ظلَّ تشكيل اللواء المدرع الشكل التنظيمي الثابت والدائم للقوات المدرعة الإسرائيلية، في فترات السِّلم نظراً لتلاؤمه مع حجم الجيش العامل وتدريب القوات الاحتياطية وتنظيمها الذي يستدعي على أساسه جنود الاحتياط مع اعتماد تنظيم مجموعات الألوية، ذات تشكل المتباين الحجم وفقاً لطبيعة المهام القتالية المُختلفة المسندة إليه في كل جبهة و كل مرحلة معينة من القتال إذا تطلب الأمر ذلك، كأسلوب تنظيمي رئيس للقوات المدرعة عند نشوب حالة الحرب وإتمام التعبئة العامة، وقد شكلت قيادة خاصة بالقوات المدرعة في سيناء، كانت بمثابة قيادة فرقة مدرعة ثابتة تخضع لها كافة التشكيلات المدرعة العاملة الموجودة في قطاعات سيناء الثلاثة، والتي كانت تضم عادة 3 ألوية مدرعة أو ما يوازي ذلك من التشكيلات المدرعة حوالي 300 دبابة عاملة، فضلاً عن الإشراف على عمليات تدريب الألوية المدرعة الاحتياطية التي كانت تجري في سيناء، والإشراف على صيانة وحراسة الدبابات والألوية الاحتياطية المذكورة التي كان معظمها مخزناً في مستودعات خاصة في سيناء كذلك، أغلبها في منطقة ممر متلا، وذلك لتجنب مشكلات نقل كل دبابات الاحتياط في حال نشوب حرب والاكتفاء بنقل الطواقم والجنود فقط. وقد كان قائد القوات المدرعة الصهيونية في منطقة سيناء عادة برتبة لواء، ويليه في المرتبة القيادية قائد المنطقة الجنوبية في الأهمية، وقد شغل هذا المنصب عدد من أهم القادة في سلاح المدرعات الإسرائيلي خلال السنوات 6 الفاصلة بين حربي 1967-1973م، كان من بينهم اللواء دان لانز واللواء مندلر الذي عيِّن في هذه القيادة عشية نشوب حرب سنة 1973م ثم قتل في الأيام الأولى لنشوبها، وقد اعتمدت هذه القوات المدرعة على عدَّة نظريات قتالية محددة كانت السبب في انتصارها السَّاحق الذي سجلته في سيناء المصرية في حرب سنة 1967م، حيث أن الشيء المميز لدَّبابات الصهيونية في تلك الفترة كان ارتفاع مستوى تدريب أطقمها وتشكيلاتهم المقاتلة، واعتماد قيادة المدرعات الإسرائيلية على الخبرات التكتيكية في قيامهم بالعمليات الهجومية، وأيضاً اعتمادهم على خبرات أطقمها في إدارتهم لعمليات تعتمد على استخدام الدبابات المدرعة على نطاق واسع، وما تتضمنه من حلٍّ لمشكلات الصيانة والقيادة والتموين وسرعة الحشد والحركة، وذلك نتيجة الدروس العملية التي استقتها من حربي سنة 1956و 1967م فضلاً عما زرعته هذه الخبرات والنجاحات السَّابقة في نفوس جنود المدرعات سواءٌ في تلاحمهم، أو كفاءة قياداتهم. إلا أن هذه الثقة المبالغ فيها وما صاحبها من شعور بالاستهانة بصورة الخصم وقدراته القتالية، ترتب عليها جمود شبه مطلق في تطوير أساليب القتال، فلقد انحصرت خيرات استخدام المدرعات الصهيونية في استخدام الدبابات ضمن إطار تكتيك ثنائي" طائرة-دبابة" والذي يهدف إلى إحداث خرق مدرَّع خاطف في نقطة ضعيفة نسبياً، في النمط الدفاعي مستخدمة أساليب تكتيكات الاقتحام بالنيران بالحركة، بدون دعم مدفع كبير تحت حماية ودعم الطائرات التي تقصف مواقع المدفعية والمشاة العادية، وتقدّم للمهاجمين الدعم القريب، ثم يعقب عملية الاختراق خرق اندفاع في العمق العملياتي مثلما يؤكد على ذلك صاحب كتاب القوات المدرعة الإسرائيلية عبر أربع حروب الأستاذ محمود عزمي، يستهدف تطويق مواقع القوات المدافعة، وقطع خطوط مواصلاتها، وتدمير مراكزها الإدارية والقيادية ومن ثم تحطيم معنوياتها وإشاعة الاضطراب في قياداتها ودفعها إلى الفرار أو إلى الاستسلام، وهو تكتيك الحرب الخاطفة الذي شهد أنجح تطبيق له خلال حرب 1967م، وكانت القيادة الصهيونية تطبق هذا التكتيك خلال حرب 1956م والمراحل الأولى من حرب 1967م بشيء من الحذر