على شاطئ الشيخ عجلين الذى لا يبعد كثيرا عن المسجد المسمى بنفس الاسم، ولا يبعد أيضا عن الملتحين المتشددين من حماس، يلتقى شباب غزة لممارسة رياضة التزحلق، يتفقون دائما على الالتقاء فى الساعة الرابعة عصرا، والجميع سواسية فى هذه الرياضة الصياد مع الخباز والنجار والطالب يلتقون فى وقت واحد لممارسة رياضتهم الصيفية. الغريب أن هذه الرياضة تمارس فى غزة أرض الصراعات والموت، التى لا تتعدى مساحتها 41 كيلومترا طولا، ويعيش بها مليون ونصف المليون فلسطينى محاصرين منذ ديسمبر 2008 عقب اجتياح غزة. وعن نشأة هذه الرياضة فى غزة يقول الهندى عاشور، وهو من الرعيل الأول الممارسين لركوب الأمواج لمجلة «فى إس دى» الفرنسية إن زميله رجب أبوغانم كان أول من مارس هذه الرياضة فى القطاع فى أوائل التسعينيات، مما اجتذب إليه شقيقه سمير ورفاقه خميس عرفات وأخوه أيمن، وكان هو خامسهم. يضيف عاشور - 37 عاما - وهو منقذ بحرى فى بلدية غزة منذ عام 1994 ورئيس لجنة المنتخبات فى اتحاد السباحة وبطل سباحة فلسطينى إن «جيرة» هؤلاء الأصدقاء للبحر وسكنهم القريب منه، دفعتهم بقوة لعدم الاكتفاء بنوع واحد من الرياضات البحرية، ويتابع: سبعة عشر عاما مرت منذ مارست هذه الرياضة أول مرة، سبقتها وتخللتها سنوات طويلة فى السباحة الحرة وصلت إلى مسافة العشرين كيلومترا فى إحدى المرات، فضلا عن سنوات من ركوب القوارب الشراعية والتمرس فى قيادتها، شرد عاشور بذهنه مشيرا إلى الشاب الذى يكافح البحر، فهذا المشهد أعاد له الأمل فى تحقيق الشبان الجدد شيئا ما، ويواصلون الحلم الذى انقضى عن جيله، ففى عام 2005 لاحظ اهتمام شريحة وإن كانت قليلة، من الفتيان بهذه الرياضة. وشهد عام 2005 نقلة نوعية بالنسبة للمتزحلقين فى غزة، حين زار مواطن أجنبى يدعى «ماثيو أولسن» غزة، ولفت انتباهه مجموعة من الشبان وهم يمارسون التزحلق باستمتاع، رغم افتقادهم الإمكانيات اللازمة وإجراءات السلامة الضرورية، وأعد «أولسن» تقريرا عن ممارسة شبان غزة لهذه الرياضة «متفاجئا» من الصورة الحقيقية للفلسطينيين على أرض الواقع كأشخاص يحبون الحياة ويتمتعون ويبدعون فى كل ما أتيح لهم من رياضات ونشاطات. على أثر ذلك، وبجهود متواصلة، تمكن من الحصول على دعم خارجى بمعدات وألواح تزلج «شياطات» لتزويد «مركمجى» أو شياطى» غزة - كما يحلو لهم تسمية أنفسهم - وبما استطاع توفيره، كما أنه يزور القطاع بين فترة وأخرى ويتفقد أحوال الشبان، الذين ينتظرون قريبا حصولهم على ألواح ومعدات جديدة لتحديث «ما عفى عليه الزمن» مما لديهم. وفى عام 2007 أنشأ أول ناد لتلك الرياضة وقامت المؤسسة الأمريكية - الإسرائيلية لرياضة التزحلق من أجل السلام بتصنيع عشرات الألواح الخشبية فى تل أبيب وبهذا تكون إسرائيل قد كسرت الحصار الاقتصادى الذى فرضته بنفسها على الفلسطينيين والنادى به اليوم عشرون عضوا، ويوجد فى غزة ما بين خمسين وستين شابا وفتاة يمارسون هذه الرياضة، وهو عدد ليس بكبير مقارنة بعدد السكان فى القطاع. ولكن «آرتور راشكوفان» الذى يدير نادى التزحلق من أجل السلام يقول: «إن العلاقة التى ربطت بين الفلسطينيين والإسرائيليين أهم من الرياضة نفسها، نحن لا نمارس السياسة وأصبحنا أصدقاء ويمكن خلال بضع سنوات أن تتغير الأشياء». ويعود أصل هذه الرياضة - التزحلق أو «الركمجة» - إلى جزيرة هاواى التى أصبحت ولاية أمريكية لاحقا، حيث لاحظ مكتشف الجزيرة الرحالة البريطانى جيمس كوك فى عام 1778 أن هذه الرياضة تعد تقليدا شعبيا معروفا لدى شعب الجزيرة، وأنهم كانوا يمارسونها على مدى قرون طويلة، ورصد الرحالة البريطانى أن أبناء الجزيرة كانوا يقيمون مسابقات مخصصة لهذه الرياضة التى كان يمارسها السكان من الجنسين على ألواح خشبية يتراوح طولها بين 4 - 5 أمتار ويحظى الفائزون منهم بجوائز وتقدير كبير. وانتقلت الفكرة من هاواى مع بدايات القرن العشرين إلى الغرب وتطورت بشكلها الحالى فى مجال المعدات والمعايير والمهارات، التى يمارسها «المركمجون» حول أنحاء العالم، حتى أضحت إحدى الرياضات البحرية المميزة بالمغامرة والمتعة والمنافسة فى آن واحد. وشهد عام 1964 انطلاق الاتحاد الدولى لركوب الأمواج الذى نظم بطولات دولية فى هذه الرياضة منذ نشأته للمحترفين والهواة، وأطلق منذ عام 1980 بطولة عالمية للناشئين، ويضم الاتحاد فى عضويته 50 دولة فى القارات الست ومقره الرئيسى فى «لا هولا» فى ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وتتكون المعدات اللازمة لممارسة الرياضة، من بدلة السباحة الخاصة ولوح «الركمجة» وتختلف أطواله بين 120 سنتيمترا وثلاثة أمتار، بالإضافة إلى حبل خاص يربط فيه الرياضى معصم قدمه باللوح، وكذلك قطع الشمع الخاصة التى تعطى ملمسا يحافظ على تمسك «المركمج» مع اللوح فى حال انسيابه مع الموجة.