أدت التقنية الخاصة باختبارات الحامض النووي »D.N.A» إلي ما يشبه الثورة في علم المصريات. ويقول جيري روز أستاذ علم الأمراض القديمة، إنه مع حدوث كل تقدم في وسائل تشخيص الطب الحديث، فإن هذا التقدم يطبق عادة علي الآثار المصرية ويري أن علم المصريات يتميز بقدرته علي تقبل تطبيق التكنولوجيا الحديثة عليه بهدف دراسة الماضي وتبادل المنفعة.. لكن هذه الاستفادة لا تسير في طريق واحد، إذ يؤكد علماء آخرون أن العلاقة بين المصريات والعلم الحديث تقوم علي أساس تبادل المنفعة وتقول فيفيان ديفيس المسؤولة عن الآثار المصرية في المتحف البريطاني، إن المومياوات المصرية تستخدم في بعض الأحيان كحقل تجارب للأدوية والتجهيزات الطبية الحديثة. وتبرر فيفيان ديفيس هذا السلوك بقولها، إنه يصعب اختبار هذه التجهيزات علي أشخاص أحياء خوفا من وقوع خطأ قد يؤدي إلي الوفاة كما كشفت المسؤولة البريطانية قيام المتحف البريطاني بإقراض عدد من المستشفيات البريطانية مومياوات بغرض استخدامها في هذا النوع من التجارب. وقالت إنه بفضل هذه التجارب، أصبح لدي الأطباء القدرة علي إبلاغ علماء المصريات بما تحويه هذه المومياوات وبكل المعلومات المتعلقة بها وقد كشفت أبحاث عن أن قدماء المصريين كانوا عرضة للإصابة بأمراض لاتزال شائعة في الوقت الراهن، مثل الملاريا والبلهارسيا، والسل ولهذا السبب تؤكد الطبيبة المصرية فوزية حلمي الخبيرة في دراسة البقايا البشرية أن علم المصريات يمكن أن يوفر حقائق جديدة للطب الحديث، خاصة عند دراسة تطور الأمراض لمعرفة وقت ظهورها للمرة الأولي ووقت انحسارها وأسبابه. يعتبر استخدام تقنيات تشكيل الأبعاد الثلاثية بالاعتماد علي برامج الواقع الافتراضي أول خطوة في وقف العبث بالمومياوات المصرية لدي محاولة معرفة أمراضها والظروف التي أدت إلي وفاتها قبل 3 آلاف عام. ويقول خبراء الآثار المصرية في العاصمة البريطانية إن استخدام تقنيات الكومبيوتر علي المومياوات الفرعونية، يعد نصرا علميا لما له من تأثير إيجابي في المحافظة علي هذه المومياوات، حيث إن إجراء هذه الطريقة في دراسات العلوم المصرية القديمة يحافظ علي هذه المومياوات ويمنع العبث بها.. فمن فوائدها أن المومياء لا تمس أو تشوه بأخذ عينة منها. ومن المومياوات التي طبقت عليها التقنيات الجديدة مومياء الكاهن نسبر نب الذي توفي في حدود 800 عام قبل الميلاد، وعُثر علي موميائه بالقرب من ضفاف النيل في نهاية الأسرة ال 19 والمومياء محفوظة حاليا في المتحف البريطاني بالعاصمة لندن. وكان عمل خبراء التشريح يتطلب في الماضي قطع الأربطة الملفوفة حول المومياء منذ آلاف السنين، لمعرفة أضرار البكتيريا والجراثيم التي أصيبت بها، مما قد يعرضها للتآكل أو التحلل، وكذلك فحصها دون المساس بالأغلفة التي تغطي هذه المومياوات مما يعرض هذه الأغلفة للتلف، وكذلك المحافظة علي الصبغات والمواد المحافظة المستخدمة في الحفاظ علي هذه المومياوات. لكن التقنيات الجديدة التي استنبطها خبراء مؤسسة »سليكون جرافيك» بالتعاون مع خبراء المتحف البريطاني أدت إلي الوصول إلي هذه النوعية الجديدة من التقنيات الإلكترونية. وببساطة شديدة فإن التقنية المستخدمة في هذا الحدث العلمي تتمثل في الحصول علي صورة أشعة للمومياوات ثم تحليل هذه الصورة بجهاز الكومبيوتر للحصول علي صورة ثلاثية الأبعاد أو صورة مجسمة لهذه المومياوات. وتم التقاط نحو 1500 صورة بالأشعة السينية لرأس الكاهن المصري القديم نسبر نب، أخذت في الستينيات قبل تغذيتها في كمبيوتر مزود ببرنامج للأبعاد الثلاثية، استعين به لرسم صورة لوجه الكاهن الذي اختفي تحت اللفافات الكتانية في عملية التحنيط قبل ثلاثة آلاف عام. وتكشف الصور الجديدة للكاهن المصري القديم عن وجود وعاء سميك من الفخار وُضع فوق رأس الكاهن بعد الانتهاء من عمليات التحنيط. وأشار الدكتور جون تايلور أمين عام قسم المصريات بالمتحف البريطاني إلي وجود احتمال أن الوعاء الفخاري تُرك بطريق السهو أو الخطأ غير المقصود. وقد تم أخيرا تحليل هذه الصورة عن طريق الأطباء من إخصائيي جراحة المخ والأعصاب وجراحات الأسنان وجراحي العظام، لتحديد المناطق التي يمكن أن تكون قد تعرضت للتدخل الجراحي أثناء التحنيط أو أثناء ترميم هذه المومياء بعد التحنيط. ويهدف ذلك أيضا إلي التعرف علي طريقة التحنيط عند قدماء المصريين ومواقع التدخل الجراحي للقيام بعملية التحنيط، وكذلك تجميع بعض الصور وتحليلها لوضع صورة مجسمة للجلد كمحاولة لظهور جلد هذه المومياء، كما لو أنه لم يتجعد أو يتعرض للكرمشة نتيجة للتحنيط أو استعادة المومياء لشكلها أثناء الحياة وقبل تأثير المواد الحافظة علي هذه المومياء. ويأمل العلماء استخدام التقنيات الثلاثية الأبعاد علي مومياوات أخري محفوظة في القاهرةولندن.