ان مدلول كلمة ثقافة انما يعنى المعرفة بكافة روافدها فان انحصرت فى رافد محدد فلا تكن بثقافة.. ان كلمة ثقافة لايمكن حصرها فى قصيدة شعرية أو عمل من أعمال نوادى الأدب المنتشرة عبر ربوع الوطن والتى لاينشغل المعنيون بها الا بقصائد الحداثة والقصة القصيرة الرمزية والقليل من الروايات .. ان الثقافة أعمق من كل هذا وأشمل لتستطيل الى كل عمل معرفى سواء كان سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى أو حتى علمى فى الطب والرياضيات أو الفلك أو غيرها من العلوم .. ان مضامين الثقافة لدى الأفراد تختلف باختلاف مطالب الأفراد عن مسئولية الدولة بتوفير كل تلك المضامين مجتمعة .. فالأفراد تتحدد ثقافتهم بالحد الأدنى المعرفى فى كل المعارف ثم يلى دورالتعمق فى بعضها بعد ذلك.. انما واجب الدولة سيدى الوزير هو توفير كافة وسائل المعرفة بكافة مناحيها للأفراد لتمكنهم من تناولها وقتما شاءوا وبالكيفية التى يشاءون ومن ثم لو انحصر اهتمام الدولة وهى فى محل القيام بدور المهيمن على الشأن الثقافى بتثقيف الشعب بكافة أعماره فى قصيدة الحداثة والقصة القصيرة الرمزية ليكون هو الشغل الشاغل والدال على قيام الدولة بدورها التثقيفى انما يمثل قصوراً فى أدائها للدور المنوط بها بل ويمثل تسطيحاً فى التناول من الدولة لهذا الدور .. ولو كانت الدولة قد نجحت فى أدائها لهذا الدور لما رأينا جهلاً عاماً لدى كافة أوساط الشعب الا مارحم ربى بدور المجمع العلمى الذى قد تم حرقه على يد هؤلاء رغم تمسكهم بروافد العلم الحديث وتقنياته فى التواصل للتعبير عن أنفسهم ونجاحهم بثورتهم الا أنهم قد غاب عن مرجعياتهم تراث بلادهم وتاريخه وكذا أدوات التثقيف ذاتها من ثقافة الحوار والتعامل مع الأخر بمايؤكد فشل الدولة فى القيام بواجبها التثقيفى عبر هذه الهيئة .. هذا المشهد يثبت للجميع أن دور وزارة الثقافة ممثلة فى هيئة قصورها قد فشل بالمعنى الدقيق للكلمة بل وبات ماأنفقه المجتمع عليها مُهدراً يستحق المساءلة عليه بالمفهوم السياسى والقانونى على حد سواء .. ليس معنى تولية الشعراء والأدباء لتلك الهيئة ياسيدى ضمانة أكيدة لتوفير الثقافة بروافدها بنجاح للمجتمع الذى بات عطشه للثقافة يُلجمه .. ولايعنى انتشار المكتبات الثقافية والمواقع الثقافية عبر ربوع الوطن توفيراً للثقافة وأدوات الحصول عليها المنوط تحقيقه من قبل الدولة أمراً محققاً .. انما المشهد فى حقيقته هو حراك ظاهرى غير حقيقى وفاعل .. صار الاهتمام سيدى ليس بالمفكرين والمحللين والعلماء وانما بالرقص الفلكلورى وشعر الحداثة والأدباء أنصاف الموهوبين والغير معروفين الا وسط جنبات تلك الهيئة .. أين الحراك الثقافى بالمفهوم الحقيقى ياسيدى .. أين الفرص المتاحة للمثقفين والمفكرين فى لقاءات حقيقية ومتحركة وفعّالة بين المرسل والمتلقى .. اين سبل المعارف المتاحة باستخدام تقنيات العصر الحديثة لمتلقى المادة الثقافية .. أين البحوث الدينية والسياسية والعلمية من اهتمام الهيئة لجوار الاصدارات الأدبية التى لايقرأها أحد وينفق على نشرها مئات الألوف من الجنيهات .. أين الثراء البحثى الذى تكفله هيئة قصور الثقافة فى كافة مناحى المعرفة .. أين اتاحة الفرص أمام الأقلام بالمشاركة بالاصدارات الثقافية المختلفة وليس جعلها حكراً على أصحاب المعارف والاتصالات بما أفقدها قيمتها واقبال القارىء عليها .. ان دوركم معالى الوزير يتحدد مدى اطاره وفاعليته بمدى دعم كافة الروافد الثقافية وليس فقط فى دائرة الأدب ونواديه أو فى قصيدة نثر حداثية .. لذلك فاننى اطالب بتغيير مسمى نوادى الأدب الى النوادى الثقافية ليتفرع من خلالها ورش عمل ثقافية تهتم بالثقافة بكافة روافدها ويكون الأدب هو أحد هذه الروافد التى تعنى بها الهيئة وليس هو جل اهتماماتها دون غيره من الروافد مما أضاعه فى المقام الأول من قبل ضياعها هى وبات الشباب خاوياً معرفياً وثقافياً لايفطن لقيمة المعرفة والثقافة ولاتاريخه العلمى أو الحضارى مما دفعه لاحراقه بدوافع الانتقام ممن مارسوا تجهيله .. كما أطالب باستخدام أدوات العصر فى جعل حراك ثقافى يملأ أرجاء الوطن بالصورة التى تجذب المتلقى لتناولها وكذا تنافس أدوات المعرفة الأخرى التى باتت تنافس دور الوزارة التثقيفى ذاته كالفضائيات ومن تلك الأدوات الفيديو كونفرانس والذى يمكن عن طريقه بث محاضرة حية عبر أرجاء الوطن ومواقع الهيئة الثقافية من محاضرين عظام ومشهود لهم عالميا ومحليا وفى كافة الروافد المعرفية بما يحقق أكثر انتشار للمادة المعرفية بجعلها جذابة لدى المتلقى وكذا خلق حوار حى بين كل الأوساط الشعبية عبر ربوع الوطن والمحاضر ذاته أو بين المتلقين أنفسهم فى ذات اللحظة وبما يمثل فى المقام الأول ثراءاً تواصلياً تقوم به وبتفعيله هيئة قصور الثقافة .. ولايحتاج هذا الأمر لزيادة انفاق بل يمكن تحققه اذا قلّصت الهيئة انفاقها على بؤر التثقيف غير الفاعلة كالاصدارات العقيمة غير المقروءة وكذا السطحية منها وبذا نكون قد استثمرنا امكانيات بيوتنا ومكتباتنا الثقافية عمليّاً بدلا من تركها محشوة بمكاتب الموظفين وأوراقهم.. عزراً سيدى فاننى أخاطب فيكم قامة ثقافية رفيعة ومفكر مشهود له بتقديره للرأى الأخر لذا لاأجد نفسى متجاوزاً أن عنونت مقالى بأننا نوجه عنايتكم معالى وزير الثقافة ..