من أجل أن نفهم الدور المتغير للنساء في الصين فلننظر إلي النجاح الساحق الذي حققته رواية اسمها «صعود دو لالا». القصة تحكي مغامرات الآنسة «دو» وهي تصعد الدرك الوظيفي بالشركة التي تعمل بها. ظل الكتاب لمدة 141 أسبوعا علي قائمة الكتب الصينية الأكثر مبيعا بعدها تحول إلي فيلم تصدر إيرادات شباك التذاكر، كما تحولت قصة الآنسة «دو» إلي مسلسل علي الإنترنت حقق أكثر من 100 مليون صفحة مشاهدة حتي الآن منذ بدء عرضه من منتصف أغسطس الماضي. تقول «ليو دانهوي»، واحدة من جماهير المعجبين والتي تعمل بالتسويق بشركة أجنبية أنها معجبة جدا بمثابرة وإصرار الآنسة (دو) وتؤمن أنه في المستقبل سيكون هناك المزيد والمزيد من النساء المماثلات لها في الصين. وفي الواقع فإن هناك الكثيرين مثل «ليو دانهوي» حتي إن قصة صعود «دو لالا» قد خلفت عددا من الأعمال الأدبية المتأثرة ب(دو لالا) والتي تصور طموحات فتيات المدينة الصينيات والعقبات التي تقف في طريقهن. بعد عشرات السنوات من إعلان الزعيم السياسي الصيني الراحل (ماو تسي تونغ) أن «النساء يحملن نصف السماء»، فإن قصة نجاح (دو لالا) وصديقاتها تعكس حقيقة غريبة عن النساء في الصين وهي أنهن - وفيما يبدو - أكثر طموحا من نظيراتهن في الولاياتالمتحدة. وحسب دراسة أجراها هذا العام مركز «CWLP» بنيويورك فإن أكثر من ثلث الفتيات الأمريكيات الحاصلات علي تعليم جامعي يصفن أنفسهن ب «الطموحات جدا»، وفي الصين قرابة ثلثي الفتيات يصفن أنفسهن بهذا الوصف. وفوق ذلك 77% من الصينيات يطمحن إلي الوصول إلي مواقع عليا في العمل في مقابل 50% فقط من الأمريكيات وبينما يشارك 77% من الصينيات في القوة العاملة بالصين هناك 69% فقط من الأمريكيات يفعلن. سبب واحد يقف وراء ذلك وهو أن الصين تتغير بسرعة فائقة حتي إن فرص العمل أصبحت متوافرة لأصحاب الإمكانيات من النساء والرجال. (ريبا راشد) نائبة رئيس بمركز «CWLP» تقول: إن النمو السريع يخلق هذا الحماس ويبني ميراثا ثقافيا وتاريخيا حيث إن الصينيات لا يتم فقط تشجيعهن للانضمام للقوة العاملة، لكن هذا هو المتوقع منهن طوال الوقت. واحدة من الأمور التي ترددت علي مسامع القائمين علي البحث الصادر عن مركز «CWLP» هو أن الشيوعية أكدت دائما علي أن النساء يستطعن أن يقمن بما يستطيع الرجال القيام به. وبالفعل الحكومة الشيوعية بالصين منحت فرصا متساوية للتعليم للأولاد والفتيات علي مدار عشرات السنين.(إيزوبل كولمان) - أحد المديرين بمجلس العلاقات الخارجية - يقول: إن ثورة البروليتاريا الثقافية التي قام بها (ماو) قد تسببت في ألم مهول للمجتمع لكنها في نفس الوقت دعمت حقوق النساء. والنتيجة: جيل من النساء والفتيات يؤمن أنهن ينتمين إلي الصفوة في الصين. في الولاياتالمتحدة هذا التغير تسبب في معارك ضارية استمرت عشرات السنوات حول حقوق المرأة وقضايا المساواة. علي سبيل المثال عام 1990 أثار تعيين (مادلين أولبرايت) كأول وزيرة خارجية في تاريخ الولاياتالمتحدة ضجة كبيرة ونفس الأمر تكرر مع (نانسي بيلوسي) حينما أصبحت أول امرأة ترأس مجلس النواب الأمريكي، مما كان ينظر له علي أنه حدث تاريخي. مع ذلك في الصين العوائق المؤسسية التي تقف أمام النساء الطامحات في النجاح أقل بكثير، هذا ما تقوله (جودي كيلاشند) مديرة تنفيذية في (مجتمع آسيا) التي