الصفائية في الصيام تجعل الصائم أهلا للدعاء، وقد لا يكون حظك من هذا الدعاء الاجابة، وإنما يكون حظك فيه العبادة. ولنتعلم من الإمام علي كرم الله وجهه حين دخل عليه إنسان يعوده وهو مريض فوجده يتأوه، فقال له: أتتأوه وأنت أبو الحسن. قال: أنا لا أشجع علي الله. إذن فقوله: »وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي» تعني ضرورة الاستجابة للمنهج، »وليؤمنوا بي» أي أن يؤمنوا به سبحانه إلها حكيما. وليس كل من يسأل يستجاب له بسؤاله نفسه؛ لأن الألوهية تقتضي الحكمة التي تعطي كل صاحب دعوة خيرًا يناسب الداعي لا بمقاييسه هو ولكن بمقاييس من يجيب الدعوة. ويذيل الحق الآية بقول: »لعلهم يرشدون» فما معني »يرشدون»؟ إنه يعني الوصول إلي طريق الخير وإلي طريق الصواب. وهذه الآية جاءت بعد آية: »شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس» كي تبين لنا أن الصفائية في الصيام تجعل الصائم أهلا للدعاء، وقد لا يكون حظك من هذا الدعاء الإجابة، وإنما يكون حظك فيه العبادة، ولكي يبين لنا الحق بعض التكليفات الإلهية للبشر فهو يأتي بهذه الآية التي يبين بها ما يحل لنا في رمضان. يقول الحق: »أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَي الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)». اه. بعد أن أورد لنا الحق آداب الدعاء ومزجها وأدخلها في الصوم، يشرح لنا سبحانه آداب التعامل بين الزوجين في أثناء الصيام، ويأتي هذا التداخل والامتزاج بين الموضوعات المختلفة في القرآن لنفهم منه أن الدين وحدة متكاتفة تُخاطب كل الملكات الإنسانية، ولا يريد سبحانه أن تظهر أو تطغي ملكة علي ملكة أبدا. يقول الحق: »أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلي نِسَائِكُمْ» وساعة تسمع »أُحِلَّ لَكُمْ» فكأن ما يأتي بالتحليل كان محرماً من قبل. والذي أحله الله في هذا القول كان المحرم عينه في الصيام، لأن الصيام إمساك بالنهار عن شهوة البطن وشهوة الفرج، فكأنه قبل أن تنزل هذه الآية كان الرفث إلي النساء في ليل الصيام حراماً، فقد كان الصيام في بدايته إمساكاً عن الطعام من قبل الفجر إلي لحظة الغروب، ولا اقتراب بين الزوجين في الليل أو النهار. فكان الرفث في ليلة الصيام محرماً. وكان يحرم عليهم الطعام والشراب بعد صلاة العشاء وبعد النوم حتي يفطروا. وجاء رجل وقال لرسول الله صلي الله عليه وسلم: ذهبت فلم أجد أهلي قد أعدوا لي طعاما، فنمت، فاستيقظت يا رسول الله فعلمت أني لا أقدر أن آكل ولذلك فأنا أعاني من التعب، فأحل الله مسألتين: المسألة الأولي هي: الرفث إلي النساء في الليل، والمسألة الثانية قوله الحق: »وَكُلُواْ واشربوا حتي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر» أي كلوا واشربوا إلي الفجر حتي ولو حصل منكم نوم، وهذه رخصة جديدة لكل المسلمين مثلها مثل الرخصة الأولي التي جاءت للمسافر أو المريض، كانت الرخصة الأولي بخصوص مشقة الصوم علي المسافر أو المريض، أما الرخصة الجديدة فهي عامة لكل مسلم وهي تعميق لمفهوم الحكم. وقد ترك الحق هذا الترخيص مؤجلا بعض الشيء لكي يدرك كل مسلم مدي التخفيف، لأنه قد سبق له أن تعرض إلي زلة المخالفة، ورفعها الله عنه، وانظر للآية القرآنية وهي تقول: »هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ». كلمة »تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ» هذه تعلمنا أن الإنسان لم يقو علي الصوم كل الوقت عن شهوة الفرج، فعندما تركك تختان نفسك، ثم أنزل لك الترخيص، هنا تشعر بفضل الله عليك.