لا أعرف فى أى مكان بالكرة الأرضية، ولا فى أى مرحلة من مراحل التاريخ، يمكن أن تخرج الملايين من أبناء الشعب داعية بصوت مدو إلى رحيل رأس الدولة ونظامه، ويستمر ذلك طوال أسبوعين أو ثلاثة، ثم تقابل نداءات الشعب الملحة بالعناد والتجاهل والازدراء. وعندما فاض بهم الكيل، بعدما واصل الرئيس عناده لهم وازدراءهم، خرج بعضهم أمس فى مسيرة غاضبة توجهت إلى أماكن رمزية عدة منها قصر الرئاسة، لوح فيها المتظاهرون بأحذيتهم فى رسالة لا يمكن أن تفسر إلا بأنهم خرجوا عن طورهم، بعدما بلغ بهم الشعور بالإهانة مبلغه. وإذا جاز لنا أن نتصارح فلا مفر من أن نقرر بأنه إذا كانت هناك إهانة، فإن الرئيس يكون قد أهان نفسه بنفسه، حين استسلم لعناده وأصر على ألا يسمع صوت شعبه الهادر الذى بح وهم يطالبونه بالرحيل منذ نحو عشرين يوما، وكأنهم مجموعة من الحشرات أو الدواب. وأن رجاله هم الذين أهانوه حين نهبوا البلد وزوروا الانتخابات وداسوا على كرامات الناس وزينوا له قوانين القمع وتأبيد السلطة، وظلوا طول الوقت تحت رعايته ومحل رضاه ومصدر سعادته، الأمر الذى أفقده فى البداية هيبته وأفقده فى النهاية شرعيته. لا أعرف من فى مصر الآن يؤيد الرئيس مبارك، إذا استثنينا رجاله والمنتفعون به وبنظامه وعناصر الأجهزة الأمنية التابعة له، ومجموعات المرتزقة والبلطجية الذين تباع حناجرهم وسواعدهم لكل من يدفع، وربما كانت هناك قلة اقتنعت به لسبب أو آخر.