نظمت مؤتمرا عن القيادة النسائية في هونج كونج في يونيو الماضي، لذلك فإن القيادات النسائية في الصين أكثر من الولاياتالمتحدة. واحدة من أكثر الشخصيات العامة المشهورة والمسئولة عن الانفتاح الاقتصادي للصين هي رئيسة الوزراء المتقاعدة (وو يي) التي تدربت كمهندسة بترول قبل حصولها علي الوظيفة الحكومية التي كان من ضمن مهامها التفاوض بشأن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية. اليوم وصلت نسبة المشاركة النسائية في البرلمان الصيني 3,21% وهي نسبة تفوق نسبة النساء في الكونجرس الأمريكي. أيضا طبقا لمنظمة Grant Thorton International فإن 8 من كل 10 شركات في الصين لديها نساء في مواقع إدارية عليا مقارنة بحوالي النصف فقط في الاتحاد الأوروبي والثلثين في الولاياتالمتحدة، كذلك في الصين 31% من الرؤساء التنفيذيين للشركات من النساء في مقابل 20% فقط في الولاياتالمتحدة. واحدة من ملوك تجار العقارات في الصين هي (زانج زين) التي تتحكم هي وزوجها في إمبراطورية (سوهو).. السوق الإلكترونية الأشهر في الصين. نصف النساء البليونيرات ال14 الموجودات علي قائمة فوربس لأغنياء العالم 2010 هن من البر الصيني الرئيسي. إذن كلما تمتلئ مدن الصين بناطحات السحاب والسيارات الفخمة كلما يسهل علي النساء أن ينظرن إلي أنفسهن كجزء مفتاحي من صورة الرخاء. أحد أسباب هذا الاختلاف أيضا يكمن في أن النساء في الولاياتالمتحدة يوصمن بالعار إذا عبرن عن طموحهن بشكل زائد عن الحد لأنهن قد وصلن إلي مستوي معين من المساواة والنجاح الملموس فالاحتمال الأرجح، والمفروغ منه هو أن النساء عليهن أن يضحين بالكثير من أجل حياتهن المهنية. عندما ترشحت (هيلاري كلينتون) لرئاسة الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال عاب عليها البعض كونها متحمسة أكثر من اللازم. (روزاليند هاندل) رئيسة التعددية والتضمين في شركة (إنتل) تقول: «كثير من النساء في الولاياتالمتحدة طموحات جدا لكنهن يخجلن من التعبير عن طموحهن». عامل آخر هو أنه تتم مساعدة النساء في الصين علي مزاولة أعمالهن من خلال تسهيل وتوفير سبل رعاية الأطفال. في الولاياتالمتحدة كما في معظم الدول الأوروبية تعيش النساء بعيدا عن الأهل والأقرباء، بالتالي يشعرن بلهفة وقلق من ترك أطفالهن في دور رعاية الأطفال، وفي كثير من الأحيان تتخلي الأمهات المتعلمات عن مواقعهن التي وصلن إليها في أعمالهن من أجل التفرغ لرعاية الأطفال. الوضع ليس كذلك في الصين فمراكز رعاية الأطفال موجودة قرب أماكن العمل والتركيز يكون علي أن المرأة تعمل من أجل منح طفلها حياة أفضل. يأتي علي رأس كل العوامل والأسباب أن الطموح أصبح مهارة مهمة للبقاء للبحث عن الفرص وخوض تحديات العيش في مجتمع ينمو ويتغير أسرع ربما حتي من أي دولة أخري، فالنساء الصينيات الصغيرات يشعرن بضغوط وجوب التحقق المهني ليس شرطا أن يكون هذا التحقق بمعايير الرجال، لكن علي الأقل بالقدر الذي يمكنهن من العيش في بلد تتضاعف فيه أسعار العقارات في المدن الكبري كل بضع سنين والمنافسة علي كل شيء حادة. بعبارة أخري في هذا العالم سريع الخطوات أصبح الطموح ينظر إليه كضرورة وهؤلاء الذين لا يمتلكونه لن يتمكنوا من اللحاق بركب تطور بلدهم ومجتمعهم. المقال مترجم من مجلة النيوزويك عدد 6 سبتمبر 2010