة الثقافية المسيحية    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    وفقا للقانون، متى يستحق الموظفون صرف العلاوة الجديدة؟    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احمد شوقي ,فيلسوف الشعر ,الذي ظفر بزبدة الحكم
نشر في شباب مصر يوم 23 - 11 - 2018

مضت اكثر من ثمانية عقود ,على رحيل احمد شوقي بك, امير الشعراء وشاعر الامراء, ولسان مصر الناطق: كما سماه طه حسين
وجدت الرجل بحرا بلا ساحل, فهو شاعر السياسة والاقتصاد والاجتماع والانتروبولوجيا والطب, اضافة الى كونه شاعر كلمة, لايعتبر المدح تملقا ولا دبحا, كما يحلو لابن الخطاب القول , بل يعتبره تضرعا ودعاء
الذين يتعمقون في شوقي الشاعر لن يجدو ضالتهم في شاعر القصر الخديوي العلوي, المنتسب لال البيت بالدعاء المدحي, بل سيجدونها في شوقي صاحب الكلمة المعتبرة, كزبدة للحياة, بتعبير اخر, شوقي وصل لامارة الشعر, وتبوا مقعد شاعر القصر الخديوي كمنصب رسمي سامق, لكن ذلك لايعني ان شوقي الشاعر انصرف عن كنه الدنيا, التي بلغ به الامر الى وصفها بما يلي
سماؤك يادنيا خداع سراب ****وارضك عمران وشيك خراب
وما انت الا جيفة طال حولها ****قيام ضباع او قعود ذئاب
ويقول في موضع اخر ما يلي
فمن يغتر بالدنيا فاني **********لبست بها فابليت الثياب
جنيت بروضها وردا وشوكا **********وذقت بكاسها شهدا وصابا
ويضيف في قصيدة نهج البردة
يانفس دنياك تخفي كل مبكية *****وان بدا لك منها حسن مبتسم
ويضيف في قصيدة الى عرفات الله ما يلي
ومن تضحك الدنيا اليه فيغتر **********يمت كقتيل الغيد بالبسمات
فتجربة شوقي احمد بك هي محنة الشرق برمته ,محنة شمس شيعت ومال الناس لضحاها
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ***وانحنى الشرق عليها فبكاها
شوقي يتحدث عن محن جهنمية كان الناس يواجهونها وردا , فاصبحوا الان ياتونها فرادى
مشينا امس نلقاها جميعا ***ونحن اليوم نلقاها فرادى
اريد من خلال استحضار الجانب الحكمي في تاريخ شوقي شاعر البشرية الشامخ,الاشارة الى ان الزبدة الحكمية التي انتهى اليها حول الدنيا, لم تات عبثا بل هي ثمرة حياة شامخة, نثر فيها الذهب الخديوي للطفل شوقي عساه ينظر ارضا, فكذبت حياته ذلك فتامل افقا, وانتهاء بماساة المنفى باسبانيا, مرورا بالتمدرس بالجامعات الافرنجية والوقوف على تاريخ مصر الفرعونية الضارب الاطناب الى ما قبل 33 قرنا وفقه
شوقي اراد عبرة حياتية تكون كلمته فيها زبدة لكل المعتبرين من دنيا الناس, التي يعتبرها البارودي دولاب, ويعتبرها ابو البقاء الرندي في مرثية الاندلس ,حين تساءل هل اتاك حديث اندلس ؟فاختصر الكلام باعتبار الدنيا كما شهدتها –بكسرالهاء- دول او كما جاء في الذكر الحكيم ,الايام دول ,تخلص بك لخلاصة ابي البقاء مرة اخرى
ان كنت في سنة***فالدهر يقظان
شوقي الشاعر وجد نفسه بين عدة كينونات: كينونة ارض الكنانة غير المفصولة عن عمقها الافريقي السوداني, حيث وحدة النيل, فهو شاعر الوحديين الجغرافيين,السباقين لثنائية هوية زواج العروبة والاسلام ,وفي نفس الوقت يمجد حضارة النوبيين من اهالي النيل, الممتد لعروق قرابة عشر دول