يتمثل في حرصها على توفير متلازمة المشاة الميكانيكية وأحياناً المشاة المترجلة، للدبابات في هجماتها، ومحالة توفير أكبر قدر من دعم المدفعية وذلك كما توضح معارك أبو عجيلة، ورفح على الجبهة المصرية في عام 1956م، والمراحل الأولى من حرب 1967م والواقع أن دفع الدبابات بمفردها لتقوم بكل مهام الجيش الميكانيكي المتكامل، (أي أنها تقوم بمهام المشاة الميكانيكية والمدفعية ذاتية الحركة، إلى جانب مهامها الأصلية) هو استخدام للدبابات في دور الفرسان الخفيفة، أو ما يعرف (بالموسارد) التي كانت تطارد عدواً مهزوماً في الحروب القديمة، وهو دور لا تنجح فيه إلا ضمن ظروف عملياتية وإستراتيجية ملائمة للغاية. أبرز ما يحقق السِّيادة الجوية المطلقة، وانهيار مقاومة الخصم وعدم رغبته أو قدرته على المقاومة المنظمة وهذا الاستخدام للدبابات يعتمد في الحقيقة على النظرية الأصلية المستخدمة في تكتيكات حرب الحركة السريعة الخاطفة، والتي تعتمد في الأساس على تعاون وثيق بين الدبابات والمدفعية والمشاة الميكانيكية والطيران، كما صاغها فكراً وتطبيقاً غودريان استناداً إلى أراء ليدل هارت. وقد أدت نشوة النصر الخاطف في سنة 1967م بالقيادة الصهيونية إلي تعميم تكتيك استخدام الدبابات كفرسان خفيفة، واعتبرت هذا التكتيك أساس أسلوبها في الحرب السَّريعة الخاطفة الذي تنتهجه ويلائمها استراتيجياً، متناسية الخصوصية الشديدة التي جرت في معارك سنة 1967م على الجبهات الثلاث، والخطأ الكامن في اعتبار هذه المعارك مصدراً موضوعياً لاستنباط قوانين ثابتة للحرب الميكانيكية. وقد كتب باحث عسكري بريطاني في شؤون الدَّبابات، وذلك في كتاب له أصدره عام 1970م، عن تطور الدبابة كسلاح معتمداً الاتجاه الذي يعتبر استخدام الدبابات الإسرائيلية خلال حرب 1967م دليلاً على صحة هذا الأسلوب فقال: إن أسلوب استخدام الدبابات كفرسان، وجد له منطلقاً واحداً نحو المجد مؤخراً، وذلك عندما قامت القوات الصهيونية المدرعة وتحت قيادة الجنرال إسرائيل تال عام 1967م، بزحف على طريقة غودريان داخل صحراء سيناء المصرية، ممزقة ومحطمة قوات كبيرة من الدبابات المصرية، إنَّ هذه الحملة التي يبدو للمراقب أحياناً وكأنها تستعمل آلة الزمن لربع قرن مضى، قد تم كسبها بواسطة أناس منظَّمين جيداً و مهرة تقنياً، في مواجهة جيش مسلح جداً، ولكنه يقاد بطريقة سيئة وليس لديه البنية التحتية الثقافية و الاجتماعية اللازمة لخوض حرب تعتمد على الآلة، كان لا بد لعقيدة القتال المدرع الصهيوني هذه أن تخوض تجربة حرب يوم الغفران، ليتسنَّ للقيادة العسكرية الصهيونية رؤية أخطائها الناتجة عن التعميم المطلق لخبرات قتالية ذات طبيعة شديدة الخصوصية، إذ استمر القادة الصهاينة في نظرتهم التقليدية لدور المدرعات المستمدة من خبرتهم في عام 1967م، ففي سنة 1971م قال اللواء: أبراهام أدان قائد لواء المدرعات في يوم الاحتفال بيوم المدرعات، أننا في مرحلة تعاظم وسنواصلها في فترات الهدوء والقتال..... والصورة التي أعطيت للدروع في الميدان تمنحناَ الثقة العالية بقدراتنا، ليس فقط على الصمود في حرب الدفاع أو لتحطيم عملية العبور، بل كذلك لاستخدام الطرق التقليدية التي تتطلع إلى الوصول بالقوة المدرعة إلى العمل السَّريع بعمق فوق أرض العدو. ولم يؤدي تطور الصواريخ المضادة للدَّبابات وأسلحة المشاة المضادة للدبابات، والتي كانت القيادة الصهيونية تعرف بوجودها لدى القوات المصرية والسورية وبكميات كبيرة، إلى دفع هذه القيادة للتفكير في تغيير عقيدة الاستخدام المنفرد للدبابات، أو إلى مجرد إثارة الشك حول الدور الحاسم المسند إلى المدرعات بالتعاون مع سلاح الطيران، رغم أن فترة الأسبوع