أمين المهدي يختلف منزل المطرب وعازف العود أمين المهدي، الذي كان من أشهر المطربين في حقبة العشرينيات عن كل المنازل فقد أطلق عليه ألقاب كثيرة مثل بيت الفنانين، بيت الزعماء، وقد تخرج منه عشرات المطربين والمطربات والشعراء.
وشهد جناح الحرملك في المنزل طفولة كوكب الشرق أم كلثوم، وهي لا تزال في بداية حياتها الفنية، وكان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لا يقوي على مواجهة الجماهير لتقديم أغنياته الجديدة إلا بعد أن يؤديها أمام رواد هذا البيت ليعرف رأيهم وينفذ ملاحظتهم. وطوال ربع قرن كامل من الزمن كانت تقام فيه حلقات الذكر بقيادة الشيخ محمد رفعت، ومعه عشرات من مشاهير القراء ليتلون آيات القران الكريم، والتواشيح حتى الفجر، وتنتهي الليلة بقيام الصلاة حاضرة ويتناول الضيوف فطورهم لينصرفوا إلى أشغالهم ليقوم بتكرار هذه الأمسية في اليوم التالي. وقد شهد المنزل الذي يقع في ميدان باب الخلق أعرق أحياء القاهرة الذي شهدت ردهاته كل هذه الأحداث وعاصرت حجراته مئات من القصص.
وصاحب المنزل هو محمد أمين المهدي، ملك العود في مصر المولود في عام 1895 وينحدر من أسرة عريقة من أعيان المحافظات وكبار العلماء حيث إن جده الشيخ محمد المهدي، مفتى الديار المصرية خلال القرن التاسع عشر، وقد شيد هذا المنزل أيام الحملة الفرنسية على مصر. وعندما تسلم محمد أمين، المنزل قام بتقسيم المنزل من الداخل إلى قاعات يجلس فيها السياسيون وأشهر رجال الأحزاب، أما باقي الغرف فكان يقيم فيها الفنانون والفنانات الذين تتلمذوا على يديه.
ومن بينهم أم كلثوم التي عندما حضرت مع والدها وشقيقها إلى القاهرة والموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي تلقى على يد محمد أمين المهدي، عشرات من الدروس في العزف على العود، وغيرهما من ألمع المطربين، وفي مقدمتهم المطرب صالح عبد الحي، ونجاة علي، ومحمد عبد المطلب. وقد وضع محمد المهدي، نظاما يوميا يبدأ من صلاة العشاء ويمتد حتى فجر اليوم التالي يقوم الموسيقيون بالعزف، ويغني المطربون وراء عزفهم ثم ينشد المنشدون تواشيحهم حتى صلاة الفجر. وكان أمين المهدي، ينفق على هذه الأمسيات حوالي خمسمائة جنيه شهريا حيث إنه كان لديه عدة أفدنة بخلاف بعض العمارات التي يمتلكها تدر عليه أموالا كثيرة.
حتى أنه عندما تزوج استمر الفرح أربعين ليلة لم ينقطع الطرب والغناء خلالها لحظة واحدة وعندما تزوجت ابنته بلغ عدد المدعوين أكثر من ألفي شخص، وقام بالغناء المطرب صالح عبد الحي، لمدة 8 ساعات متصلة، وغنت أم كلثوم 7 وصلات غنائية متصلة وكانت تغنى بلا ميكروفانات. وكانت النساء اللاتي يدخلن المنزل لا يجلسن مع الرجال بل يصعدن إلى أعلى عند زوجة أمين المهدي، في الحرملك، ويراقبون الغناء من وراء شيش المشربية ليشاركن في السهرة. مجلة أخر ساعة: 5-8-1959