ولن نرتضي ان تقد القناة *****ويبتر من مصر سودانها
فمصر الرياض وسودانها*****عيون الرياض وخلجانها
وماهو ماء ولكنه *****وريد الحياة وشريانها
اما على مستوى واقع الادب: فصداقة شوقي امير الشعراء لامير البيان شكيب ارسلان, والتي دامت اربعين سنة, جعلتهما يتبوئان عرش الادب العربي الاسلامي بلا منازع, لكن الذي فرقهما بطبيعة الحال هو الانتماء الايديولوجي والتصور السياسي, ففي الوقت الذي ظهر فيه شوقي بك كشاعر التامل, الذي كسر قيود الانضباط الشعري لقوافي الاوزان, ومن ورائهما الانضباط الفقهي الطقوسي: اللذين يتحكمان في اهل الفقه والبيان, وعلى راسهم ارسلان,مع ان شوقي يشطر الابيات ويزنها كما تشطر النساء الزيتون ,وكما يزن الصائغون معادنهم النفيسة
شوقي مهد لظهور شعراء كبار في الشعر النثري من طينة محمود درويش وسميح القاسم وبقية شعراء الرابطة القلمية ,وهانحن الان نعيش زمنية وزن الكلافيي حيث اصبحت التقنية هي التي ترفض الاضافات ,ففي الشعر الالكتروني عليك ان تساوم الكلافيي حتى لايرسل الكلمات للاسطر الموالية ,فمن الشيخ الفراهيدي خليل لكلافيي الكتابة الالكترونية ,ظل الشعر شامخا ,في منظومه ومنثوره
شوقي اهتم بالصورة الشعرية وبالتامل الغير الطقوسي, فهو بذلك سابق لزمانه ولاجياله, بل يمكن عده حداثيا من الطراز الرفيع, وبيته الشعري وتصوره لوطنيته تجاه ارض الكنانة, والاغراق في التاملية كفيلة بان تدلنا على شوقي المتعبد الرفيع: الذي يرى الله في كل شيئ, ليس في السماوات والارض فقط, بل في ماء النيل, وارض الكنانة ايضا, وهاكم ابياته بهذا الصدد
يبنون لله الكنانة بالقنا *****والله من حول البناء موفق
ويضيف في قصيدة* سلو قلبي* بانه لايقف بباب غير باب الله, ولايركن لحكم غير حكم الله, فهو متحرر من طقوسيات الاوزان والفقهيات النقلية
فلم ار غير حكم الله حكما *****ولم ار دون باب الله بابا
اما عن حديثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم, فهو يفتخر بالانتساب لال البيت بمدحه, واضافته لموقع النبي كلبنة خاتمة في مؤسسة الانبياء ودرجات الايمان: هو اعتباره اياه* امير الانبياء* مشيرا الى ذلك بقوله
لزمت امير الانبياء ومن ****يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
وتماشيا مع نظرة شوقي للمدح كدعاء, كما جسدت ذلك قصيدة* ولد الهدى* حيث يقول
ماجئت بابك مادحا بل داعيا *****ومن المديح تضرع ودعاء
ويكفي شوقي فخرا ان قصيدة ابا الزهراء التي نظمها بنهج البردة ,اراد بذلك تنمية الخيط الشعري التسلسلي من بصيري البردة لنهج البردة مع شوقي, وقس على ذلك محبي المديح من انبياء وختما بالعظماء
ومن شجاعة شوقي التي عز نظيرها, ربطه التصوف الايماني الوحداني بالتصوف السياسي اليوناني السقراطي: فيصل الى تماهي الرسالة النبوية مع الرسالة الفلسفية ,في اشارة لوحدة المبحث الانطولوجي عند التصورات الايمانية, والى ذلك يشير بيته
بنيت على التوحيد وهو حقيقة *****نادى بها سقراط والقدماء
والهدف من تجاوز القدر: بالمدح, هو نيل رتبة الانتساب للنبي, ان لم يكن بالدم, فالبعمل المدحي, والى ذلك يشير بقوله
ابا الزهراء قد جاوزت قدري *****بمدحك بيد اني لي انتسابا
