مانزال نتحدث عن هذا الملك المصري العظيم، الذي لُقب بين علماء المصريات باسم »نابليون العالم القديم»؛ لأنه قام بحملات حربية استطاع بها أن يغزو العالم القديم، ويوطد أسس الإمبراطورية المصرية. وفي نفس الوقت، اصطحب معه العديد من المؤرخين والعلماء الذين أحضروا النباتات الفريدة، وأدخلوا الدجاج إلي مصر لأول مرة. وكما نشرت بعثة نابليون أهم كتبها، باسم »وصف مصر»، والذي يُعتبر أهم مرجع مصور للآثار الفرعونية، فقد قام العلماء المصاحبون لبعثة تحتمس الثالث بنشر كل ما شاهدوه في حوليات تحتمس بالكرنك، والتي تعتبر مرجعًا لعهد هذا الملك العظيم. ومن أهم ما نعرفه عن هذا العهد هو ظهور المسلات الضخمة أمام معابد الكرنك والأقصر. وقد عرف الفراعنة المعابد منذ عصر الدولة القديمة حيث كانوا يضعون المسلات أمام مقابر الموظفين والنبلاء. وبعد ذلك أخذت المسلة طابع الضخامة منذ عصر الدولة الوسطي. ولدينا في منطقة المسلة بالمطرية أقدم مسلة ضخمة تعود إلي عهد الملك سنوسرت الأول. وقد عثرت، ومساعدي الأثري النشيط عادل كيلاني، داخل الحفائر التي قمنا بها داخل منطقة المسلة الناقصة علي نص يرجع إلي عهد الملك تحتمس الثالث يقول فيه: »أعطيت أوامري إلي رئيس كل أعمالي أن يقطع مسلة كي أقدمها إلي أبي الإله آمون». وكان الملك تحتمس الأول أول من قطع المسلات الضخمة حيث وضع مسلتين ضخمتين بمعابد الكرنك. أما حتشبسوت، فقد أمرت بقطع أربع مسلات من محاجر الجرانيت بأسوان. وكان الفراعنة يحتفلون بعيد يعرف باسم »سد» أو العيد الثلاثيني. وكان يحتفل به الفراعنة كي يظهروا قوتهم أمام الشعب، وأنهم مازالوا قادرين علي حكم البلاد. وفي نفس الوقت، وفي رأيي الشخصي، أنه عيد كان يحتفل به الملك ليظهر أنه أقام وأنجز كل ما طلبه منه الإله الأعظم كي يصبح إلهًا في العالم الآخر. وقد احتفل الملك تحتمس الثالث بعيد »سد» ثلاث مرات. وكان من المعروف في هذه الفترة أن تقام المسلات احتفالاً بهذا العيد. وقد ترك المهندس »بو إم رع» نصًا يشير فيه إلي أن الملك كلفه بقطع مسلتين من محاجر أسوان احتفالاً بعيد »سد». وقد نُقشت المسلات بنقوش تشير إلي أن المسلة قد أقيمت تخليدًا للإله آمون، وأن قمتها كانت تأخذ الشكل الهرمي. ويبلغ طول هذه المسلات من 95 مترًا إلي 105 أمتار. ومسلة القسطنطينية تخص تحتمس الثالث. وهي المسلة التي نقلها الإمبراطور ثيودورس. ونعرف أيضًا أن تحتمس الثالث قد أقام مسلة أمام الصرح الثامن لمعابد الكرنك، وطولها يبلغ حوالي 105 أمتار. وعلي واجهة هذه المسلة، قال الملك إنه أقامها لوالده رب طيبة آمون رع. ومن المعروف أن هناك العديد من المسلات التي نُقلت إلي الخارج في روما ولندن والقسطنطينية ونيويورك. وهذه هي أعظم المسلات. وللأسف الشديد لا توجد لدينا مسلات بعظمة مثيلاتها الموجودة في الخارج. وما يؤلمني ويجعلني حزينًا حقًا وأبكي ألمًا أن هذه الدول لم تعطِ للفراعنة حقهم، ولم تسمِ الميادين بأسماء الملوك الذين نُقشت أسماؤهم علي المسلات، ولكنها وضعتها داخل ميادين ذات أسماء أخري مغايرة. وأحزن دائمًا عندما أقف أمام معبد الأقصر وأري مسلة واحدة فقط، وأختها الأخري بعيدة عنها تزين ميدان الكونكورد بباريس.