فى النهاية، لا يصح إلا الصحيح.. وفى النهاية، لابد أن أعود إليه.. فى النهاية، ليس له مفر، إلا «أنا».. أيا كان، ذلك الذى أفعله.. أيا كان، ذلك الذى يفعله.. فى النهاية، قدرنا الالتصاق ببعضنا البعض.. حتى آخر العمر. نعيش معا.. نتأمل معا.. نتألم معا.. ننزف معا.. نتكلم معا.. نصمت معا.. نبكى معا.. نتحرك معا.. ونتجمد معا. ثلاثة أسابيع مرت، ونحن فى خصام، لا سبب له. وحينما تنتفى الأسباب، يعنى ذلك أن السبب كبير جدا، إلى درجة، أننى أعجز عن رؤيته. ثلاثة أسابيع مرت، ونحن نتبادل نظرات الاتهام.. والشك.. وغرابة الأسئلة.. أيام عبرت سمائى.. ولست أحسبها من عمرى. أيام جافة، لا تمطر، ولا تثمر، أيام صماء، لا تسمعنى.. أيام بكماء، لا تحدثنى.. أيام عمياء، لا ترانى. ثلاثة أسابيع مرت، دون العناق الوحيد، الذى يشعرنى بأنوثتى، وأننى امرأة وفية لا أنسى «العِشرة» الطويلة، للعناق، وأننى مهما، أقمت فى أفخم الفنادق، فهو «بيتى». ثلاثة أسابيع، طواها الزمن، من أجندة زمانى، دون أن «أعانق القلم». كم اشتقت إليه، بين أصابعى.. يخط ما.. يحلو له، من حزن، أو غضب، أو تأمل، أو فرح. كم اشتقت إلى الأقلام السوداء، والصفحات البيضاء.. والتخيلات الشاطحة دون رقابة، أو حذف، أو سوء فهم، أو عدم فهم. كم اشتقت، إلى تحويل، الحياة من حولى، إلى لعبة من الكلمات.. لأننى آخذ الحياة ب «جدية»، أكثر من اللازم.. أكثر مما تتحمله صحتى.. أكثر مما يحتمله عقلى. ثلاثة أسابيع، فاتت وأنا مسجونة فى الغياب.. معتقلة فى اللاوجود. ثلاثة أسابيع، مضت دون أن «أكتب». هذا هو تعريفى، للجحيم، أو السجن الأبدى، مع الأشغال الشاقة، أو الموت مع أننى أتحرك.. «ألاَّ أكتب». كم أوحشتنى الكتابة.. والآن، فى هذه اللحظة، التى تعيد اتزان الكون.. وترسل الابنة الضالة، إلى «بيتها».. أجده مرة أخرى، بين أصابعى، متلهفا، إلى البقاء أطول مساحة ممكنة، من الصفحة البيضاء.. «قلمى». أوقعنى «قلمى» فى مأزق، هل بعد غيابه عنى، ثلاثة أسابيع، أفرض عليه لغة محددة؟ أو قضية معينة؟ أم أحتفل به، وبرجوعى إليه.. وبعودته إلى أصابعى، وأدلله قليلا، وأتركه حرا، «يغنى» ما يشاء؟! حاولت مع «القلم».. مرات ومرات، أن يلعب بالكلمات، فى قضية أسعار اللحوم، أو محاكمة قاتل المطربة اللبنانية.. أو قضية الانتخابات الرئاسية.. أو مقتل وسحل الشاب المصرى فى لبنان.. أو حتى يقول كلمته، فى إصلاح التعليم.. وتقويم المقررات الدينية فى المدارس.. وهل يوافق، على أن تكون مؤسسة الأزهر، هى المرجعية الدينية دون شريك.. وهل يؤيد المظاهرات، والاعتصامات، والاحتجاجات، وحملة ربات البيوت، فى عدم شراء اللحم.. وكيف يفلسف انفجار البركان الأيسلندى.. وما موقفه من الفساد المستشرى فى كل مجال.. وازدحام الشوارع، فى كل وقت.. فى كل يوم.. وهل نحن حقا، فى زمن الرواية، أم زمن الشعر؟ انتفض القلم «غاضبا» وقال: «أنا لست موظفا لديك.. تأمريننى للكتابة فى قضية، فأعطيك دون مناقشة. أنا «القلم» وأنت «الكاتبة».. ترى أيهما يحكم، ويسيطر، ويأمر، وينهى؟ ترى هل أنا «القائد» أم أنتِ «القائدة» أنا لست مؤهلا، الآن، للخوض فى تلك القضايا المتهالكة، المكررة.. المتشابهة كل زمن.. إن طموحى، فى الكتابة أكبر من كل تلك القضايا.. والتعبير عندى، ليس بالضرورة، التعليق على الموجود، ولكن فى المقام الأول، اشتياق إلى غير الموجود». لست على خلاف، مع «غناء القلم»، كما يريد. وأومن بما يؤمن به.. ولى تجارب معه، حين حاولت أن أضغط عليه، للتدخل فى قضية، لم تكن على هواه، ولم تتناغم مع مزاجه الشادى. فما كان منه، إلا أن هجرنى. وفى النهاية، لا يصح إلا الصحيح.. فى النهاية، «أنا»، و«قلمى» متشابكان ومتعانقان فى «ضفيرة» واحدة معقدة، لا أحد منا، يستطيع الفكاك من الآخر. ولم محاولات الفكاك إذا كان هذا هو قدرنا؟! لذلك، حين يغنى «القلم»، اليوم فهو يغنى «فرحانا» بالرجوع إلى صفحته.. إلى أمه.. إلى بيته.. إلى موقعه فى معركة شائكة المصير.. طويلة الأمد، تنبع كلها، وتصب، فى نهر التغيير، والنظر إلى المحال، والبعيد. من بستان قصائدى؟ جفت منابعى تقصفت خصلات شعرى نشفت أحلامى ضمرت أصابعى تقلصت طموحاتى زاد وزنى قلَّ كلامى لكن الجديد فى حياتى أننى ب كل هذه الأمور لم أعد أبالى ؟