ولعل الماخذ الذي يسجل على مخاطبة النبي* بابي الزهراء* ان فيه جاهلية كجاهلية افاطم, والحال ان النبي هو ابو ابراهيم: الذي قال في حقه بان امته على فقده لمحزونة, لان ابراهيم فلذة كبد النبي, يمثل رغبته في الانتماء الانساني خارج النسب المنافي والال المطلبي, خاصة وانه يشكل نتاج تصاهر حجازي قبطي مع السيدة مارية عليها السلام امر الله قدر مقدورحزن النبي على فق ذكران ابنائه ,من ابراهيم والطيب والقاسم ...عليهم السلام
شوقي يستشعر دائما رابط المواطنة ,الذي يجعل لكل معتقد حقه الوجودي ,في اطار التعايش المشترك بين مواطني الموطن الواحد ,والى ذلك يشير تجسيدا لوحدة مواطني بلده مصر, مسلمين واقباطا
انما نحن مسلمين وقبطا *****امة وحدت على الاجيال
احمد شوقي لايمر دون الاشارة الى فحوى الرسالة المحمدية حيث خلصها في الشورى والرحمة
والدين يسر, والخلافة بيعة *****والامر شورى, والحقوق قضاء
واذا رحمت فانت ام او اب *****هذان في الدنيا هما الرحماء
من الاغراض المنتمية لمجال سوسيولوجيا السياسة, التي اشتغل بها شوقي, هي قضية تشييئ كل شيئ, بما في ذلك الزواج الذي هو ميثاق عاطفي قوامه المحبة التي تعلو على ماديات دنيا الناس, لكن احمد شوقي اكتشف بمرارة تشييئ الزواج, واستغلال الشيوخ المترفين للصبايا باسم التعاقد الشرعي, وغير ذلك, وقد سبق ان وضع جبران خليل جبران تحت مشرحة النقد الزواج بلا حب, وشوقي بدوره استنكر ظاهرة تشييئ الزواج,بل هناك تشريعات عربية مثل التشريع المغربي تزجر على الزواج القسري او التطبيل له بغرامات قاسية تصل الى 3000اورو ,والهدف من ذلك هو ايقاف النخاسة المعاصرة التي حولت كل المدن والقرى الى وكالات زواج وهمي ,ولو وظفت تلك الجهود في التعاطي مع المعضلة الديموغرافية ,لاعطت نتائج اكثر فائدة وايجابية , فيقول في هذا الشان
المال حلل كل غير محلل *****حتى زواج الشيب بالابكار
مازوجت تلك الفتاة وانما *****بيع الصبا والحسن بالدينار
بعض الزواج مذمم ما بالزنا *****والرق ان قيسا به من عار
فتشت لم ار في الزواج كفاءة*****ككفاءة الازواج في الاعمار
ومن الناحية السياسية يعول شوقي في التغيير المجتمعي ,على رجال التعليم ونسائه, فيقول عن اهميتهم
قم للمعلم وفه التبجيلا*****كاد المعلم ان يكون رسولا
اعلمت اشرف اواجل من الذي *****يبني وينشئ انفسا وعقولا
لكن الشاعر ابراهيم طوقان, يدهب مدهبا مخالفا لذلك, معتبرا نداء شوقي صادر عن عدم امتهان التعليم , ومصاحبة الصغار, فرد عليه ببيته=
لوجرب التعليم شوقي ساعة *****لقضى الحياة شقاوة وخمولا
ورغم ما اسلفنا الحديث عنه حول شوقي شاعر التجربة الحياتية المريرة, فان ذلك لايعني عدم اساتذيته في الشعر الوجداني العاطفي, بل ان اميريته فيه تضاهي كل اميرية اخرى, فهو صاحب قصيدة ,اتعجل العمر, التي قال فيها
اتعجل العمر ابتغاء لقائها *****فاذا تلاقينا بكيت حياتي
تمضي بي الايام وهي رتيبة *****لاهم لي الا اللقاء الاتي
ازن الحديث اقوله عند اللقا*****فيضيع عند تقابل النظرات
ولكي يصد كل من يلج عالم الحب, والوجد, والشوق, فينصحه بقوله له
واخاف ان تلقى الذي لاقيته *****في الحب ومن وجد ومن حرقات
