دموع فضيلة المفتى أكثر ما يلفت نظري وأنا أتابع خطبه منذ فترة طويلة عبر أحدى القنوات الفضائية التي تبث صلاة الجمعة دائما من المسجد الذي يخطب فيه ...فالشيخ الحريص دائما على تقديم الصورة المعتدلة الصحيحة للإسلام السمح الذي يدعو للوسطية والحوار والعلم وإعلاء القيم الدينية على الدنيوية ..لم اسمعه يدعو إلا لنصرة بلدنا ودموعه لا تنهمر إلا حزنا عليها ومن قبلها على أي شيء يسيء لدينه. الشيخ الجليل على جمعه استجاب الله لدعائه الذي دعاه الجمعة قبل الماضي بان يمن عليه بزيارة المسجد الأقصى .. اندفع الشيخ الجليل برغبته المشروعة والشريفة لزيارة ثالث الحرمين وأولى القبلتين فقبل بصفته الشخصية وليست الرسمية – كما أكد - الدعوة التي وجهت إليه من الديوان الملكي بالأردن . سافر المفتى مرتديا ملابس سوداء ليؤكد انه جاء ليشارك أهل القدس في مصابهم الجلل وهو احتلال المدينة المقدسة التي تحولت لمدينة يهودية المعالم والملامح ... ذهب للأقصى ليطمئن عليه بقلب المسلم الذي ألمه بالتأكيد مثلنا جميعا قيام مجموعة من المستوطنين اليهود قبل أسابيع قليلة بانتهاك حرمته وإقامة حفل راقص في باحته . وكل من شاهد الشيخ على في صلاة الجمعة التي سبقت زيارته للأقصى ودموعه التي انهمرت عندما ذكره بالدعاء المتواصل كان لابد أن يدرك أن زيارته للمسجد المبارك شخصية دوافعها دينية فقط لكنها في الوقت نفسه تضمنت رسالة سياسية شديدة الأهمية وهى أننا لابد أن نعيد التفكير في كيفية حماية مقدساتنا وضرورة ألا نحول مبدأ رفض التطبيع لمجرد شماعة نعلق عليها فشلنا في العثور على صيغة تضمن لنا الحفاظ على هوية الأقصى والقدس دون أن يكون ذلك بالاعتراف بالكيان الصهيوني . القدس في خطر حقيقي لأنها مدينة فقدت - إلا قليلا - ملامحها العربية نتيجة تعمد الإسرائيليون تهويدها بكل ما أوتوا من قوة .. فبعد أن طردوا 100 ألف مواطن من أهلها بعد بناء الجدار العازل وبعد المضايقات التي يتعرض لها من تبقوا فيها من المقدسين تغيرت التركيبة السكانية للمدينة ، حيث كانت في بداية الاحتلال كل خمس فلسطينيين يقابلهم اسرائيلى واحد لتصبح الآن كل خمس إسرائيليين يقابلهم فلسطيني. لقد قررنا قبل سنوات الاكتفاء بالنضال "الحنجورى " في سبيل الأقصى الذي لا اعرف كيف يمكن أن يحرر والفلسطينيون أنفسهم مقسمون ما بين فتح وحماس ؟ تلك الحركات التي بدأت ثورية مقاومة ثم تحولت لحركتين متناحرتين على سلطة وهمية .. هذا الوهم الذي تركتهما إسرائيل يعيشا فيه وأخذت في تغيير معالم القدس حتى إنها الآن تستعد لنقل مقراتها الأمنية والعسكرية وتركيزها في قلب الأحياء الفلسطينية بالقدسالمحتلة، حيث تتطلع إلى بناء مقر للكلية العسكرية وقيادة هيئة أركان على سفوح "جبل المشارف" من الناحية الجنوبية المطلة على المسجد الأقصى، وإقامة حديقة وطنية توراتية على أراضي العيسوية. إسرائيل تسرق أراضينا تحت أعيينا ونحن نكتفي بالدعاء على المنابر لنصرة الأقصى والقدس دون عمل حقيقي لنجدتهما .. تتحدث التيارات الدينية في مصر عن الجهاد المقدس ولكن كلما اقتربت من السلطة أكثر تؤكد جميعها احترامها لمعاهدات السلام الموقعة مع إسرائيل . يصرخ بعض أعضاء برلماننا في يوم الأرض بغزة من فوق المنصات هناك وهم يرتدون الكوفيات الفلسطينية بالجهاد لاسترداد الأرض لكنهم في الوقت نفسه يوافقون على تجديد العمل بمعاهدة الكويز في صمت تام والتي تقضى بالاستيراد من إسرائيل مقابل فتح الأسواق الأمريكية أمام بعض منتجاتنا ... نؤكد أحترم تعهداتنا بالسلام مع إسرائيل ونقيم علاقات تجارية معها لكن عند زيارة المفتى للأقصى نصرخ بأننا ضد التطبيع . ولا اعرف عن أي تطبيع يتحدثون والعالم الجليل لم يدنس جواز سفره بتأشيرة إسرائيلية ولم يلتقي بأي اسرائيلى ؟! ولا اعرف كيف أندفع القرضاوى لإصدار فتوى بتحريم زيارة الأقصى وهو تحت الاحتلال وهى فتوى تخالف صحيح السنة المحمدية حيث ذهب النبي (ص) للحرم المكي وهو تحت أمرة المشركين .. أيضا لم يحرم أحد من شيوخنا الأجلاء زيارة الأقصى وهو تحت الاحتلال الصليبي . اندفاع غير مبرر في إطلاق الفتاوى والتطاول على الشيخ على ومطالبات بعزله ممن وجدوا في رحلته ذريعة للثأر منه لمواقفه الشهيرة والمعلنة ضد التطرف والتشدد باسم الإسلام وضد هدم الأضرحة . بل وأظن انه في هذه اللحظة المرتبكة في حياة الوطن يدفع ثمن دعواته المتكررة لأهمية العلم في حياتنا تلك الدعوة التي لا ترضى بالتأكيد طيور الظلام الذين لن ينجحوا في مهمتهم إلا وسط مجتمع أمي من السهل انسياقه خلف كل من يتحدث باسم الله ورسوله ولو كان كاذبا ومخادعا وأغراضه شخصية وسياسية وبعيدة كل البعد عن الدين . يدفع الشيخ الجليل ثمن اجتهاده وسندفع نحن ثمنا أغلى نتيجة عدم القدرة على مصارحة أنفسنا بضرورة عدم الاستسهال والقول برفض التطبيع دون الاجتهاد لإيجاد وسيلة نحمى بها مثري رسول الله من يد الصهاينة ونحمى أهله من العزلة والوحدة . محاولات هدم الأقصى لا تنتهي وقد تنجح –لا قدر الله – في يوم من الأيام ويومها لن يكون هناك جدوى من البحث عن وسائل للحفاظ عليه .. استفيقوا يرحمكم الله واعتبروا زيارة الشيخ الجليل فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الهام رحيم