د. أحمد صبحي منصور ما زال الحديث موصول حول موضوع ملك اليمين للمرة الأخيرة ونقول الآتي : رابعا : ( ملك اليمين ) في الدولة الإسلامية :- 1 الدولة الإسلامية التي أسسها النبي محمد عليه السلام كانت تقوم على : 1/ 1 :( السلام ) : (مع الخارج ) كما أوضحنا في تشريع القتال في الإسلام ، وبالتالي فلا أعداء ولا ظلم ولا سبى ولا سلب . والسلام ( في الداخل ) فالمواطن داخل الدولة هو المسالم حتى لو كان مدمنا على العكوف على الأوثان رافضا دعوة الإسلام ( الحج 30 ، المائدة 90 : 92) وحتى لو كان معاديا للدولة وللإسلام معارضا لها بدون أن يحمل سلاحا كالمنافقين . 1 / 2 : العدل والذي يتضمن المساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والاقتصادية والذكورة والأنوثة فالأفضلية بالتقوى، وهذا سيحدده رب العزة جل وعلا يوم القيامة ( الحجرات 13 ) . 1 / 3 : الحرية ( الدينية والسياسية ) . وهنا تتداخل الحرية مع مفهوم المواطنة ، ويتجلى هذا في حرية الفرد المطلقة فى الدين ( عقيدة وشعائر ودعوة ) وحرية الفرد السياسية ليس فقط في المعارضة وإعلان الرأي بل أيضا مشاركته في الديمقراطية المباشرة وكونه عضوا فاعلا فى الدولة . والأساس الاسلامى العقيدى هنا هو أن الجميع ( عباد الله ) أو ( عبيد الله ) ولا رب لهم إلا الله ، ولا سيد لهم إلا الله جل وعلا وأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ( النساء 59 ) وبالتالي فإنه لا يجوز إسلاميا أن ( يتعالى ) فرد على الآخرين بأن يكون حاكما ( القصص: 83 ) لأن المجتمع هو الذي يحكم نفسه بنفسه في آلية للشورى أو الديمقراطية المباشرة ، وقد أوضحناها في بحثين بالانجليزية والعربية . 2 في هذه الدولة الإسلامية يتمتع ( ملك اليمين ) بنفس الحقوق في المواطنة وحرية الدين والحرية السياسية ، شأن الجميع . وفى هذا الإطار نزلت تشريعات القرآن الكريم عن ( ملك اليمين ) . وهذه التشريعات تم طمسها فى خلافة أبى بكر ، بدءا من حرب الردة ، ثم الفتوحات . خامسا : ارتباط السبي ( الاسترقاق ) بحروب العرب فى حرب الردة والفتوحات بدءا من خلافة أبى بكر 1 تشريعات الإسلام في القتال الدفاعي توجب المنً على الأسير المحارب بإطلاق سراحه مجانا أو بتبادل الأسرى (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) 4 محمد )، وأقرأ أيضا : ( التوبة 6 ، الأنفال 68 : 71 ، النساء 94. ولا قتل للأسير في الإسلام ، وهناك بحث ينتظر الاستكمال والنشر فى نقد روايات ابن اسحق في السيرة عن قتل الأسرى 2 وكانت العادة في الفتوحات العربية ثم في الحروب التالية لها حتى بين المسلمين هي قتل الأسرى العاديين ، والإبقاء على القادة للمتاجرة بهم . هذا مع الأسرى المحاربين . أما غير المحاربين من النساء والأطفال ( من المدنيين ) فكان يتم استرقاقهم حسب الظروف . كان الاسترقاق والسبي عادة في الغارات في الجاهلية ، أوقفها الإسلام حين أشاع السلام ( الإسلام السلوكي ) ودخل الناس فى دين الله جل وعلا أفواجا. ثم عاد السبي سريعا في حرب الردة وفقا للروايات التاريخية ، ثم كان التوسع في لسبى في الفتوحات بحيث أصبح الحصول على الجميلات ضمن أهداف الحروب . ونستشهد ببعض ما أورده ابن الأثير في ( تاريخ الكامل ) في خلافة أبى بكر عام 12 هجرية ، ونركز فى روايات الفتوحات على الفقرات التي تتحدث عن الاسترقاق أو السبي 3 تحت عنوان ( ذكر ردة أهل عمان ومهرة ) :يقول : ( قد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين، فقال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتي عشرة..أنه بلغ خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين ، فقاتله ، وغنم وسبى ، وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب. ) . هنا سبى للذرية والنساء ، وقد أرسل خالد بهذا السبي إلى أبى بكر . وكانت عادة ( على بن أبى طالب ) بعد موت زوجته فاطمة الزهراء أن يقتنص الفرصة ليشترى ( ما طاب ) له من نساء السبي ويدفع من نصيبه من فلوس الغنائم . وقد تكاثر أبناؤه من السبايا ، وقُتلوا جميعا في كربلاء . هذا مجرد مثال من حروب الردة . فماذا عن الفتوحات في العراق ؟ 4 تحت عنوان : ( ذكر وقعة الثني ) يقول ( ... وقتل من الفرس مقتلة عظيمة ، يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً. وكان في السبي أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً ..) . الأخماس إلى الغنائم التي كانت تُرسل إلى الخليفة ومعها طوابير السبي من النساء والأطفال . تخيل معاناتهم فى السير من العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا إلى أن يصلوا إلى المدينة . هذا الظلم لا يرضى به إلا الشيطان . لذا فإن هذه الفتوحات هي في سبيل الشيطان . 