اما في قصيدة *سلو قلبي* فيخلص الى ان الجمال لايترك للمرء استبيان الصواب من الخطا, والى ذلك يشير بقوله
ويسال في الحوادث ذو صواب *****فهل ترك الجمال له صوابا
وكنت اذا سالت القلب يوما *****تولى الدمع عن قلبي الجواب
ففي قصيدة* سلو كؤوس الطلا* يخرج شوقي عن رتابة النظرة والابتسامة التي جسدتها قصيدته المشطورة , خدعوها بقولهم حسناء المنسوبة للهلالي
خدعوها بقولهم حسناء ***وامتداح الكواعب استهواء
دنت للوصال بعد نفور ***والغواني يغرهن الثناء
لاشفاني اليوم ان لم ***يك بيني وبينها اشياء
نظرة فابتسامة فسلام ***لفؤاد العليل هو الشفاء
ثم رد فبث شكوى بعاد***فكلام فموعد فلقاء
وعلينا من العفاف رقيب ***لم تدنس وصالنا فحشاء
الى ان يصل في نهاية نصيحة الغانية ,بان الشعراء هم الناس وعليهم بتقوى الله في قلوب العذارى او الغواني لان قلوبهن هواء ,وهي شهادة تدخل في خضم وشهد شاهد من اهلها ,أي بتعبير السوسيولوجيين هي البوح الزوليخي ,نسبة لبوح زوليخا زوجة بونيفار عزيز مصر, ابان عشق يوسف الصديق, قبل ان تختم حياتهما بالزواج الفعلي بعد وفاة عزيز مصر ,شان ما جرى ما عليه الواقع السياسي بين البداوة والحاضرة ,العاكسة في الغالب للتفاهم العبري الفرعوني , على لزومية حضور البداوة كاساس متفق عليه في تدبير شؤون القصر المركزي في تلك العهود بامبراطورية مصر,قبل ان تدخل مسرحية اوديب ملكا ,لعبة الحكم الى ضوابط المد والجزر ,الى ذلك يشير على لسان تلك الغادة بقوله =
اتقوا الله في خداع العذارى ***فلكم في اصطيادهن دهاء
لاتصيدوا الابكار بالشعر ختلا ***فالعذارى قلوبهن هواء
شوقي ينحشر في الحديث: او همس العشاق , فيقول
حديثها السحر الا انه نغم *****جرت على فم داوود فغناها
ياجارة الايك ايام الهوى ذهبت *****كالحلم اها لايام الهوى اها
اما قصيدة ياجارة الوادي فهي تختلف عن جارة الايك ,لانه خلالها يبوح عشقا وشعرا بانه عاش تجربة رمبوية كالتي عاشها رامبو ,ابان زواجه بالحبشية السمراء ,فيقول في قصيدة ياجارة الوادي
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت ***قلبي باحلى قبلة شفتاك
وبلغت بعض ماربي اذ حدتث***عيني في لغة الهوى عيناك
لاامس من عمر الزمان ولاغد ***بنواك اه من النوى رحماك
سمراء ياسئلي وفرحة خاطري ***جمع الزمان فكان يوم لقاك
اما الاسكندرية عاصمة العلم والمعرفة ,منذ ان تبحرت البشرية في الكتابة ,فينعتها بغرة الوادي ,ويخاطب بها خزانة الوادي
ياغرة الوادي وسدة بابه ***ردي مكانك في البرية يردد
اخزانة الوادي ,عليك تحية ***ربضت كجنح الغيهب المتلبد
واسكندرية على غرار قرطبة والبندقية وجدة وغيرها من المدن التاريخية ,شغلت كل روائيي وشعراء مصر ,ويكفي ان دنقل اختصر الاسكندرية, في انها تعشق البحر والبحر يعشق اسكندرية ,اما نجيب محفوظ في رواياته فان وصف الامطار بالاسكندرية وجوها الممطر لايقل شان عن قصيدة مطر مطر مطر لابن جيكور ,بدر شاكر السياب العراقي
شوقي حرص ايضا على صيانة تاريخ مصر كله ,معتبرا اياه مثل صون العرض, فيقول بهذا الشان
وانا المحتفى بتاريخ مصر*****من يصن مجد قومه صان عرضا
