صعب جدا أن تحدد أيهم أكثر عنفا.. الثلاثة يرفعون لواء الجهاد فى سبيل تحويل المسلمين إلى وقود معارك همجية.. الفتح العظيم بالنسبة لهم هو إثبات أن «الولاء والبراء» عقيدة، ذلك أنهم لو نجحوا فإن البشر سينقسمون - بحسب تعبير أحدهم - تلقائيا إلى فسطاطين.. فسطاط إيمان لا نفاق فيه.. وفسطاط نفاق لا إيمان فيه.. وبالتالى يمكن أن تخرج الأمة لنصرة دينها. بالطبع.. الثلاثة ومن هم على شاكلتهم من دعاة ومريدين فى طليعة الفسطاط الأول، ومن يختلف معهم سواء كان مسلما أو غيره يتبع الفسطاط الثانى. أبو إسحاق الحوينى يخترع توليفة أحكام تربط التوحيد بكراهية غير المسلم.. الإسلام ركنان، الولاء لله والإسلام، والبراء أو الكراهية لكل ما هو غير إسلامى.. ومن يحبون أو يحترمون أى شىء غير إسلامى ناقصو إيمان. المجتمع عند الحوينى يشبه الزجاجة، والنصارى هم الطين المستقر فى قعرها، والمسلمون هم الماء الرقراق.. وعندما يصب هذا الماء الرقراق فى الزجاجة فإنه يتعكر بفعل الطين.. من نفس الكهف يزايد محمد حسان بأنك إذا انتصرت للنصرانى بالقلب أو باللسان فهذا ينقض أصل الإيمان.. فإذا كان لك جار نصرانى فلابد أن تتبرأ منه لأنك بذلك تتبرأ من الشرك والمشركين.. كما أنه لا يجوز الأكل من طعام النصارى لأنهم لم يسموا عليه اسم الله ولا يجوز على المسلم إطعامهم. محمد حسين يعقوب ليس أقل من سابقيه، هو مثلهما تائه فى الكهف نفسه، يشعلها بقوله: «تهنئة غير المسلمين بأعيادهم حرام وكفر وإن نجا الذى يهنئ من الكفر فقد وقع عليه غضب من الله وذلة.. وعليه لابد من ردع من يهنئ المسيحيين بأعيادهم.. كما يجب على المسلمين ألا يبيعوا للمسيحيين يوم عيدهم لحما أو ثوبا ولا وسيلة مواصلات لأن هذا تعاون على الكفر». يقطع الحوينى الطريق على هولاء المزعجين الذين يؤمنون بأن الله سلام ومحبة بقوله: أعرف أنهم سيقولون أننى أستعدى المسلمين على شركاء الوطن.. وأقول لهم إنى لا أستطيع من أجل الديمقراطية والإصلاح وتلك المصطلحات «الواهية» أن أغير شرع الله.. كذلك يرمى محمد حسان الديمقراطية بالكفر.. ومثله حسين يعقوب. المسيحية عند محمد حسان - بحسب ماقاله فى إحدى خطبه - دين فاجر خبيث، والإنجيل كتاب جنسى.. وأساس العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين عند الحوينى هى الحرب.. والجهاد ليس الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الظلم والعدوان، ولكن هو «قتال المشركين لنشر الإسلام». يقول الحوينى: «الفقر اللى إحنا فيه سببه ترك الجهاد، مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة أو اتنين أو تلاتة، مش كان هيسلم ناس كتير فى الأرض واللى يرفض هذه الدعوة، ويحول بيننا وبين دعوة الناس مش كنا نقاتلهم وناخدهم أسرى، ونأخذ أموالهم وأولادهم ونساءهم، وكل دى عبارة عن فلوس، وكل واحد مجاهد كان بيرجع من الجهاد وهو جيبه مليان، معاه اتنين تلاتة شحوطة وتلات أربع نسوان وتلات أربع ولاد، اضرب كل رأس فى 900 درهم أو 600 دينار تلقيه راجع بمالية كويسة، وكل ما يتعذر ياخد راس يبيعها ويفك أزمته». يحرم الحوينى إلقاء