5 ( ذكر وقعة الولجة ) : ( فانهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ومضى الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً، وأصاب خالد ابناً لجابر بن بجير وابناً لعبد الأسود من بكر بن وائل، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم. ). 6 (.ذكر فتح عين التمر ) ( لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وبها مهران بن بهرام جوبين، في جمع عظيم من العجم، وعقة ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم. فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى ، وقتل عقة ، ثم قتلهم أجمعين ، وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء، منهم: سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى، وحمران مولى عثمان. وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس. ) 7 ( ذكر خبر دومة الجندل ) : ( ولما فرغ خالد من عين التمر أتاه كتاب عياض بن غنم يستمده على من بإزائه من المشركين، فسار خالد إليه ... وانهزموا إلى الحصن، فلما امتلأ أغلقوا الباب دون أصحابهم فبقوا حوله، فأخذهم خالد فقتلهم حتى سد باب الحصن، وقتل الجودي وقتل الأسرى إلا أسرى كلب، فإن بني تميم قالوا لخالد: قد أمناهم، وكانوا حلفاءهم، فتركهم. ثم أخذ الحصن قهراً ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية والسرح فباعهم، واشترى خالد ابنة الجودي، وكانت موصوفةً. ) أي موصوفة بالجمال . 8 (.ذكر وقعة الثني والزميل ): ( وكان ربيعة بن بجير التغلبي قد خرج غضباً لعقة وواعد روزبه وزرمهر والهذيل، ولما أصاب خالد أهل المصيخ واعد القعقاع وأبا ليلى ليلة، وأمرهما بالمسير ليغيروا عليهم، فسار خالد من المصيخ، فاجتمع هو وأصحابه بالثني فبيتهم من ثلاثة أوجهٍ كما فعل بأهل المصيخ ، وجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، بنت ربيعة بن بجير التغلبي، فاتخذها فولدت له عمر ورقية. ) 9 ( ذكر مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام ) : (لما رأى المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم...وقيل: إنما أمره أبو بكر أن يأخذ أهل القوة والنجدة، فأتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم، وأتى المصيخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم. وكان من السبي الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن علي ابن أبي طالب، وقيل في أمرها ما تقدم. ) ( فقتل المسلمون مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة وأخذوا أموالهم ، وقتل حرقوص بن النعمان البهراني. ثم أتى أرك فصالحوه، ثم أتى تدمر فتحصن أهله ثم صالحوه، ثم أتى القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى .. ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد. ) 10 ابن الأثير اختصر تاريخ الطبري وتاريخ الطبري مليء بالروايات والتفصيلات . وفى رواياته عن الردة والفتوحات تتوالى السطور عن قتل آلاف الأسرى وسبى مئات الألوف من الأطفال والنساء من عائلات المقاتلين الذين وقفوا أبطالا يدافعون عن أوطانهم وأهاليهم ، ثم كان خالد يحقن دماء الفلاحين ويجعلهم ( أهل ذمة ) يستغلهم في الزراعة لصالح قريش . 11 قريش لم تعايش الإسلام سوى سنوات ، وقبل أن تدخل في الإسلام كان لها تاريخ أسود فى اضطهاد النبي والمسلمين وطردهم من مكة وحربهم فى المدينة ، ثم دخلوا متأخرين في الإسلام حرصا على مصالحهم بعد أن دخل الناس أفواجا فى دين الله ( السلام بمعنى الإسلام الظاهري السلوكي ) . وبمجرد موت النبي عاد لقريش نفوذها فى خلافة أبى بكر . وصمم أبو بكر على أن يدفع العرب الزكاة له ، وهى فى عهد النبي عليه السلام كانت تطوعا بحيث أن رب العزة جل وعلا منع النبي أن يأخذ صدقات من المنافقين ( التوبة 53 : 54 )، وكانت العادة في دولة الإسلام أن تقوم القبيلة بجمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها داخل القبيلة . التغيير الجديد بتعيين حاكم ( خليفة ) وأن يقوم هذا الخليفة بالجباية أثار العرب فاشتعلت حرب الردة ، وتكاتفت قريش في حرب الردة ، وقادها قرشيون لم تكن لهم سابق صحبة بالنبي محمد عليه السلام . وبإخماد حركة الردة كان لا بد لقريش من توجيه قوة العرب الحربية إلى الخارج ، فكانت الفتوحات قادتها قريش دون الأنصار واستفادت بها قريش دون الجنود العرب ، لذا كانت الفتنة الكبرى حركة مسلحة من الأعراب ضد استئثار قريش بكنوز البلاد المفتوحة . 12 هذا يتناقض مع الإسلام . وهذا هو الذي طمس تشريع الإسلام في القتال وفى ( ملك اليمين ) بل وصل الطمس إلى تغيير مصطلحات القرآن في هذا الشأن . ----------- وللموضوع بقية فيتبع ........ ----------------- بقلم الدكتور/ أحمد صبحي منصور من كبار علماء الأزهر سابقا