ويسرد تاريخ المؤسسة النبوية بمصر, في اشارة الى انها ارض الايمان التي تستقبل المضطهدين من الرسل والانبياء والمتصوفة , فيقول بهذا الشان
اين الفراعنة الالى استدرى بهم *****عيسى ويوسف والكليم الصعق
الموردون الناس منهل حكمة *****افضى اليها الانبياء ليستقوا
هذا اذن نزر يسير من تاريخ هرم كبير من اهرامات مصر الانسانية: الجديرة بابقاء الذكرى عنه حية والى الابد, ولعل احسن ما يرثى به, هو ما ارثاه به بشارة الخوري حين قوله عنه
الاهة الشعر, قامت عن ميامنه *****وربة النثر, قامت عن مياسره
فلو صح اذعان اهل الكلمة للمدهبية التاملية غير الطقوسية, لاعتبر احمد شوقي بك: امير الشعر والبيان في دنيا الناس, لكن واقع الناس شيئ اخر, فكما ان العملة الرديئة تطرد الجيدة عند اهل الاقتصاد فيما يسمى بقانون جريشام, والاخلاق السفيلة تطرد الرفيعة عند اهل السياسة, كذلك الطقوسية تطرد التاملية عند اهل الادب والفقه
احمد شوقي كله تامل ومقت للجهل ,فاذا تحدثنا عن مدرسة فرانكفورت ومقتها الكليانية ,فيمكن الجزم من خلال قصيدة يارب ما حكمك؟ماذاترى ؟سنجد ان شوقي بك اب روحي لتلك المدرسة التي وقفت في وجه الكذب الرسمي, ومسوقي الدجل, فردد قائلا=
جناية الجهل على اهله ***قديمة ,والجهل بئس الدليل
شوقي يعتبر القضاء والقدر معضلة لم يحلها احد ,يجعل البنون فتنة ان صلحوا, ومحنة ان فسدوا
البنون هم دمنا ***والحياة والورد
فتنة اذا صلحوا ***محنة اذا فسدوا
شاغل اذا مرضوا ***فاجع اذا فقدوا
القضاء معضلة * **لم يحلها احد
احمد شوقي ينظر للاندلس كروح ما ان تتحرك الاعين حتى توقظ السلاطين ,يعني التاريخ العربي الطويل بالاندلس ,فيقول في اندلسية
حيا نائح الطلح اشياء عوادينا***نشجى لواديك ام ناسى لوادينا ؟
كادت عيون قوافينا تحركه***وكدنا يوقظن في الترب السلاطينا
اعظم حكمة عند شوقي, هي تصديه المفحم للغلا ء,فارسى سنة حياة في بيت اخاذ
وان غلا علي شيئ تركته***فيكون ارخص مايكون اذا غلا
ومن اعجب ماجاء بالتراث الشوقاني او المتشوق ,ان الندي يفتح اكمام منشدي شوقي وشادنيه ,فيقول =
هام الفؤاد بشادن***الف الدلال على المدى
ابكي فيضحك ثغره***والكم يفتحه الندى
ويضيف في موضع اخر على ان التراث الشرقي متناغم مع بعضه منذ مئات السنين, فيقول في هذا السياق الشوقاني المتشوق ,لانه مدرسة قائمة الذات ومتكاملة لاتحتاج الى مرجع يقيمها,فلنمتعن معه قصيدة سطوب, حيث يطالب بعدم التمادي في اخراج سيف الاخداد من غمدها ,فالهدنة الطف ,وكانه يتحدث لغة اهل مكناس بالمغرب والملحون ,الذي يشير الى ما يلي **الخدود يعصروا عصيرهم **الى ان صار العصير ,جليلا على تغلغل قصيدة الكاس للملاحنية المغاربة =
قف باللواحظ عند حدك***يكفيك فتنة نار خدك
واجعل لغمدك هدنة ***ان الحوادث ملء غمدك
مواضيع خاضها شوقي واهمها على غرار ثرثرة على النيل لنجيب محفوظ ,فهو الاخر يمعن في الرومانسية التي تتركها مناظر النيل التي قلنا سابقا انها عروق حياة ,لكنه في هذه يتحرى عن اخبار محبي النيل, التي تفضي بها اليه نسمات اسحاره فيقول =
بالله يانسمات النيل في السحر*** هل عندكن عن الاحباب من خبر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.