ندي أثناء لقائها بالرئيس السيسى فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بعد عام طويل وشاق علي جميع الطلاب، أسدل الستار الأسبوع الماضي علي ماراثون الثانوية العامة، والتي شهدت العديد من المصاعب علي الطلاب وأولياء الأمور، بدرجات مختلفة بين الشخص والآخر، إلا أن تفوق ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين لم تمنعهم ظروف مرضهم من تحدي هذه الصعاب، وكذلك طلاب مدارس المتفوقين الذين عاشوا أجواء الثانوية العامة بمفردهم داخل مدارسهم الداخلية بعيدا عن والديهم، كان يستحق إلقاء الضوء عليهم. "آخرساعة" من جانبها، اختارت هذا العام أن تتواصل مع أوائل المكفوفين والدمج ومدارس المتفوقين، للتعرف علي حجم التحديات التي واجهتهم، في محاولة للتركيز علي تجاربهم، وكذلك الاستماع إلي ما واجهوه من مصاعب، وإيصال شكواهم إلي وزارة التربية والتعليم التي من المفترض أن تولي اهتماما متزايدا بهم. في البداية، روت منة الله خميس حسين علام الأولي علي مستوي الجمهورية للمكفوفين، قصتها مع النجاح في المرحلة الثانوية قائلة: "في البداية كان من المهم أن يكون لديَّ ثقة في نفسي وبعدها بدأت التركيز الشديد في المواد الدراسية، وهو ما ساعدني في نهاية العام في أن أراجع جميع المناهج الدراسية كل أسبوع، حتي دخلت الامتحانات ولم أجد فيها أي صعوبات تذكر". وأضافت: "الطريق نحو المركز الأول لم يكن مفروشا بالورود تحديدا خلال الفصل الدراسي الثاني والذي تعرضت فيه للإعياء الشديد وكان لابد أن أستريح لأوقات طويلة داخل المنزل ولم أتمكن من الذهاب إلي المدرسة التي كنت أحرص علي التواجد بها علي مدار العام الدراسي". لكنها أشارت في الوقت ذاته إلي أن الذهاب إلي المدرسة كان في حد ذاته أمرا صعبا بالنسبة لها، إذ إنها كانت تقضي ساعات طويلة داخل الأتوبيس الخاص والذي كان ينقلها من منزلها بمنطقة سيدي بشر إلي منطقة محرم بيك، حيث مقر مدرستها النور الحكومية للمكفوفين، والتي قضت فيها سنوات المرحلة الثانوية. المصاعب التي واجهتها لم تقف عند هذا الحد، إذ إن الكتب الدراسية المطبوعة بطريقة "برايل"، تأخرت طباعتها هذا العام بسبب فساد إداري داخل وزارة التربية والتعليم والتي عهدت علي التأخير في طباعة الكتب المدرسية كل عام ووصل الأمر هذا العام إلي كتب "البرايل"، وأشارت إلي أنها لم تستلم بعض الكتب من الأساس. وبالتالي فإنها كانت أمام حتمية الاعتماد علي المذكرات الخارجية، وهنا واجهتها أيضاً صعوبات أخري لم تكن في الحسبان، إذ إن تلك المذكرات كانت بالطباعة العادية، وكان علي منة ووالديها أن يحولوا تلك الكتب إلي طباعة "برايل"، عن طريق إحدي دور الطباعة الخاصة، الأمر الذي كان يستغرق أوقاتاً طويلة للانتهاء منها، بالإضافة إلي الأعباء المالية المرتفعة والتي كانت تتكبدها. وبالرغم من متاعب المدرسة والمذكرات والدروس الخصوصية، إلا أن منة الله كان ينتظرها في المنزل اهتمام ورعاية من والدتها التي كانت تحرص يوميا علي مذاكرة الدروس معها، وقالت: "والدتي كانت تساعدني علي تنظيم وقتي داخل المنزل، ولم تكن تغيب عني طول فترات المذاكرة وكانت تساعدني علي استذكار الدروس، وزاد هذا الأمر بشكل أكبر خلال فترة الامتحانات". وتتمني منة الله أن تحصل علي منحة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التي يتواجد مقرها بمحافظة الإسكندرية، بسبب حلمها الالتحاق بكلية الألسن، التي لا يتوفر لها فرع داخل جامعة الإسكندرية الحكومية، وسيكون لزاما عليها التوجه إلي القاهرة لتحقيق حلمها، الأمر الذي سيكون مستحيلاً نظرا لظروفها الصحية. وبسبب قلة الكليات المتاحة للمكفوفين بمحافظة الإسكندرية فإن المجموع الذي حصلت عليه منة الله والذي بلغ 406 درجات من 410 درجات سيقتصر علي كليات الخدمة الاجتماعية والحقوق والآداب، وهو ما جعلها تناشد المسئولين الحكوميين من خلال "آخرساعة"، لتوفير منحة دراسية لها لدراسة اللغات داخل محافظة الإسكندرية. أما الحالة الثانية والتي اخترنا إلقاء الضوء عليها كانتا، التوأم، نادين وندي شريف أحمد منصور المنسي، الأول والأول مكرر علي مدارس الدمج علي مستوي الجمهورية بمجموع 410 درجات لكل من الطالبتين، في البداية، قال شريف المنسي، والد الطالبتين، إن تجربة الدمج في حد ذاتها تعد من التجارب الجميلة بالنسبة للطلاب ذوي القدرات الخاصة، إذ إنها تخلق جواً اجتماعياً بين الطلاب وتمهد لكيفية التعامل مع الوضع الصحي وظروف الإعاقة خلال المرحلة