الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: أحزنني وتألمت جدا من فكرة إنشاء قانون لتأسيس الأحزاب رسميا في دولة الكويت –حرسها الله-. فأردت أن أتكلم بإختصار شديد عن حكم هذه الأحزاب في شرع الله سبحانه وتعالى, ثم سأتطرق إلى عاقبة ونتيجة إنشاء هذه الأحزاب إذا تم بالفعل. لا يخفى عل كل مسلم يقرأ القرآن ويتدبره, الآيات الكثيرة الواردة في ذم الإختلاف والإفتراق, ووجوب الإتفاق على الحق والإجتماع عليه. وهذه الفطرة السليمة, ولو أتيت لشخص أمي وسألته عن رأيه عن التحزبات لأنكرها بدون تردد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجماعة رحمة, والفرقة عذاب) رواه أحمد وصححه الألباني. وكما أن السنة مقرونة بالجماعة, فالبدعة مقرونة بالفرقة. ولهذا قال الشاطبي: (الفرقة من أحسن أوصاف أهل البدع). وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يسأل عنهم : رجل فارق الجماعة و عصى إمامه فمات عاصيا, فلا يسأل عنه) رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد, وصححه الألباني. وقال: (لا يحل دم امرئ إلا بإحدى الثلاث: التارك لدينه, المفارق للجماعة) متفق عليه. وقال ابن عباس –رضي الله عنه-: (أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات). ونحو هذا قاله مجاهد وغير واحد, ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره. فأين من يدعو إلى التحزب من هذه النصوص الواضحة؟ أفلا يتقون الله بمساهمة في تشريع ما أنزل الله به من سلطان؟ قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ). قال البغوي في تفسيره: (هم أهل الأهواء). وقال تعالى: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله), وقال: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه). وللشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- مؤلف قيم اسمه (مسائل الجاهلية). وذكر ثاني مسألة من مسائل الجاهلية: (أنهم -أي: الجاهليون- متفرقون في دينهم كما قال تعالى: (كل حزب بما لديهم فرحون)). قال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله- في شرح كلامه: (هذه حالة أهل الجاهلية من كتابيين وأميين، لا يجمعهم دين، وعندهم حزبيات). قلت: وهناك اليوم من يدعو إلى التشبه بهم والعياذ بالله. فقد نهانا الله أن نكون من المشركين, فقال: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا). وقوله: (من الذين فرقوا دينهم), بدل من قوله: (من المشركين). وكما قيل, المسلم يكتفي بدليل واحد من الكتاب أو السنة ويعمل به, وأما من يريد التهرب والمراوغة فلا يكتفي بكثرة الأدلة, وإن ذكر له أكثر من مائة دليل من الكتاب والسنة! وكفاية أن المسلمين حاربوا التفرق قديما وحديثا. أما قديما, فقد حاربت الصحابة أهل الفرقة والإختلاف, كما حاربوا الخوارج ببيان عقائدهم الفاسدة والتحذير منها, وقتالهم بالسيف, وأيضا عندما نشأت فرقة القدرية, تبرأ عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- من هذه الفرقة كما في صحيح مسلم. وكذلك محاربتهم للفرق التي أنشأت بعد ذلك كالمعتزلة, وغيرها من الفرق والأحزاب التي لا تزال إلى يومنا هذا, وكل يوم ينشأ عندنا حزب جديد! ولا يزال علماء الكبار يحذرون من الفرقة والتحزبات ولا يخشون في الله لومة لائم. وهؤلاء الذين يسعون في إنشاء أحزاب جديدة, نقول لهم: لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها! وقال الإمام مالك –رحمه الله-: (ما لم يكن يومئذ دينا, فلا يكون اليوم دينا). ومعلوم أن التحزب لم يكن دينا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة –رضي الله عنهم-, ومن يرى بإنشاء هذه الأحزاب, كأن لسان حاله يقول أنه استدرك على الأوائل وفهم شيئا هم لم يفهموه! وهذا طعن شنيع, وذلك بإقراره أن التحزب جائز, مع الرغم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أنهم يحاربون التفرق والتحزب! ولم ينشأ النبي صلى الله عليه وسلم الأحزاب للنصارى أو غيرهم, بل أمره الله بخلاف ذلك, فقال: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون), ولم يأمرنا الله تعالى أن نعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه, سواء كان المخالف مسلم عنده أخطاء, أو كافر يخالف العقيدة بالكلية, بل أمرنا أن نقول: (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). واذا أقروا هذا القانون في الكويت –وأسأل الله أن يمنع ذلك-, فالنتائج لا تبشر بخير على الإطلاق. لأن إقرار هذا القانون يعني أي حزب في المستقبل أصدروا كلاما أو بيانات تخالف العقيدة الإسلامية, مثل: سب لله, وسب للصحابة, وغيرها من الأمور العظيمة المنكرة, لا نستطيع أن نحاكمهم أو نرفع عليهم شكوى أو نقاضيهم. وفي المقابل القانون يتكلف بهم ويدافع عنهم. وبعض الذين ينتسبون إلى العلم الشرعي –مع الأسف- مؤيدون لهذا القانون! ولكم في العراق والصومال وغيرها من البلدان عبرة, فهل من معتبر؟ ستنقسم الكويت إلى أحزاب إذا أقروا هذا القانون, كل حزبي يعادي ويوالي على حزبه, ولا يبالي بمصلحة المسلمين والوطن, ولا يوالون ويعادون على الدين. وإن لم يتداركوا أنفسهم ولم يمنعوا هذا القانون في هذه البلدة المباركة, قد يصل الحال إلى حرب أهلية بدون مبالغة ولا غلو في تصور الحال! أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كل شر وسوء, وأن يوفقها ويوفق أميرها لكل خير. هذا ما كان عندي بإختصار شديد, والحمدلله رب العالمين. عبدالله خالد شمس الدين [email protected] Twitter@AShamsladen