السلام على المسيحى، ويطالب بفرض الجزية على الأقباط باعتبارها علامة من علامات العزة والكرامة.. مؤكدا أنه يجب أن يدفعها المسيحى وهو مدلدل ودانه. الثلاثة يجاهدون من أجل وضع خط فوق الكلام المهم على أساس أن النصارى هم من يضعون الخط تحت الكلام المهم. نحن - حسب حسين يعقوب - للأسف نعيش فى مجتمع جاهل لا يمت إلى جوهر الدين بصلة، مجتمع بعيد عن القيم، مجتمع تعطلت فيه كل حواس الخير.. إن الذين يعيشون اليوم باسم الإسلام يحتاجون من ينتشلهم من الجاهلية «.. النهاردة مصر ستين مليوناً والستين مليوناً ينافقون بعضهم البعض..لبس القميص والبنطلون من رواسب الجاهلية، كذلك الموسيقى.. كما أن محمد حسان ابتكر فتوى خرافية تستعيد الزمن البدائى، زمن الملكية المشاع ووحشية البشر، حين أفتى بأنه «إذا كانت الآثار فى أرض تملكها أو فى بيت لك، فهذا حقك ورزقك ساقه الله لك ولا إثم عليك ولا حرج، وليس من حق دولة ولا مجلس، ولا أى أحد أن يسلبك هذا الحق. الفتوى الجاهلة قوبلت بعاصفة غضب من المثقفين الذين رفعوا عريضة للنائب العام جاء فيها: إن الفتوى تهدر تاريخ وحضارة الأمة المصرية حال العبث بآثارها وإتلافها.. تراجع محمد حسان وأنكر الفتوى. الحوينى يعتبر الوطن مجرد تراب.. يشبه نفسه وأتباعه بالصحابة، والمجتمع المصرى بالمجتمع القرشى.. ويحرم الضرائب. الثلاثة قالوا: نحن نعيش فى زمان الغربة الثانية يدعى محمد حسان أن الصحابى خالد بن الوليد رضى الله عنه زاره فى مسجد التوحيد وهو يلقى أحد دروسه.. وعندما التفت الحضور لخالد بن الوليد قال لهم: لا تلتفوا فأنتم بين يدى عالم. يقطع حسان درسه ويقول لمسئول التسجيل فى قناة الرحمة التى يملكها «خلِّى دى لطلابنا فقط ومتزعهاش.. موش أنا رئيس القناة برضه». حسان لديه ماكينة تكفير نشطة، يكفر طه حسين ونزار قبانى وحيدر حيدر ومحمود درويش وأدونيس وخليل عبدالكريم، ويطالب بإقامة حد الردة على الأدباء والمفكرين لأنه على ولى الأمر المسلم أن يقيم عليهم حد الردة بعد الاستبانة فيقتلهم ويخلص المجتمع الإسلامى من شرورهم الخبيثة.. إذ إنه لو كان حد الردة قد طبق على كلب واحد منهم ما رأيت ردة بعد ذلك.. ينعت د.مصطفى محمود بالغبى، ويتطاول على الفيلسوف العظيم: «من ديكارت هذا الكافر المضل؟! كل ما قاله: أنا أشك إذن أنا موجود.. وكان عليه أن يقول أنا أشك إذن أنا دبوس». حسين يعقوب لايزال غارقا فى رواسب الجاهلية بأن المصايف حرام، ودياثة، كذلك الدش.. التأمين التجارى بكل صوره حرام. يعقوب يعتبر أن وجود التليفزيون فى البيت يسبب الصرع لأنه يجلب الشياطين.. وينشط الحوينى ماكينة الخنق والتحريم بأن التليفزيون يرسل أشعة تجعله يؤثر على العقل وتجعله نصف نائم، وأنه دمار وأخطر ما يكون وأنه يصيب بالسرطان المزمن. الثلاثة يتبعون منهجاً أنه ليس من الحكمة أن يواجه المسلم فى بداية دعوته الحكام لأنهم يملكون القوة.. لابد من نقطة أولى وهى - حسب صياغة الحوينى - أن ننقل العوام يقصد الجماهير - إلى تصحيح معتقداتهم وفق تأويلهم.. وبعد ذلك الخلية المؤمنة لا ترضى بأن يحكمها فاسق مهما كلفها ذلك.