الجامعية. لكن ذلك كله أيضا لم يمنع من وجود صعوبات واجهت ولي الأمر منذ أن قرر إلحاق ابنتيه بإحدي مدارس الدمج، ففي البداية لم يكن أمامه سوي المدارس الخاصة لضمان مستوي معين من التعامل والجودة مع توأمه، غير أن الإهمال أيضاً كان قد طال المدرسة التي التحقتا بها منذ الصف الأول الابتدائي واضطر إلي تغيير المدرسة مع نهاية المرحلة الابتدائية، وهنا واجهته صعوبات أكبر في العثور علي مدرسة قريبة وبإمكانيات تستوعب ظروف ابنتيه، إلي أن استقر بمدرسة لازور ديليزيه الخاصة إلي أن تخرجتا منها في الصف الثالث الثانوي. ومنذ المرحلة الابتدائية، تتفوق ندي ونادين في الدراسة فكانتا تحصلان علي المراكز الأولي في جميع السنوات الدراسية، غير أن تأدية الامتحانات في حد ذاتها كان بها صعوبات عدة أيضاً، بحسب والد الطالبتين، تحديداً في الشهادات، والتي تتطلب أن يكون هناك مرافق قانوني لدي كل منهما لكتابة الإجابات، وكان الروتين المعتاد داخل وزارة التربية والتعليم يتسبب في تأخير إصدار التراخيص الخاصة باختيارهم، إلي درجة أن ولي الأمر كان يضطر الذهاب يوميا إلي مقر الوزارة لمدة شهر حتي ينتهي من الأوراق المطلوبة. وتعاني ندي من فقدان حاسة الإبصار بعد شهر من ولادتها، أما نادين فحالتها تعد نادرة، إذ إنها استمرت 12 عاماً من دون أي إعاقات قبل أن تفقد البصر في إحدي عينيها فيما تعد نسبة الإبصار ضعيفة للغاية في العين الأخري، وقالت ندي، إنها وأختها كانتا عنصرين مكملين لبعضهما البعض خلال المرحلة الثانوية سواء من خلال استذكار المواد الدراسية أو التشجيع علي المذاكرة. غير أن النقطة الفارقة التي أثرت إيجابيا علي معنويات الطالبة ندي، كانت لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال الندوة الثقيفية للقوات المسلحة والتي عقدت في 28 إبريل الماضي، بعد أن أثني الرئيس علي أدائها وطالب بالتقاط صورة تذكارية معها، وتقول ندي: "كان ذلك بالنسبة لي حلماً منذ العام 2013، تحقق علي أرض الواقع، إلا أنني حلمت أيضا بالتفوق بالثانوية العامة ولقاء الرئيس مرة أخري وهو ما سيتحقق قريباً أيضاً". أما الحالة الثالثة والتي كانت تستحق التركيز عليها، فكان الطالب مينا أشرف جميل صليب، الأول علي مستوي الجمهورية بمدارس المتفوقين "ستيم"، بمحافظة الإسماعيلية، وهي المدارس التي يختلف نظام الدراسة فيها عن المدارس الثانوي العادية سواء كانت حكومية أو تجريبية أو خاصة، كما أن المجموع النهائي لها يبلغ 700 درجة وليس 410 درجات فقط مثلما الوضع بالنسبة للثانوية العامة التقليدية. وبحسب مينا، فإن النظام التعليمي الذي تتبعه مدارس المتفوقين يعد الأصعب علي جميع المستويات التعليمية المصرية، وأن تلك الصعوبة لا تكون في المناهج أو طرق التدريس ولكنها ترتبط في طريقة احتساب المجموع الكلي للطلاب مقارنة بطلاب الثانوية العامة، والذي يعتمد علي النسبة المرنة، ويقيس أعداد الطلاب مقارنة بطلاب الثانوية العامة ونسب إلحاقهم بالجامعات الأمر الذي يؤدي للنهاية إلي أن كليات الطب في جميع المحافظات لا تقبل سوي 20 طالباً من طلاب المتفوقين البالغ عددهم 700 طالب في الصف الثالث الثانوي علي مستوي الجمهورية. وأشار مينا إلي أن الصعوبة الثانية التي تواجه الطلاب المتفوقين ترتبط بصعوبة الامتحانات وعدم تناسبها مع المناهج الدراسية، وبالتالي فإن الطالب الثاني علي مدرسة المتفوقين بمدرسة الإسماعيلية رسب في إحدي المواد، لافتاً إلي أن تلك الصعوبة لا ترتبط بمستوي الامتحان ولكنها ترتبط بعدم الربط بين الأسئلة والمناهج التعليمية، وهو أمر يعانيه طلاب مدارس المتفوقين منذ سنوات طويلة. وعلي عكس باقي الطلاب فإن مينا كان يذاكر دروسه بمفرده بعيداً عن أهله بسبب ظروف المدرسة الداخلية، والتي تسمح له بالذهاب إلي أهله يومي الجمعة والسبت فقط، كما أن معظم مذاكرته تكون داخل المعامل العلمية، إذ إن طريقة التدريس ترتبط بالتطبيقات العملية وليس الجانب النظري كما الحال بالنسبة للثانوية العامة. بالإضافة إلي أن غياب الصيانة الدورية للمدرسة والمعامل أدي، بحسب مينا، إلي تعطل السبورات الذكية وأجهزة العرض أكثر من مرة، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم استجابة وزارة التربية والتعليم لاستغاثات المدرسة بعد تعطل تلك الأجهزة وهو ما يضطر الطلاب وأولياء الأمور إلي تحمل تكاليف إصلاحها، ما تسبب في تحويل عدد كبير من الطلاب من المدرسة قبل الوصول إلي الصف الثالث الثانوي هرباً من كل هذه المشكلات.