الأخير من حرب الاستنزاف المصرية 1970م كانت تشير بوضوح إلى خطورة فاعلية جدار الصواريخ المضادَّة للطائرات التي يمكن أن تحد من قدرة الطيران على تقديم الدعم القريب لسلاح المدرعات بالصورة التي تحققت في حرب سنة 1967م. ولذلك فإن قيادة العدو الصهيوني لم تكن تهتم مطلقاً بالأفكار الداعية إلى ضرورة الالتفات إلى خطر الأسلحة الجديدة المضادة لدَّبابات على طريقة مستقبل الدبابات بالشكل الراهن، رغم تردد بعض هذه الأفكار في المجلات العسكرية الصهيونية، إذ نشرت مجلة معروخوف في عدد أب- أغسطس سنة 1970م، مقالاً كتبه ضابط أمريكي برتبة مقدم يدعى ولنون، تحت عنوان هل ماتت الدبابة ناقش فيه مطولاً مستقبل الدبابة على ضوء التطور الخطير الذي طرأ على الأسلحة المضادة لها، بحيث بات من الضروري البدء في تصميم وصنع آليات من نوع جديد، لها القدرة على حمل قوة نيران كبيرة في أي مكان يطلب منها العمل فيه، وليس لها عيوب الدبابة الحالية من حيث ثقل دروعها وبطء حركتها وسهولة تعطيلها عند إصابة سلاسلها وقد ختم مقاله المذكور بقوله أن دبابة اليوم هي من درع مثل درع الجسم في العهود الغابرة، ومعروف أنها تتمتع بمزايا أكثر إلا أنها وصلت إلى مرحلة تحطمها المتقدمة. لأن أهميتها تقل في مرحلة تتطلب من المعدات أكثر مما طلب منها في أيِّ وقت مضى، لقد أصبحت الإله الكاذب للتقنية العسكرية العصرية، إذ أنها تتطلب نفقات مالية كبيرة، وتحتاج إلى دعم لوجستي ضخم، على حين أنها تقدم إسناد نيران ليس له معنى، و هو أقل بكثير بالمقياس لمُقاتل العصابات المنفرد الذي يستخدمه العدو، والذي يستطيع تدمير الدبابة بقذيفة يوجهها إلى هدفها كما يجب، وبطيعة الحال لم يكن مطلوباً من القيادة الصهيونية أو حتىَّ القيادة العربية المقابلة لها أيضاً،" أن تسعى للاستغناء عن دباباتها و استبدالها بوحدات المشاة الميكانيكية مثلا" قبل أن تتوصل التقنية الصناعية العالمية في مجال التسليح إلى آلة جديدة توفر ميزة الدبابة في قوة النيران المتحركة، وتقلل من عيوبها الأخرى وقابليتها الشديدة للإصابة بالصواريخ، لأنَّ إسرائيل وحتى الدول العربية ليس لديها الأساس التقني والقدرة الصناعية لحل هذه المشكلة التقنية العسكرية، ومن المحتم عليها أن تنتظر حلها من جانب الدول الصناعية التي تزود الجيوش في الشرق الأوسط بالسِّلاح، وإنما المقصود توضيحه بأن القيادة الصهيونية تجاهلت تماماً تطور الأسلحة المضادة للدبابات، وتطور البنية العسكرية العربية التي أضحت أكثر قدرة على مواجهة تحدي الحرب الخاطفة، (وحتى بدون استخدام الصواريخ المضادة للدبابات في الحروب) لذا تابعت القوات المدرعة الصهيونية بناء سلاح المدرعات بالأسلوب القديم الكلاسيكي نفسه، ولم تقم بالتالي بالتجديد في عدد القوات المصاحبة لعمل الدَّبابات كسلاح المشاة مثلاً، المرافقة لها لحمايتها من الهجمات القريبة أو من كمائن صائدي الدبابات بالإضافة إلى أنها لم تقم بزيادة عدد وحدات المدفعية و المرادفة والمساندة والداعمة لها، متصورة بأنَّ دباباتها ستخوض معارك حروبها القادمة بشكل منفرد، وقادتها مكشوفون في البرج، بفضل الدعم القريب للقاذفات المقاتلة ودون الحاجة الكبيرة للمشاة الميكانيكية، والهاونات والمدفعية فكان ذلك من حسن حظ وحدات المشاة العربية التي وجدت لها صيداً سهلا جداً وثميناً في بداية معارك سنة 1973م والتي انتهت باستعادة جزء كبير من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل، و التي انتهت عقب وقف إطلاق النار المتبادل بين الطرفين، وذلك على مُختلف الجبهات بعد ضغوط مورست على جميع الأطراف المشاركة في تلك الحرب من طرف مجلس الأمن الدولي. عميرة أيسر-كاتب جزائري