عمرو الديب يختلفون كثيرًا حول تعريف المثقف، وتتعدد اجتهاداتهم لتحديد المعني، وضبط المصطلح، وربما يجيئ ذلك الاضطراب في الرؤي حول الكلمة بسبب وعورة المصطلح الأم، وهو كلمة »الثقافة» التي تختلف تعريفاتها بصورة حادة سافرة لدي العديد من المدارس الفكرية والمذاهب البارزة، ولكن يبقي من وجهة نظري المتواضعة حد أدني وقاسم مشترك قد يربط شتي التعريفات حول كلمة مثقف أو مصطلح ثقافة، وهو معني القدرة علي الرؤية الشاملة واستيعاب شتي جوانب الصورة الواحدة من زواياها المتعددة، ووفق هذا المعني يصير المثقف هو ذلك العقل القادر علي تكوين الرؤية الكاملة بصدد إحدي القضايا، أو موضوع ما يعرض له، بحيث يستطيع استيعاب شتي جوانبه، ومختلف زواياه، وعلي هذا النحو يصبح المثقف في أوضح التعريفات هو صاحب الملكات والأدوات القادرة علي تبين أمر ما واستكناه شتي زواياه عبر رؤية كلية شاملة، لا يستطيع غيره بناءها أو تكوينها، ووفق هذه اللمحات لا يستحق من يري الصورة من أحد جوانبها، ولا يستطيع تبينها إلا من إحدي زواياها، وصف مثقف، أما هؤلاء الذين لا يقدرون علي الرؤية من أية زواية كانت فهم الجهلاء حقا، وإن طنطنوا بمئات العبارات الخداعة البراقة، يحاولون بها الإيحاء بأنهم مثقفون، وللأسف هؤلاء المصطنعون من أشباه المثقفين هم من يستحوذون علي المشهد، ويتسللون إلي شرفات التأثير، ونوافذ الفعالية، ولذلك تري الواقع مربكا، والإحساس بعظم الإنجازات العملاقة، وروعة النجاحات المتتابعة واهن الصوت شبه مفقود، لأن المدركين للحقيقة من هؤلاء القادرين علي الرؤية الكاملة الشاملة مستبعدون من نوافذ التأثير وشرفات البث والتفعيل، وبعبارة أخري فإن المثقفين الحقيقيين مبعدون عن المشهد الذي استحوذ عليه الأشباه والمزيفون من المنتسبين إلي الثقافة زورا وبهتانا، ومن الأدعياء المتطفلين علي عالم الأدب، والمأساة أن واقعنا الواعد الصاعد يحتاج بقوة - بل هو في أمس الاحتياج إلي هؤلاء الحقيقيين القادرين علي صياغة وعي حقيقي، وبث فهم عميق وإدراك مضيء في ساحاتنا المبتلاة بالأشباه، أو أوديتنا المختنقة المزدحمة بجحافل المزيفين من أهل »السبوبة»، في الثقافة والأدب والذين يفتقرون إلي الأدوات اللازمة لنشر الوعي الحقيقي، ومع ذلك يتشبثون بالبقاء في المشهد طلبا للارتزاق، وجلبا للعطايا والمزايا، فتبًا لهم ما أوقحهم !!